الجزائر

حكمة عطائية



حكمة عطائية
يقول ابن عطاء الله السكندري: ”مما يدلك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس موجودا معه”إن قوام الأشياء كلها بالله عزوجل أي أن نورا ربانيا يسري إلى المكوِّنات فتنهض بمهامها ووظائفها التي وُكلت إليها.
إذن فكل شيء في المكوِّنات، صغر أو كبر، عاكفٌ على وظيفته التي كلف بها، سارٍ من النور الإلهي الهابط إليه والساري في أعماقه. وهذا معنى قوله عز وجل:”كلٌ قد علم صلاته وتسبيحه”
فإذا عرفنا أن كل شيء في هذا الكون مُنَوٌر بنُورِ الله فما الذي يحجبك إذن عنه؟
لو نظرت يمينا وشمالا، ولو بعثت بنظرك إلى الملأ الأعلى.. إلى الملأ الأدنى.. إلى الأطراف والأفاق كلها، ستجد أنه ما من شيء إلا وهو مُنَورٌ بنُورِ الله في ظاهره وباطنه.
وإذا لم يكن هنالك شيء ذو وجود مستقل يصلح أن يقوم حاجزا يقصيك عن شهود الله، لأن كل ما هو موجود مُستنير بنور الله ودالٌ على عظيم صنع الله، فالمفروض إذن أن لا يحجبك عنه شيء.
ولكن قاهرية الله عز وجل تجعل من اللشيء شيئا، وتريك حال كثيرين من الناس وقد حجبوا عن الله عز وجل بما ليس له وجود أي بما ليست له كثافة ذاتية تغالب النور الإلهي الساري في كل شيء فتغلبه وتغيبه عن البصائر والعقول.
وهذا مايعنيه ابن عطاء الله بقوله:”مما يدلك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس موجودا معه”
كلنا يعلم أن كثيرين هم الذين حجبوا عن شهود الله ومعرفته، على الرغم من أنه لا يوجد ما يحجب العقل عن الله، لأن كل ما هو موجود مستنير بنوره ومن ثم فهو دال عليه.. تأمل في حال الملاحدة والمعاندين والمستكبرين تجد أنهم محجوبون فعلا عن شهود الله. ولكن بأي شيء حجبوا عنه؟.. إنما حجبو عنه بقهره وبطشه. وقاهرية الله لا تحتاج إلى أداة يستعان بها للستر أو الحجب، إنما يتوقف الأمر على القرار الإلهي فقط، الدال عليه قوله تعالى: ”واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه” ولكن من هم أولئك الذين قهرهم الله بحجبهم عنه دون حجاب؟
هم الذين حاق عليهم غضب الله ومقته. وإنما يحيق مقته وغضبه بالمعاندين والمستكبرين عليه فقط، دون بقية الناس جميعا.
في الناس من يستبد بهم الكبر والعناد، فيتجاهلون النور الإلهيي الذي تفيض به المكونات كلها، ثم إنهم يصرون أصرارهم المستكبر على تجاهلهم الكاذب، فيحيق بهم غضب الله العاجل في الدنيا، ويحجبهم عن شهود ذاته العلية دونما حجاب!
إنما هو نوع من العمى يسدله على أبصارهم وبصائرهم، فإذا هم محجوبون عن شهود الله عز وجل غائبون عن دلائله وأنواره التي تفيض بها المكونات كلها، وقد كانوا قبل ذلك يرونها أو يدركونها متجاهلين مستكبرين.
واعلم أن المعاصي مهما كثرت لا تكون سببا للمقت أو الغضب الإلهي، فالذي لا يعاني من الاستكبار إنما يرتكب ما يرتكبه من الأوزار بسبب ضعفه وبسبب تغلب شيطانه وشهواته عليه، وفي الغالب يسوقه الندم إلى التوبة والإستغفار، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. قال تعالى:”سأصرف عن آياتيَ الذين يتكبرون في الأرضِ بغير الحقِّ.. ” وقال ”فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.
...(يتبع)
المرحوم الشيخ سعيد رمضا ن البوطي(بتصرف)


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)