الجزائر

حكمة عطائية



يقول ابن عطاء الله السكندري: “من علامة النجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات”. (الحلقة1)إننا نعلم أن الإنسان إذا آل إلى الله بخاتمة حسنة، آل إليه مغفوراً مكرماً،والعكس أيضا صحيح، وكثيرا ما نستشهد على هذا بآيات من كتاب الله عز وجل من مثل قوله تعالى:{وأزلِفت الجنَّة للمُتقين غير بعيد، هذا ما توعدُون لِكلِّ أوَّاب حفيظ، مَنْ خَشِي الرّحْمَنَ بالغَيْبِ وجَاء بِقَلبٍ منيب}. (ق)
ولا ريب أن هذا الدعاء مطلوب ومفيد، وأن اعتقادنا بأهمية حسن الخاتمة اعتقاد صحيح وسليم.
ولكن في الناس من يتصوَّرون أن هذا يعني، أن لا عبرة من سلوك الإنسان وحاله، إلا بما يكون منه في أواخر حياته، أي فلا حرج في أن يستجيب الشاب لأهوائه ونزواته، وأن يشرد عن أوامر الله وصراطه، وحسبه أن يرعوي إلى الله وأحكامه عندما تنزل به الشيخوخة أو يشعر بأن مرضا خطيرا قد أحدق به.
ولكن فلتعلم أن هذا التصور خطأ قتَّال، وخدعة شيطانية ماكرة!..
إن خاتمة حياة الإنسان لا تكون إلا ثمرة ونتيجة لما قبلها من البدايات والأحوال السابقة، إنها ليست إلا الصدى لما كان عليه حال الإنسان من قبل معتقَدًا وسلوكًا.
أرأيت إلى النبات كيف يخضرّ ثم ينمو،ثم تظهر الثمرة في أعلاه؟..
قد تقول ولكن الحديث الصحيح الذي يقول رسول في أوله: “إنه ليُجمع خلق أحدكم في بطن أمه..”يؤكد خلاف هذا الذي تقوله في نهايته، إذ يخْتمه رسول الله قائلاً: “فوالذي نفسي بيده إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها”. رواه البخاري ومسلم.
أقول: إنك فهمت الحديث على الوجه الذي توهمته،فذلك يعني أن الله يضّيع قربات الطائعين ويبددها لهم، ويُسقط ما قد يكون فيها من قِيمة من حيث هي طاعة أُريد بها وجه الله. وهذا مُناف لصريح مُحكم تبيانه عز وجل،ألم يقل:{إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إناّ لا نُضيعُ أَجرَ من أَحْسَنَ عملاً} (الكهف).
إذن لابد أن نفهم الحديث الذي يَستشكله بعض الناس، بما يتفق وكلام الله عزوجل.
وسبيل التوفيق هو أن نعود إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الرواية التي رواها مسلم جاء بألفاظ قريبة أخرى: “إنّ الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس،وهو من أهل النار، وإنّ الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة”.
إذن كلمة “فيما يبدو للناس” الواردة في الحالتين تبرز وجه الانسجام التام بين الحكمة التي نحن الآن بصدد شرحها.
وفي ضوء هذه الرواية المقيدة بهذه الكلمة، ينبغي فهم الرواية الأخرى المطلقة،إذ الأساس الذي تبنى عليه النهايات هو السرائر.. يتبع
المرحوم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (بتصرف)


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)