الجزائر

حملة اللا ّثقافة..



يصاب الواحد منا بالخيبة والغثيان، وهو يتابع مجريات الحملة الانتخابية، وخطاباتها المبتذلة التي تتكلم عن كل شيء، ولا شيء في الآن نفسه، تعد بالجنّة الموعودة من جهة، وتحذر من الجحيم المنتظر دون رؤية واضحة أو تبصر.
جزائر ما بعد العاشر ماي في نظر الحالمين منهم مدينة فاضلة تسع الجميع، لكن لا مكان فيها للثقافة والمثقفين وذوي الفكر النيّر ،فهم مبعدون مقصون، ولا مكان لهم بين ظهرانيها. لذلك فلم نسمع في كل هذه الحملة خطابا واحدا يرافع عن الثقافة والمثقفين، أو يحمل بذرة فكرة تطال الحقل الثقافي، حتى أولئك المندسّين فيها من المثقفين نسوا أنفسهم وتنكّروا لما كانوا يقولون به في الصالونات المغلقة، لأنهم أصلا كانوا يعيشون فصاما بين ما يفكرون فيه ،وما يحملونه من أفكار، وبين ما يقولونه للناس في التجمّعات الشعبية مما لا يختلف قليلا أو كثيرا عن خطاب الشعبويين الآخرين ممن تعوّدنا على لغتهم الخشبية..
لقد كنّا نتوق إلى سماع خطابات جديدة تحمل رؤى حول الدين والهوية والتاريخ واللغة والجامعة والإعلام والعولمة والتربية، وغيرها من القضايا الإستراتيجية التي تعج بها الساحة الوطنية والإقليمية والعالمية. لكن يبدو أن سقف هذه العناوين كان أعلى بكثير من تطلعات هذه الأحزاب الكثيرة والمترشحين الزاحفين نحو قبّة البرلمان بلا عدّة فكرية وبخواء كبير في الدماغ..
لست أدري لماذا يبقى الفلاح أو المهرّج وفيا لقناعاته، مهما علا شأنه، إلا المثقف فإنه ينسلخ من جلده متى رأى بصيص نور يعميه عن النظر إلى نفسه، وإلى الآخرين، نظرة سوية بعيدا عن كل العقد..
وحده المثقف يطمع في ما في يد السياسي مع الاستعداد للتخلّي في أيّة لحظة عما ورثه من أفكار، وما ترسخ لديه من قيم، سرعان ما تثبت الاختبارات بأنها مهزوزة وليست بالرسوخ الذي كنّا نتوقعه..
في ظل الأميّة المركبة المتفشية في طبقتنا السياسية كنّا بحاجة إلى مثقفين يسهمون في تثقيف السياسة ومدها بقيم جديدة، فإذا بنا أمام مثقفين يبيعون ثقافتهم بجهل غيرهم، وصرنا نخشى على الثقافة لا من الجهلة، فأولئك ينظرون إليها بكثير من الإكبار والتقدير بل من المثقفين الذين يراهنون عليها في الثراء السريع، وقضاء المآرب والحاجات بأسرع طريق ممكن.
لقد رأينا وسمعنا عن كثير من المحسوبين على الإنتلجنسيا ممن تحوّلوا إلى مدراء حملات انتخابية، وإلى تابعين ومريدين أذلاء ومستشارين ومحرّري خطب للمرشحين والسياسيين مما يشي بعجز عن الفعل والمساهمة في التغيير..
لقد كان منتظرا من التغيير المنتظر من انتخابات 10 ماي المقبلة أن يبدأ بالثقافة والفكر والذهنيات وما في النفوس، أما التغيير الذي يطال الظاهر والقشور فلا معنى له.. و لذلك فإن أخشى ما نخشاه هو أن تكون آخر الفرض الضائعة للتغيير، حسب السنن الطبيعية وبالطرق الحضارية..
أحمد عبدالكريم




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)