رغم ارتباط الحمار منذ القديم بالشتيمة، إلا أن الإنسان لم يستغن عن خدماته حتى في زمن التكنولوجيا، ففي الجزائر لا يزال هذا الحيوان وسيلة لحمل السلع، وحتى نقل الأشخاص..في أرقى المدن العالمية كإسبانيا مثلا، يستعان بالحمار لتخليص الأزقة الضيقة والمرتفعات الجبلية الوعرة من النفايات.ومدينة القصبة العتيقة بالجزائر العاصمة، واحدة من المدن التي تأبى أن تحيل الحمار الذي بدأت مهمته منذ الحقبة الاستعمارية سنة 1920، في أزقتها الضيقة كحمال للنفايات، على التقاعد حيث بقي ديكورا ورمزا تراثيا في يومياتها ولم تهزم المكانس الآلية ولا الشاحنات العصرية الخاصة بالنفايات، هذا الحيوان الوفي بخدماته للإنسان.
16 حمارا يتوزعون يوميا مع الفجر وإلى غاية الحادية عشر صباحا، عبر أزقة القصبة وفي الممرات الضيقة، ويقودها عمال شركة "نات كوم"، الذين يقومون بوضع أكياس النفايات في قفة السعف الكبيرة "الشواري" الموجودة فوق ظهر الحمار.
حمير القصبة.. تحد وصمود أمام المكانس الآلية والشاحنات العصرية
معابر ضيّقة وأزقة ملتوية وأغلبها تحوي سلالم إسمنتية..والقصبة واسعة تمتد من باب جديد إلى القصبة السفلى، والنفايات منتشرة وبعشوائية وكثرة في هذه الأماكن، ولا ينفع إلا الحمير لأن المكانس الآلية والشاحنات المزوّدة بحاملة آلية للنفايات وتقنيات تكنولوجية آلية، لا تستطيع الدخول إلى القصبة واستحالة ذلك عنها، جعل من الحمار يفرض وجوده حتى في سنة 2018!
الشروق رافقت عمال النظافة صبيحة أمس الجمعة، ووقفت على طريقة حمل النفايات عن طريق الحمير، وكانت البداية من شارع سيدي رمضان بباب جديد، إذ كانت أكوام النفايات مرمية بعشوائية على السلالم الإسمنتية وعلى الحوائط، حيث باشر عمال النظافة حملها على ظهر الحمار، داخل "الشواري".
ويجد عامل النظافة صعوبة بالغة في جمع النفايات، خاصة التي تمزّقت أكياسها وتناثرت هنا وهناك، و"يتعارك" في الكثير من الأحيان مع "الشواري" الذي يتمايل فوق ظهر الحمار يمينا وشمالا.
قال العيد أحد العاملين بالحمير لنقل النفايات من أزقة القصبة، إن مهمتهم صعبة مقارنة بعمال "نات كوم" الذين يستعملون الشاحنات العصرية والمكانس الآلية، فهم معرضون للمخاطر خاصة وأن النفايات التي ترمى في الآونة الأخيرة، عشوائية وتضم مسامير وقطع زجاج والحديد، وحقنا وأدوية سامة.
وأكد أن الأيام الممطرة تكون أكثر صعوبة عليهم وعلى الحمير، حيث يتبلل الحمل والسعف الكبير فوق ظهره فتزداد حمولته، مع العلم أن حمولة النفايات التي توضع فوق ظهره تصل أحيانا 65 كلغ وهي على العموم تتراوح بين 50كلغ و60كلغ.
من جهته، أوضح السيد عبد الله خنفوسي، رئيس القطاع السياحي للقصبة الخاص برفع النفايات، إن صعوبة العمل، تتخلله متعة نظرا للوقت الذي يستغرقه عمال النظافة في حمل النفايات، والذي يدوم أكثر من 30 ساعة في الزقاق الواحد، ويعتبر أن ذلك يدخل في تراث القصبة وديكورها اليومي.
كل حمار يعرف زقاقه.. وخدمة قد تتعدى 14 سنة!
حسب الاستطلاع الذي قامت به الشروق، من خلال حضورها عمليات حمل النفايات في أزقة القصبة، على ظهور الحمير، فإن بعض هذه الحيوانات تقاد بمفردها إلى المكان الذي تعوّدت أن تحمل منه النفايات، ففي زقاق سيدي رمضان أو ما يسمى دريس حميدوش باب جديد، توجه حمار إلى منبع ماء وشرب ثم انقاد إلى مكان النفايات.
"إنها مهمة احترفها هؤلاء الحمير.. بعضها تعدت خدمتها 14سنة" قالها السيد عبد الله خنفوسي، والذي أكد أن 36 حمارا في خدمة سكان القصبة وهم يتلقون عناية خاصة ورعاية صحية في إسطبل يقع في منطقة مناخ فرنسا بباب الوادي بالعاصمة.
وقد أحيل، حسبه، عدد كبير من الحمير على التقاعد بعد أن عجزت عن الخدمة وأكبرها يتعدى سن 35 سنة، وأضاف السيد عبد الله، أن زيادة النفايات وعشوائيتها أديتا إلى فتح المجال أمام حمير آخرين لتولي المهمة في القصبة.
وقال إن سنوات الثمانينيات كانت الحمير تصل إلى أبواب السكان وتحمل دلاء النفايات وتفرغ في "الشواري" بكل سهولة ومن دون أي أذى ولكن اليوم عشوائيتها وانتشارها الواسع صعّبا المهمة.
واليوم يعمل فوجان، يبدأ الفوج الأول منذ 4 صباحا إلى منتصف النهار، والثاني من الواحدة زوالا إلى الثالثة والنصف زوالا، وكل فوج يستعمل 16 حمارا لحمل النفايات.
.. أجمل حمار يحظى باهتمام خاص
وتتميز حمير القصبة بالوفاء في العمل وبعلاقة حميمة مع عمال النظافة، وهي مطيعة تلخص العلاقة التاريخية بين الإنسان والحمار، وتتفوّق على حمار جحا في الالتصاق اليومي بعمال "نات كوم" وبسكان أزقة القصبة.
تقبل على الشرب من ينابيع القصبة التي تزين الأزقة منذ القدم، وتأكل خبزا يابسا يضعه أبناء الحي جانبا بالقرب من النفايات، ثم تتولى مهمتها بتفان.. حمير متقدمة في السن وأخرى جديدة في الميدان، وبعضها يتميز بحفظ الأماكن والاتجاهات، وحمار أكثرها جمالا لأن رأسه أبيض.
قال عبد الله خنفوسي، رئيس القطاع السياحي للقصبة الخاص برفع النفايات، إن الحمار ذو الرأس الأبيض يبلغ من العمر 25سنة وهو يعتز به وقد التقط له صورا وهو يؤدي مهمته في حمل النفايات من أزقة القصبة، ونشرها عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
"إن القصبة المدينة العتيقة، تعتبر الحمير من تراثها الموروث، حيث أعطت لهذه الحيوانات مكانة خاصة، وجعلت من خلالها علاقة الإنسان بالحمار تصمد أمام التكنولوجيا والحداثة" قال عبد الله، وهو يتفحص صفحته في الفايسبوك عبر هاتفه النقال، وراح يطلعنا على صور جميلة للحمار التقطها من يوميات حمل النفايات في القصبة.. هذا الحمار الذي طالما يتردد اسمه على ألسنتنا مع كل شتيمة!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/03/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : وهيبة سليماني
المصدر : www.horizons-dz.com