الجزائر - Constantine

حوار مع الدكتور أحمد شرفي الرفاعي



قلت للأستاذ الجامعي بقسنطينة حسن خليفة الذي كان دليلي إلى بيت الدكتور شرفي الرفاعي في حي الدقسي، سأحاور هذه المرة رجلا عالما شديد المراس، خبر وعرك الحياة واغترف من مناهل شتى بكفيه ما شاء له أن يغترف من معهد ابن باديس إلى الزيتونة إلى القاهرة إلى بغداد وهو بذلك متعدد الثقافات ولا يعالج القضايا معالجة الفقيه الجامد على النصوص،ولا معالجة العقلاني المعتمد على العقل الصرف الذي لا يخلو من الذاتية والمؤثرات البيئية والاجتماعية مهما ادعى صاحبه النزاهة، وما الناس إلا أبناء بيئاتهم وصدى لمذاهبهم التي نشأوا عليها ومجتمعاتهم،فالدكتور شرفي الرفاعي يجمع بين المعقول والمنقول ويتخذ من التاريخ مرآة يحلل بها الحاضر والمستقبل ويحدد به اتجاه المجتمعات والحكومات.


فضلا عن ذلك فقد خبر الدعوة والدعاة في الجزائر في السرية إبان الحزب الواحد وفي الديمقراطية حين تحول الكثير من رفقاء دربه في الدعوة إلى سياسيين ومنهم رئيس حركة مجتمع السلم حاليا الشيخ أبوجرة سلطاني حيث كانا ينشطان جنبا إلى جنب في التوجيه والإرشاد بقسنطينة هذا يقيم درس الجمعة والآخر الخطبتين ناهيك عن المحاضرات المشتركة والندوات،ويقول عن هذه العلاقة بعد أن فرقت بينهما السياسة إنها مجرد مجاملات الآن ،ولا تربطني برفيق دربي القديم حاليا أية رابطة من العقيدة والدين ،ويفسر ذلك بأن رفيق دربه لا يستطيع وإن كان هو الرئيس أن يغير من وضع الحركة شيئا لأنه لم يصنع البيئة والمحيط اللذين وضعهما من قبله من ساروا بالحركة في الاتجاه غير الصحيح وما أبو جرة إلا حالة شاذة سدوا به الثغرة الكبيرة التي تركها محفوظ نحناح ولا يمكن أن يسدها سواه،وحتى في المناسبات الهامة كذكرى وفاة المرحوم محفوظ نحناح -الذي كان مستشاره وناصحه -لا يوجهون لي دعوة للحضور.

ولعل ذلك يعود إلى عدم رضا تلك الحاشية التي لا تقبل النصيحة ولا النقد جراء التوجيهات والتحذيرات التي كتبها الدكتور شرفي الرفاعي في بداية التسعينيات بجريدة الخبر وهي موجهة رأسا للشيخ محفوظ نحناح وفحواها أن الحركة لا تسير في الاتجاه الصحيح، وقد كان الدكتور الرفاعي مديرا لمجلة الإرشاد الشهرية التي أنشأتها جمعية الإرشاد والإصلاح سنة 1989 وكنت أحد كتابها وصحفييها وأضطر في غياب التكنولوجيا الحديثة في ذلك الوقت كالفاكس والانترنت،وحتى لا أزعج الدكتور من خلال الإملاء الطويل الممل عبر الهاتف إلى ركوب القطار من العاصمة إلى قسنطينة لأخذ الافتتاحية التي يكتبها الدكتور للمجلة يدا من يد وأعود إلى العاصمة في اليوم نفسه.

لقد ترك الدكتور في نفسي أثناء هذا الحوار مشهدا لا أنساه أبدا وهو عندما حبست الدموع كلماته في حلقه فسالت كحبات اللؤلؤ على لحيته البيضاء أثناء الحديث عن الجزائر التي يراها تُطعن وتُذبح من الوريد إلى الوريد على يد الجميع من إسلاميين في ما يزعمون ومن علمانيين وديمقراطيين ووطنيين.

هو من مواليد 1934 ببلدية خنشلة ولاية خنشلة حسب بطاقة التعريف ،وفي 1350هجري المناسبة ل1932 م ببوحمامة ولاية خنشلة حسب شهادات الأقارب ،متزوج وأب لستة أبناء ،درس بقسنطينة في معهد عبد الحميد بن باديس من 1948 إلى 1952 وانتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ودرس به سنوات 1954 -1956 ،ودرس بالأزهر في القاهرة سنوات 1956 -1957 ،ودرس بجامعة بغداد سنوات 1958 -1961 ،وواصل دراسته العليا بكلية الآداب جامعة القاهرة سنتي 1961 -1962 .

المؤهلات العلمية:

حائز على الأهلية من تونس سنة1953 ،وعلى الثانوية العامة “الباكلوريا” من الأزهر سنة 1957 كما درس بكلية دار العلوم بالقاهرة سنة 1957 -1958 ،وحائز على ليسانس الآداب من بغداد سنة 1961 ،وحائز على شهادة النجاح للسنة التمهيدية للماجستير في الآداب من كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1962 ،ودكتورا الطور الثالث من جامعة الجزائر سنة 1979 .

الحياة المهنية:

مدرس بالتعليم الثانوي من 1962 إلى 1972 ،ومدرس بمعهد الآداب واللغة العربية بجامعة قسنطينة من 1972 إلى 1987 ،وأستاذ مشارك في تدريس الحديث النبوي الشريف وفقه السيرة في المعهد الوطني للتعليم العالي في الشريعة بباتنة 1996 ،ومدير لمعهد الحضارة الإسلامية بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من 1987 إلى 1989 ،ورئيس المجلس العلمي لمعهد الآداب واللغة العربية 1989 -1990 .

الإنتاج العلمي:

له ما يقارب 22 مؤلفا من أشهرها التعريف بالقرآن الكريم،وجراح التاريخ وعاهاته،والسيرة النبوية الشريفة دلالات وعبر،ومفهوم جماعة المسلمين عند الإمام أبي يعلى ومقتضياته،وهو تحت الطبع….ويدرس حاليا دروسا بمسجد أبي أيوب الأنصاري بقسنطينة.التقيتُ به في بيته وأجريتُ معه هذا الحوار إليكموه.

بصفتكم من القلائل الذين جمعوا بين جهاد البيان وجهاد السنان ضد المستدمر وضد عوامل التراجع عن الالتزام بتعاليم الإسلام،فكيف تفسرون عملا إسلاميا تربويا إبان الاحتلال رغم نقص الإمكانيات أثمر مئات المدارس القرآنية وعشرات الجرائد باللغة العربية وتخرجت في مدرسته ألوف المجاهدين والمفكرين وأفضى إلى الثورة المباركة،وفي المقابل أفضى العمل الإسلامي بعد الاستقلال بجميع تشكيلاته بعد ثلاثين سنة في ديمقراطية غير منظمة إلى إرهاب وتكالب على الدنيا وشتم وسباب وتنابز بالألقاب؟

الدكتور شرفي الرفاعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم،هذا العمل في تقديري-والله أعلم- يُفسر تفسيرين،تفسير إسلامي عام،ينطلق من تاريخ الأمة الإسلامية ومن واقعها ،وتفسير يرتبط بوطننا الجزائر ،أما ما يتعلق بالتفسير الإسلامي العام فما حدث هو جزء من مسيرتنا التاريخية الحضارية غير الموفقة والتي تعود بداياتها إلى آخر عهد الخلفاء الراشدين وبداية العهد الأموي وأنا أقول هذه الكلمة –ربما-في إطار المزايدات المذهبية وغيرها،حيث يقولون هذه كلمة شيعي أو متعاطف مع الشيعة وأنا بكل صراحة أرفض المذهبية بمعناها المسيء للإسلام لأنني شخصيا أنتمي إلى إسلام عهد النبي (صلى الله عليه وسلم ) وإسلام عهد الخلفاء الراشدين قبل أن تظهر المذاهب والاختلافات وهو ما تفسره الآية الكريمة “هو سماكم المسلمين”أنتمي إلى الإسلام الذي يوحد المسلمين ولا يفرقهم لذلك أعتبر أن مسيرة الأمويين بصفة عامة وأن عهدهم هو أول بداية المحنة والانحراف بدليل أن هذه المسيرة في نهاية المطاف انهارت بانهيارها في الأندلس بسبب ما وقعت فيه من أخطاء أولها تسيير الأمة عدة قرون بالحكم الوراثي وما انجر عن ذلك من تحجر في الفكر السياسي وثانيا تحويل الفقيه كخادم ومبرر لسياسات الحكام الظلمة فضلا عن الانهيار القيمي والفطري في الأمة لأن النشوء على الإستبداد مع تطاول الأمد يخلق في الأمة عقلية العبيد وهو ما عبر عنه مالك بن نبي رحمه الله بالقابلية للاستعمار. هذه الأخطاء السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية هي بكل تأكيد أدت إلى نتائج كارثية تتمثل في انهيار الدولة الإسلامية الواحدة ،انهيار المجتمع الإسلامي الواحد انهيار الأمة الإسلامية الواحدة مع تفكك سياسي واقتصادي واقتتال بين المسلمين ،وكل هذا جزء من تاريخنا نستنطقه في الأحداث الراهنة فينا والتاريخ إذا كان لا يعيد نفسه فإن الذين لا يقرأونه ولا يفهمونه ولا يعتبرون به هم الذين يعيدونه مرات ومرات في الدولة والمجتمع وهو ما يحدث بيننا للأسف الشديد لأننا أمة لا تقرأ ولا تعتبر بالتاريخ وأحيانا تتعامل مع التاريخ بالتغطية عليه وهذا من أكبر الجرائم الثقافية والعلمية في حق الأجيال القادمة،ولا مناص لنا أمام كل هذا من التحلي بما يجب من الشجاعة والتوبة الصادقة إلى الله عز وجل في الاعتراف بذنوبنا لأننا مهما راوغنا فسنجد أنفسنا أمام الله عز وجل الذي قال وقوله الحق”فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون”

ألا ترون من خلال تحليلكم ،وعبر التاريخ كما أشرتم إلى أن المسلمين في الأزمات ضد العدو الخارجي كما جرى في مكافحتنا لفرنسا يتحدون،ولكنهم يصيرون أعداء في الصراع على الغنيمة بعد طرد العدو الخارجي أي يوحدهم الاحتلال ويفرق بينهم الاستقلال؟

الدكتور شرفي الرفاعي: يا شيخ الصادق،الوحدة التي تتحدثون عنها شكلية فقط وليست حقيقية وهي شبيهة بما يقع من صور الإتحاد بين مجموعة من الحيوانات المفترسة من نوع واحد عندما تواجه نوعا آخر كالضباع ضد النمور-مثلا- ولكنها تتقاتل في ما بينها لأجل عظم حتى الموت عندما تطرد عدوها الخارجي الذي تحدثت عنه،وهذه الوحدة الحيوانية إذا صارت في بني آدم لا تحقق المطلوب،لأن الوحدة الحقيقية بينها الله في القرآن فقال “اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم”إذن هذه التجمعات الظرفية فرضتها ظروف معينة،ولكن الوحدة الحقيقية التي هي وحدة القيم والمعتقد والمفاهيم بدأ تآكلها واندثارها منذ بداية العهد الأموي ولم تلتئم بعد ولن تلتئم في المستقبل إلا بالقرآن والسنة،وما دام المسلمون يعالجون أمراضهم وجراحهم بغير القرآن والسنة فلن يفلحوا أبدا وهذا حكم الله عز وجل وليس حكمي وحكمك.

حول هذا المفهوم الكتاب والسنة هناك اختلاف كبير وبون شاسع بين النقليين والعقليين ،أو بين ما يسمى بمدرسة الحديث ومدرسة الرأي لأننا نجد أصحاب مدرسة الحديث يزكون العصر الأموي ويلحقونه بالخلافة الراشدة وهم يعرضون أنفسهم على أنهم حماة الكتاب والسنة كيف الخروج من هذا الإشكال؟

الدكتور شرفي الرفاعي: السؤال هذا قد يطرح علينا إشكالية أخرى هي كيف ننظر إلى أنفسنا؟هل ننظر إليها من خلال اجتهادات المسلمين من فقهاء ومحدثين وهم ليسوا معصومين،فالصحابة ليسوا بمعصومين وهم الذين عاصروا الرسول وتربى بعضهم على يديه فما بالك بابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وابن العربي والذهبي وغيرهم،أم ننظر إليها من خلال الميزان القرآني الذي وجهنا الله إليه حيث توزن الأمور بعواقبها وتبعاتها وأنا أوجه هذا السؤال إلى الذين زكوا سياسات بني أمية من الأموات الذين ذكرتهم ولم أذكرهم ومن الأحياء اليوم فأقول:ما هي نتائج سياسات بني أمية ؟لهم أن يسموهم خلفاء راشدين مهديين إن شاؤوا لكن الذي لا مناص من الوقوف أمامه هو النتائج التي انتهت إليها ذهنيات الأمويين ومفاهيمهم وممارستهم ؟النتائج أفضت إلى إنهاء الدولة الإسلامية ،ولذا فهذه العقلية التبريرية عقلية غير صحيحة لماذا؟لأنها تناقض التاريخ ،فالتاريخ يقول:لو أن الأمويين سلكوا سياسة الخلفاء الراشدين لظلت الأمور طيبة كما كانت في العهد النبوي ولسبقنا أوربا إلى الاكتشافات الكبرى العلمية والجغرافية بعدة قرون أو لكنا نحن السباقين إلى ذلك وليسوا هم،وإذا حصل خلاف يحصل حول القضايا الجوهرية والمستجدات وليس حول المصالح والشهوات،لكن الذي حدث هو انحراف كبير جدا الموقف منه هو دراسته والاستفادة منه وفق قوله تعالى”تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون”والذين يبررون أخطاء الماضي بوضع هذه الآية في غير موضعها وإلزام المسلمين بعدم قراءة ما فعل الماضون تدينهم هذه الآية نفسها وإلا كيف نعرف ما كسب فلان وكيف أجتنب مكسبه الوخيم إن لم أقم بدراسة معمقة للتاريخ؟

نحن الآن في أسوإ وضع عرفه المسلمون منذ وفاة الرسول إلى الآن لأن الإتحاد النوعي لفصيلة من الحيوانات ضد نوع وفصيلة أخرى انتهى عند المسلمين حين صاروا يختلفون في عدوهم الذي كان بالأمس سببا في توحدهم كما أشرت في سؤالك السابق فصار بعضهم يرى في ذلك العدو وليا حميما وأبا رحيما ومن الدواهي أن يزداد مولود لشخص مسلم فيسميه باسم بوش الأب لأن بوش بالنسبة إليه منقذه،وفي الوقت نفسه يرى هذا ربما وغيره أن أخاه الشيعي في العراق ولبنان وإيران وباكستان حلال الدم وقتله يوجب جنات النعيم فيفجر نفسه في مسجد يعج بالآلاف،ويرى آخر أن العدو الصهيوني ليس بالعدو الذي يجب الحذر منه بل هو شريك وابن عم ولا داعي للعداوة بين بني الأعمام،.

هل الحل أن نجتر هذه الأخطاء ونبرر هذا الفساد أو نغمض أمامها أعيننا أم نتوب إلى الله ونعترف بهذا الخط الجسيم.

إذن لا بد من دراسة معمقة للتاريخ ومن إجماع حول قضايا تاريخية معينة لا ينبغي فيها الاختلاف ثم الانطلاق.

الدكتور شرفي الرفاعي: نعم،والأمر الإلهي لنا بالكلمة السواء بيننا وبين أهل الكتاب”قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم” يجب أن يكون بين مسلمين ومسلمين أولا وقبل كل شيء في كلمة سواء حول ما وقع من انحراف في التاريخ وإلا فسيظل الحديث عن الوحدة الإسلامية مجرد أوهام،تعالوا يا مسلمين لندرس ما فعله معاوية –مثلا-من استخلاف ابنه والخروج على إمامه هل هو حق أم باطل ؟وهل يجب أن نختلف فيه أم يجب أن يقع حوله إجماع؟ وننطلق من خلال هذا في جدولة قضايانا التي لا ينبغي حولها الاختلاف من الألف إلى الباء لنصل إلى الكلمة السواء في التاريخ،ويومئذ يمكننا أن نقول إننا في الطريق الصحيح.،لماذا قص الله علينا قصة ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر وهل يجب أن نختلف حول القاتل والمقتول في هذه القصة؟ من العيب أن نسمي عدم دراسة التاريخ تحت مبرر”ولا تسألون عما كانوا يعملون” ثقافة أو فكرا لأن الثقافة والفكر عبارتان محترمتان ونحن شركاء مع البشرية في المفاهيم والقيم،ولذلك لا ينبغي أن نسمح لأنفسنا بأن نسيء إلى القيم الإنسانية المشتركة ،فالثقافة قيمة إنسانية عليا هي ذاكرة البشر في ما عرفوا من تجارب وأطوار الحياة،وكيف يسمح الإنسان لنفسه باختصار البشرية والتاريخ والحضارة وكل شيء في ذاته بصورة فرعونية تحت مفهوم “ما أريكم إلا ما أرى” ؟ من أنت يا عبد الله حتى تعتبر نفسك معادلا للحضارة وللتاريخ وتقول أنا الحضارة وأنا التاريخ؟ لا فكر ولا عقل ولا منطق يقر بهذا ويقبل به اللهم إلا إذا تحول بنو آدم إلى قطيع لا يحامي على نفسه كبعض الحيوانات الراقية مثل الفيلة والأسود والنمور. يجب أن نلوذ بقدر من الرشد ومن الوعي ومن الجدية لأن واقعنا الإسلامي بصورة عامة مهدد بأسوأ مما نظن من الأخطار،حيث انتهينا إلى وضعية لا ينتهي إليها حتى الحيوان الذي يعول على نفسه في العيش ودفع الأخطار إذ صرنا عالة على البشرية ،وواقعنا يفرض أن نكون”خير أمة أخرجت للناس”وموقعنا يفرض علينا أن نكون سادة وقادة ومربين وليس مجرد عبيد يتتلمذون على الآخرين ويرسبون في الامتحان.،قبل يومين جريدة الخبر نشرت خبرا غريبا جدا وهو أن حوالي 40 من أكبر أغنياء أمريكا اتفقوا على أن يتنازلوا على نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية ،وهم بهذه الصورة سبقونا وصاروا أقرب إلى القرآن منا لأن هذه قضيتنا فنحن الذين أمرنا الله عز وجل بأن نفعل الخير”وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”لذلك فنحن عبارة عن جثة أو كيان مفكك بلا وعي في تقديري حول” تلك أمة قد خلت” ندعو لآبائنا بالرحمة ونسأل أنفسنا في ظل الواقع المأساوي ما الذي ينبغي أن نفعله؟ مع التوبة النصوح إلى الله.

ولكن أين المخرج في ظل التوبة من الواقع المأساوي يا شيخ؟

الدكتور شرفي الرفاعي: المخرج اهتدى إليه جزائريان أبو الأعلى الزواوي في كتابه”جماعة المسلمين”. والإمام عبد الحميد بن باديس رحمهما الله

قد يسأل القارئ من أبو يعلى الزواوي هذا؟

الدكتور شرفي الرفاعي: هو العالم المجهول ربما لدى أغلبية الجزائريين،فهو الأول الذي ترأس الاجتماع التأسيسي لجمعية العلماء سنة 1931 الذي كان يقال عنه شاب الشيوخ وشيخ الشباب والذي قال عنه الشيخ الطيب العقبي رحمه الله”إمامنا السلفي الذي علمنا السلفية”ليست السلفية المذهبية وإنما السلفية القرآنية،وجه أبو يعلى رسالة إلى علماء المسلمين سنة 1926 في ما أذكر ولم يتلق منهم جوابا حتى توفاه الله اللهم إلا من الشيخ عبد الحميد بن باديس ،خلاصة السؤال هو :هل يليق بنا كأمة بعد إلغاء الأتراك للخلافة وهل يجوز لنا أن نبقى هملا هكذا بلا رأس يجمعنا أم يجب على أن نعمل على إيجاد ما يجمع شملنا وتتفق عليه كلمتنا ويعيد إلينا كياننا الواحد؟لم يجبه أحد لأن المسلمين في ذلك الوقت كانوا جثة بلا روح،إنما الذي أجابه بعد مدة هو الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في مقال قيم عنوانه”الخلافة أم جماعة المسلمين؟”في ذلك الحين في المشرق العربي كان الحديث عن الخلافة بالمفاهيم التي تحدث عنها الشيخ عبد الحميد بن باديس لا علاقة له بالقرآن والسنة لأن الخلافة تاريخا هي أنظمة سياسية وقد أفصح عنها معاوية في ما نُسب إليه وتناقلته كتب السير والتاريخ عندما قال إنما خالستكم بسيفي ليس لتقيموا الصلاة ولا لتؤتوا الزكاة وإنما لأتأمر عليكم،بينما الخلافة التي يتحدث عنها القرآن خلافة العدل والشورى والخير للناس وليست باختلاس السيف.والشيخ عبد الحميد بن باديس وصل إلى ما وصل إليه أبو يعلى الزواوي وهي”يجب على المسلمين كل المسلمين إقامة جماعة المسلمين” وهي الجماعة التي لا يجوز أن تتدخل فيها الحكومات الإسلامية وغير الإسلامية لأن هذه الجماعة ليست حزبا وليست مجرد منافسة همها الوصول بالطرق المشروعة وغير المشروعة إلى السلطة وإنما هي جماعة تؤسس نموذج الإنسان المثالي الذي تنعكس صورته على الآخرين فيطلبون الخلافة بما يرون فيه وليس بما يسمعون منه،وهذه الجماعة ضرورية لبناء الجانب الإيماني في المجتمع الإسلامي ولا تتعارض مع السلطة لأن السلطة تنفيذية وتقيم الحدود وهي تصنع المواطن الصالح الذي يقوم بالبناء والتشييد،هي التي تعين الأئمة الذين يصلون بالناس هكذا يقول أبو يعلى الزواوي،وهي التي تتولى شؤون المسلمين حيث يقول رحمه الله ومن أدلته الشرعية على ما يقول:في مختصر خليل لزوجة المفقود في الحرب أن ترفع القضية إلى القاضي أو إلى الإمام فإذا لم يكن هناك قاض ولا إمام ترفع الأمر لجماعة المسلمين التي هي البديل عن القاضي والإمام ولها الحق في إصدار الأحكام الشرعية،وأبو يعلى الزواوي ينطلق من قوله تعالى”والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

جمعية العلماء انطلقت من مفهوم عدم تدخل الحكومات في شؤونها وعدم تدخلها في السياسة فنجحت في العمل التربوي وبعد ذلك جماعة الإخوان أسست لمفهوم الخلافة ولو شكليا عالميا ولم تحقق أي شيء،ولكن جماعة المسلمين في ولاية الفقيه حققت ما هو أكبر فبماذا تفسرون نجاح هذا وإخفاق ذاك؟

الدكتور شرفي الرفاعي: لقد أثرت قضايا حساسة وكبيرة جدا جدا،أولا وقبل كل شيء نحن نشعر بمسؤوليتنا أمام الله وبمسؤوليتنا عن ديننا وعن أمتنا وعن تاريخنا وعن مستقبلنا وماذا نترك لأبنائنا وما الذي بقي للمسلمين؟جمعية العلماء نجحت في جانب ولم تنجح في جانب آخر ومن بين الجوانب التي لم تنجح فيها وكان ينبغي عليها ألا تخوض فيها عدم صراعها مع الطرقية حيث كان ينبغي عليها ألا تتورط في صراع لا مبرر له ضد التيار الطرقي وكان لأبو يعلى الزواوي موقف متميز وحاول قدر المستطاع التوفيق بين الطرفين،إلى درجة أنه اتهم بأنه طرقي وجمعية العلماء انطلقت من هذه الفكرة كقضية ولكن مع الأسف الشديد أن جمعية العلماء كقضية توقفت بعد وفاة عبد الحميد بن باديس،حيث أنها احتفظت بشيء من قضية الجمعية في عهد البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه ولكنها ضيعت الكثير،والذي حدث لجمعية العلماء حدث للإخوان المسلمين لأن الشخصيات العلمية المؤسسة لجمعية العلماء وتعتبر صاحبة تجربة إسلامية فريدة من نوعها لم يستفد منها المسلمون؟لماذا؟لأنها جمعية العلماء،فكرتها أنها تحيي الأمة الإسلامية ككل بالإسلام وبالعلم ،وتسميتها بجمعية العلماء مفتاح لهذه المهام الكبرى الجليلة اتحاد يعني الوحدة كقيمة في حد ذاتها،والعلماء يعني إخضاع كل شيء للعلمية ولكن هذه المعاني توقفت كلها عندما دخل الموظفون والمنتفعون الذين أسقطوا الهم والقضية التي أُنشئت لأجلها الجمعية من الحساب،يعني أن عهد الرساليين انتهى بانتهاء عهد الإمام ابن باديس،ومشكلة الشيخ البشير الإبراهيمي وهو عالم كبير كمشكلة سيدنا عثمان (رضي الله عنه)عندما منعته طيبته وحياؤه أن يضع حدا للانتهازية التي كان بعض أقاربه يشكلون النسبة الكبرى منها في الموظفين في دولته وهناك كلمة جميلة للإمام علي(ر) عندما سأله سائل لماذا صلحت الأمور في الخلفاء الذين سبقوك ولم تصلح في زمانك؟فقال للسائل لأن رعية الذين سبقوني من أمثالي ورعيتي من أمثالك،وسيدنا عثمان كان ضحية ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية دفع هو ثمنها رغم طيبته ،لأن جيل العهد النبوي تناقص في زمانه وصار أقلية أمام أغلبية الانتهازيين والموظفين،وما حدث للإخوان الشيء نفسه حيث كانت حركة الإخوان قريبة جدا من فكر الشيخ ابن باديس فلما استشهد شيخها حسن البنا وقع لها ما وقع لجمعية العلماء،حيث تورط الإخوان في أمور لا علاقة للحركة بها لأنها أنشئت لبعث الكيان الإسلامي فتورطت في الشؤون الحزبية والسياسية،والله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بإقامة الدول بل بإقامة الدين”أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” فجمعية العلماء فكرتها إقامة سلطان الدين ،وحركة الإخوان كذلك والانحراف في الحركتين جاء من المنتفعين والموظفين الذين يحبون الدنيا ولا يهمهم أقام الدين أو لم يقم كما فعل بنو أمية.

أما ولاية الفقيه فينبغي أمامها أن نميز بين ما يطرحه الإعلام غير المسؤول وبين الفكرة المبنية على طرح علمي إسلامي موضوعي ،ولنكن منصفين حين نتحدث عن إيران من عهد الخميني إلى اليوم فقد قفزت قفزة لا مثيل لها في التاريخ وبالنسبة إلي في تعاملي مع المذاهب الإسلامية أنطلق من فكرة هي أن تقسيم المسلمين وهو تقسيم سياسي في بدايته بين سنة وشيعة هو بحد ذاته بدعة أرفضها كل الرفض وأبرأ إلى الله تعالى منها انطلاقا من قوله تعالى “هو سماكم المسلمين”،ومثلما ننصف إخواننا الشيعة ننصف الخوارج رغم الأخطاء التي وقعوا فيها وكانوا في خروجهم لا يعنون الخروج عن الأمة بل عن الظلم،ومهمتنا الحالية هي البحث عن سبل لمداواة جراحاتنا التاريخية وأن نتجاوز الفرقة ولا يجوز لنا أن نظل أسرى في عفونة التاريخ وإيجاد مبررات لذلك لتكريس الواقع المر الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام، وعندما تقول لإنسان على ضوء فقه الفرقة أنت لست بسني فماذا تركت له من الإسلام؟ألست أبحت دمه وعرضه بهذا الحكم؟والنبي يقول”كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه”.هذه مفاهيم أرفضها وأنا مع هذا لا أدعي العلم لأنني أعتبر نفسي من العوام الباحثين عن السلامة التي كانت في عهد الرسول وخلفائه وما سواه من الزوائد أبرأ إلى الله منه جملة وتفصيلا،ولنضع ما أنجزه الإيرانيون في كفة وما أنجزه غيرهم في الكفة الأخرى ممن يدعي دعاوى عريضة اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا ،وعلينا في هذا أن نفرق بين الذاتيات التي تحركها ضغائن التاريخ وبين التي يحركها أعداء اليوم وهي تجتمع على شيء واحد هو ما قاله قابيل لهابيل عندما تقبل الله منه”لأقتلنك”.

هل يمكن لجمعية العلماء حاليا أن تقوم بالدور الذي دعا إليه أبو يعلى وهو الواجهة والمرجعية لجماعة المسلمين وإن على المستوى القطري؟

الدكتور شرفي الرفاعي: لا تستطيع،وإذا قلت لماذا لأن جمعية العلماء رغم أن شيخها عبد الرحمن شيبان حفظه الله أستاذي وأحترمه وأجله ولكنني أختلف معه في هذا الأمر وهو:أنني قلت له يا شيخ جمعية العلماء ينبغي أن تكون فوق الأحزاب ولكنها اليوم ساحة للصراع الحزبي والخلافات،يجوز في الجمعية أن يكون فيها كل المذاهب ولكن لا يجوز أن تكون هي كل الأحزاب لأن المذاهب من منطلق سنة الاختلاف تتعايش ولكن الأحزاب من منطلق الخلاف تتصارع إن لم تتقاتل والفرق كبير بين التعايش في أدب واحترام متبادلين، وبين الصراع الذي تنبني المعاشرة فيه على الغش والنفاق،فجماعة المسلمين كما حددها أبو يعلى الزواوي رحمه الله هي العمل بالقرآن والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى وإصلاح ذات البين،وأنت تعلم أن الاختلاف على الغنائم في غزوة أحد أدى إلى الهزيمة التي بقيت قرآنا يُتلى وعبرة لمن يعتبر إلى يوم الدين،هذا إذا كان المتصارعون على الغنائم أهلا لها ويستحقونها فكيف إذا لم يكونوا لذلك أهلا ويأخذون ولا يعطون؟ وقال أحد الصحابة في غزوة بدر أثناء تقسيم الغنائم وأظنه عبادة بن الصامت:في تلك الغزوة ساءت أخلاقنا ونزل قول الله عز وجل في سورة الأنفال”يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم”.

الآية صححت وضعا خطيرا وهو أن تلك الخلافات حول الغنائم قد تفضي إلى فساد جوهر العقيدة ولذلك ختم الله الآية ب إن الشرطية”إن كنتم مؤمنين”وأن المسلمين اليوم إن لم يحسموا خلافهم الذي هو حول غنائم لا أكثر ولا أقل قد يبرهنون أنهم ليسوا مؤمنين وهذا ما تشير إليه الآية بالنص الصريح،والأخوة في الإسلام تقتضي الإيثار وهو أنني قد أحب لك في حال الإيثار أكثر ما أحب لنفسي،وسقوط الحركات الإسلامية السياسية من عوامله الأساسية أن التنافس للوصول إلى السلطة بين بعضهم في الصف الواحد يُنظر إليه وإلى المواقع التي سيصل إليها أحدهم على أنها غنائم ولم يفكروا يوما أن تلك المواقع كفاءات قديرة ونفوس كبيرة ومفازات خطيرة لا ينجح في قطعها إلا الراسخون في العلم والأخلاق،وأن من لم يقدم شيئا في تلك المواقع للأمة إنما هو في حكم المختلس للمال العام الذي يشمله حديث صاحب الشملة الذي اخبر عنه الرسول بأنه سيحترق معها في النار.

عندما أقرأ تاريخنا الإسلامي منذ عهد بني أمية إلى اليوم أصل إلى نتيجة هي :أن المؤسسة السياسية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم فشلت فشلا ذريعا في إدارة أمور المسلمين،فشل معاوية ولا يزال فشله يطاردنا،والمستقبل أمامنا مرهون بأمرين:
1 –أن يتحرر العلم
2 –أن يتحرر الدين

وعندما يتحرر هذان الأمران يتحرر الإنسان الذي لا يكون حبيس فكرة أو عصبية حيث يولد إنسان الفكرة وإنسان القضية وإنسان المشروع وهذا ما يجب أن تقوم به جمعية العلماء وما هي عاجزة عن القيام به اليوم.

لنعود الآن إلى جانبنا الوطني فنقول بماذا وكيف يُفسر نجاح الثورة ؟وعندما نقول الثورة نقول حركات التحرير بكل أجنحتها،النجاح يكمن في أن الذين فكروا للثورة فكروا فيها بمنطق القضية وليس بمنطق المصالح وأن تحرير الجزائر من فرنسا قضية وليس مصلحة،بحيث أضع هذه القضية في كفة،وأضع مصالحي من زوج وأبناء ومسكن…في كفة أخرى ثم أتلو قوله تعالى”قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين”ويمكنك أن تفرق بهذه الآية بين أصحاب القضية وبين أصحاب المصالح في جمعية العلماء أو في بقية الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية من خلال وقوفك على الكم من المصالح التي ذكرتها الآية في كفة هذا ،والقضية التي مات دونها ذاك ولم يحقق من تلك المصالح إلا القليل ،إن لم اقل لم يحقق منها شيئا وإلا كيف نفسر الفارق بين رجلين –مثلا- في جمعية واحدة أو حزب واحد بحيث يموت أحدهما وهو الأكثر عطاء وتضحية وجهادا كالشيخ سحنون رحمه الله وهو لا يملك سكنا شخصيا باسمه؟وترى الذي جاء متأخرا بعده بعقود ودخل المعترك بمنطق المصالح يلعب بالملايير ويركب المراكب التي تقدر بمئات الملايين ولا يرضى بالمبيت إلا في فنادق الخمس نجوم ولا يركب الطائرة إلا بتذكرة الدرجة الأولى فهل مثل هؤلاء يكونون أصحاب قضية ويحقق الله على أيديهم النصر؟ولو فكر الذين خططوا للثورة بهذا المنطق لما قامت للثورة قائمة سبعة أيام، وهم القضية والتضحية هو الذي جعلها تعيش تلك السنين العجاف السبع ثم جاء الاستقلال بمنطق المصالح وهو العام الذي كان بمثابة العام الذي يُغاث فيه الناس وفيه يعصرون وكاد المتصارعون على الحكم والمصالح فيه أن يعيدونا إلى منطق “أحد”لولا صيحات الجماهير”سبع سنين بركات”فالثورة احتضنها رجال قضية ومصالي الحاج رحمه الله وأنا أرفض تخوين مصالي الحاج لأن مصالي الحاج كان رجل قضية ولم يكن رجل مصالح والخلاف في تقدير منطق القضية هو الذي فرق بينه وبين خصومه وليس الخلاف في تقدير المصلحة الشخصية. فجيل نوفمبر وضع الجزائر القضية قبل النفس والأهل والولد والمال وهو بدر المسلمين جميعا وليس بدر الجزائر فقط ولو وجد نوفمبر من الرجال الذين يبلغون مآثره فنيا وأدبيا وسياسيا وثقافيا للعالمين لما كانت القواعد العسكرية في بلاد العرب والمسلمين وحيثما وجدت مآثر نوفمبر لن توجد مآثر المستعمر،وكأني بالجزائر يا شيخ الصادق يتفق الجميع في الوقت الراهن على وأدها وهي حية ترزق وتنادي نوفمبر ..نوفمبر(وهنا غلب الشيخ الدكتور الرفاعي البكاء وسالت عبراته سخية على لحيته البيضاء وتوقف برهة عن الكلام، ولكم تكون الدموع لا سيما دموع شيخ في مثل سنه ابلغ من قصائد الشعراء وخطب البلغاء ومواعظ الوعاظ في الصحن النبوي الشريف وفي سوق عكاظ)

الثورة هي بدر ولكن الاستقلال هو غنائم بدر التي نزلت فيها سورة الأنفال

الدكتور شرفي الرفاعي: نعم،نوفمبر هو بدر التي صححت مسيرة التاريخ،لماذا لأن نوفمبر بين أن الأنظمة والدول لا تستطيع فعل أي شيء إلا بالمجتمع حيث أن الدولة عندما زالت بحلول المحتل بقيت حية في أحضان ذلك المجتمع قضية تقض مضجعه ولم تمت أبدا فيه،وعند الاستقلال لم تعد الدولة المنشودة التي لم يقم إلا الشكل الصوري منها فقط قلت لم تعد قضية بل صارت مصلحة يتاجر بها فلان وعلان وضاع نوفمبر في آخر المطاف في كرة قدم.

نوفمبر يا ولدي الصادق أعظم من الزعماء أعظم من ابن بلة وبومدين وبوضياف أعظم من الجميع،وهو فخر الإنسانية.

قلتم أن جمعية العلماء لا تستطيع أن تصبح مرجعية للأسباب التي ذكرتموها،ألا ترى أن الحركات الإسلامية انطلقت بهذا المفهوم المرجعي كبديل عن جمعية العلماء بعد الاستقلال كجماعة جاب الله وجماعة بوجلخة وجماعة الإخوان المرتبطة بالمكتب العالمي بمصر والوهابية الوافدة علينا من الخليج وكل جماعة ترى نفسها تؤسس لجماعة المسلمين وفي آخر المطاف فشلت كلها وصارت محل إدانة من قبل رجال أمثالكم في ما يشبه الإجماع لأن هؤلاء كما يقول ذلك حتى العامي في الشارع لم يحققوا واحدا على مائة مما حققته جمعية العلماء رغم قلة يدها ومحاصرتها في عهد الاحتلال؟

الدكتور شرفي الرفاعي: هناك تقييم غير موضوعي في موضوع السؤال وينبغي أن نقول أولا ما هو الميزان الذي نزن به الأمور،وفي تقديري والله أعلم أن هذه الجماعات لم تنطلق من فكرة جمعية العلماء،إنما انطلقت من فراغ من مجهول إلى مجهول المعلوم منه هو تحقيق المصالح والزعامة لا غير،وعرس الحرية وهو الاستقلال تحول إلى مأتم بسبب الصراع على السلطة،وكنا ننتظر أن نقيم عرسا يمتد إلى قرن من الزمان بحكم المهر الغالي الذي دفعناه ومن حقنا أن نفرح به الليالي والأيام والقرون،لكن أجهض كل هذا بسبب الصراع فحدث الفراغ الذي راحت تملأه كل الحركات ليس بمنطق القضية ولكن بمنطق المصالح والشهوات،شهوات الزعامة والسياسة والرياء وحب الظهور،وبقيت القضية الاجتماعية بمعزل عن الاهتمام بها،وصار الشعب كاليتيم وكل واحد يُنصب نفسه على أنه ولي هذا اليتيم،وهؤلاء الأولياء رغم أن بيني وبين بعضهم علاقات هم أولياء سوء ،أدينهم جميعا ولا أتردد وأقول لهم جميعا إنكم أسأتم إلى الإسلام وأسأتم إلى الصحوة وأسأتم إلى الوطن بخلافاتكم وبصراعاتكم التي لا مبرر لها إلا أنانياتكم وشهواتكم،بينما كان الواجب أن تقتدوا بجيل نوفمبر بحيث تكون الصحوة قضية وما اختلفتم فيه فحكمه إلى الله،وليست القنبلة والخنجر بالوسائل التي يقبل بها الإسلام في منظومة التغيير،هذه وسائل غير إسلامية،كما أن الصراع على كراسي البرلمان والوصول إليه بدون إحداث أي صدى فيه يهز نفوس الجامدين لأن الجالسين على تلك الكراسي جامدون والجامد لا يهز الجامد والخامد لا يشعل الخامد هذه أيضا ليست وسيلة تغيير بل تحقير للدين ورجاله في أعين الأصدقاء قبل الأعداء عندما تحولت الصحوة إلى غنائم وسفك للدماء ومتاجرة بالدين وبالقيم وصار حتى موضوع فلسطين وهو أقدس قضية حاليا عند المسلمين موضوع تجارة لهذه الأحزاب في سوق”البوليتيك”

أخطر من هذا هو أنني قبل هذا حين كنت غير مطلع على الفجيعة في داخل منظومة هذه الحركات،كنت أعتقد أن حاملي ذلك المشعل هم امتداد لعصر الصحابة الميامين،كرهتهم كراهية لا حدود لها لأنهم شوهوا الحقيقة شوهوا الإسلام شوهوا الدين،بسلوكات وممارسات لا علاقة لها بالإسلام،وأسوأ من كل هذا بعد أن سالت الدماء وضلت الدهماء وتشابه البقر على الرعاة بعد أن تحول الدعاة إلى سعاة أنه لا أحد بعد هذه الكوارث طلع من صحيفة أو من شاشة تلفزيون ليقول للناس وللأمة لقد أخطأت سامحوني ودموع التوبة تسيل على خديه،الأدهى والأمر أنه لا أحد منهم بقول أخطأت بل يطلون علينا في صورة المظلومين ويتحدثون باسم الأمة التي أوصلوها بطيشهم إلى المرتع الوخيم ،أفلا يدعونا كل ذلك إلى التوبة إلى الله ؟

لست أنا من يدين هؤلاء بل المنطق والواقع والعقل والقرآن والسنة،وفي الكلمات التي نشرها الشيخ علي بن الطاهر قلت بأن الخطاب الإسلامي المعاصر ينطلق من مجهول ويتوجه إلى مجهول،وأنا أشك في مفاهيم عقدية كثيرة لدى هؤلاء إذ لا يمكن أن يرسخ في عقلي بأن أشخاصا عقيدتهم صحيحة وهم على يقين بأنهم ملاقون ربهم وإنهم إليه راجعون يرضون لأنفسهم منزلة التمني على الله وأياديهم إما ملطخة بالدماء أو بأموال السحت،ولا يخجلهم موضعهم المخزي أمام الله وما هم فيه من أخطاء وذنوب وهم يعلمون أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،وأنا بكل صراحة حاليا بدأت تراودني شكوك كبيرة في مدى مصداقية الشعار الإسلامي ويغلب على ظني أنه”كلمة حق أريد بها باطل” ذلك أن الذي يرفع شعار الإسلام تبقى مرجعيته الوحيدة إلى أن يموت هي مرجعية القرآن والسنة فقط،بمعايير ثلاث فقط وهي مرضاة الله عز وجل وما ينفع عقيدة الإسلام وما يصلح أمر جميع المسلمين،وما لم يتحقق شيء من هذا فباطل باطل وما هي إلا شعارات وأسماء يتاجر بها القوم ما أنزل بها من سلطان،إن هي إلا حيل حزبية وسياسية لأكل أموال الناس بالباطل .

في هذا الباب ألا ترى لو أن جمعية العلماء أمام انحراف هذه الحركات تجمع شتاتها من جديد ،وتغير من وضعها بحيث لا تعتمد إلا على رجال القضية في أن تكون هي المرجعية وهي التي يتحقق على يديها أمر جماعة المسلمين ألا تستطيع أن تصل إلى الهدف؟

الدكتور شرفي الرفاعي: تستطيع،بل يجب عليها أن تفعل هذا لكن بشرط أن تعيد هيكلة نفسها وان تخرج من الحزبية من جديد وأن تدعو إلى مؤتمر استثنائي ومن شروط الانتماء إلى جمعية العلماء ألا يكون هناك انتماء حزبي لأي شخص فيها لأن الولاء المزدوج عبارة عن نفاق لأن المزدوج هذا إما أنه يعمل لجمعية العلماء وهو في هذه الحال ينافق حزبه،أو يعمل لحزبه وينافق الجمعية حين يتخذها مطية لتحقيق الأغراض الحزبية، لماذا قال الله” إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار؟” لأن المنافق له عقيدة مزدوجة،وهو بالمنطق السياسي “خائن”ومثل هذا الكلام قلت معناه وما هو قريب منه للشيخ عبد الرحمن شيبان،. جمعية العلماء ضرورة وواجب وهي التي ينبغي أن تكون فوق الحزبية لأنها مرجعية وهي القضية والمصير.

كتبتم رسائل في جريدة الخبر في بداية تسعينيات القرن الماضي موجهة لحركة حمس هل هي إرهاصات لما وقعت فيه هذه لحركات اليوم ؟

الدكتور شرفي الرفاعي: يعلم الله أن تلك الرسائل كانت مجرد نصيحة وأذكر ما قلت وهو :أن حركة مجتمع السلم تسير في الطريق غير الصحيح لماذا؟ لأن الحركة في ذلك الوقت ضيعت القضية التي حلت محلها المصالح فقلت يا جماعة لستم في الطريق الصحيح فانظر إليهم أين وصلوا الآن؟ لا شماتة ولكن كما قال الشاعر: نصحتكمو أمري بمنعرج اللوى*** فلم تستبينوا النصح إلا من الغد

الشيخ أبو جرة سلطاني كان رفيق دربكم في الدعوة وهو رئيس حركة مجتمع السلم ـ حمس ـ حاليا. هل مازال هناك رابط بينكما ،خاصة وقد ذقتما معا ملح الدعوة ؟

الدكتور شرفي الرفاعي: ما زالت مجاملات فقط بيننا،وبكل صراحة يسأل عني من حين إلى حين لكن من الناحية الفكرية ومن الناحية الإيمانية لا توجد علاقة وبهذه المناسبة أحبذ أن أسجل لوما على الشيخ أبو جرة علانية لأن كل الناس حاليا يحسبونني على هذه الحركة رغم أنني طلقت الحزبية في رسائل التسعينيات من القرن الماضي،وهذا اللوم يتمثل في عدم توجيه دعوة لي في المناسبات الثقافية البحتة ولا أحبذ المناسبات السياسية وحتى في ذكرى وفاة الشيخ نحناح لا تُوجه لي دعوة ولا أدري ما هو السبب،وفي غيرها لا أحد يذكرني لا الشيخ أبو جرة ولا الذين يهيئون أنفسهم ليكونوا بديلا لأبي جرة من داخل الحركة ، ومن الذين خرجوا منها في الوقت الذي توجه فيه الدعوات إلى ضيوف من كل الاتجاهات،وأقول لهم بهذه المناسبة هل رأيتم مني ما يسوؤكم؟

ألا تقدر بأن أبو جرة مغلوب على أمره وما هو إلا الحجر التي سدت الثلمة في البناء الحمسي ؟

الدكتور شرفي الرفاعي: ربما هذا، ولكن في كل الحالات هو أول من يُلام وكان عليه أن يميز بين أمرين،بين القضية والمصلحة،وبين الفكر والظرف فإما أن يضحي بالفكر من أجل الظرف أو بالظرف من أجل الفكر والخيار خياره وينبغي عليه أن يتحمل مسؤولية خياره وبالنسبة إلي أنا شخصيا ورأيي في أبو جرة هو أن الشيخ أبو جرة خسرته الساحة الدعوية والفكرية والثقافية وكسياسي أيضا لأن هناك فرقا بين السياسة كعلم قائم بذاته على قواعد علمية ورؤى إستراتيجية ودراسات مستقبلية،وبين السياسة الظرفية التي لا يحددها هذا العلم وإنما قائمة على المصالح الظرفية وهي التي لا أرتضيها له.

كلمة أخيرة تقولونها للشعب الجزائري في رمضان والدعوة إلى توحيد صفه وتضامنه وتفاعله مع القضايا العليا للوطن.

الدكتور شرفي الرفاعي: رمضان مناسبة كونية وليس مناسبة إسلامية فقط،لماذا ؟لأنه يذكرنا بالله وبالقرآن وبالنبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام يذكرنا بالأمجاد والبطولات والفتوحات وبالآخرة ولقاء الله،وأرجو أن يستفيد المسلمون عامة والجزائريون خاصة من نفحاته المباركة فيتوحدون ويتآخون ويقبلون على الله بقلوب عامرة بالإيمان وحب الوطن وبالقرآن الذي يرحل بنا إلى التاريخ ونحن نستمع إليه فنعتبر مما فيه من دروس وعظات في سيرة الأنبياء والصالحين والدعاة والمصلحين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)