الجزائر

حكاية زروقة والانتخابات



زروقة امرأة فقيرة، تحت خط الفقر، عاشت حياتها تركض وراء الرغيف، اشتغلت في غسل الصوف للعائلات الميسورة والمتواضعة، وعاشت أيضا على صدقات الأناس الطيبين في أيام الأعياد الدينية والمناسبات.. لم تفكر يوما زروقة في شيء اسمه السياسة.. بل كانت السياسة تبدو بالنسبة لها ترفا بعيدا عنها.. وبعيدا عن أحلامها وانشغالاتها، لم تغادر زروقة يوما بلدتها التي حلت عينيها فيها.. لم تعرف من الجزائر سوى القرى المجاورة لبلدتها.. توفي زوجها، ولا أحد غيرها يكد ويكدح من أجل سد رمق عائلتها المتعاركة بشكل شرس ضد البؤس والجوع.. ليس لزروقة تلفزيون، بل ليس لها شقة، وليس لها ما يحميها من غوائل الدهر.. ومع ذلك، كانت تحمد الله كل يوم على ما تبقى في قلوب الجارات والجيران من رأفة وشفقة والرغبة في تقديم الإحسان.. وربما لأنها حمدت الله كثيرا، جاءها الفرج من حيث كانت لا تدري، ولا تنتظر.. والفضل كل الفضل يعود إلى السياسة، وربما إلى بوتفليقة الذي فرض أن تأخذ المرأة نصيبها ومكانتها في السياسة، بحيث أصبحت الأحزاب السياسية مرتبطة بهذا الشرط، شرط تواجد المرأة في القوائم الإنتخابية، ولأن بلدة زروقة تكاد تكون فيها المرأة مطرودة من المجال العمومي.. ومحاصرة من كل السلط الذكورية، سواء كانت هذه السلط داخل الأحزاب أو داخل المساجد أو داخل المؤسسات الأخرى، فإن النساء من ذوات المستوى المحترم والمعقول، لم يؤمن بهذه الصدقة، وظللن يولين ظهورهن لكل الأحزاب التي اكتشفت في لحظة قيمة المرأة وما كان على هذه الأحزاب إلا الاصطياد المجنون، لكن من يتمكنّ منها لأن تقوم على القوائم.. وكانت زروقة إحدى النساء اللواتي استجدين ليكن في القوائم الحزبية للمحليات.. لم تتمكن زروقة من قول كلمة لا.. لأنها اعتبرت قبولها مجاملة لمن أحسنوا إليها ذات يوم.. وهي دائما ستكون في حاجة إليهم.. لكن ما حدث لم تكن زروقة لتتخيله ولو في الحلم السابع... وهي أنها تكون من الفائزات في الإنتخابات المحلية... واكتشفت في نهلة أنها أصبحت شخصا مهما، وامرأة تستجدي بعد أن كانت تمد يدها للناس، كل من كان يضحك على زروقة لم يصدق عينيه، وهو أن زروقة البائسة، زروقة المتسولة قاب قوسين لأن تكون رئيسة بلدية، أو نائبة رئيس بلدية.. تعترف زروقة أنها لا تعرف الكتابة والقراءة، ولا تعرف السياسة، ولا تعرف الإدارة، لكنها أدركت أنها تعرف شيئا واحدا.. وأنها لم تعد كما كانت منذ أيام، لقد أصبحت امرأة يحسب لها ألف حساب.. وأن الآخرين الذين حاولوا استغلالها وتوظيفها، هم الآن في حاجة إلى صوتها، في حاجة إلى التحالف معها.. فما كان من زروقة إلا أن وضعت شرطها للفرسان الذين يطلبون ودها.. وهو أن من يشتري لها سكنا، يكون هو المحظوظ بصوتها.. أما صديقتها خديجة والتي تسكن في البلدة المجاورة، والتي كان حالها مثل حال زروقة، فلقد اشترطت أن تمنح صوتها لمن يدفع أكثر في المزاد العلني للمتسابقين إلى إمارة البلدية.. منح لها حوالي 4 مليون دينار، لكنها لازالت تتمنّع وتطلب المزيد..
ما أرويه ليس خيالا، وليس إشاعات، إنما هو حكايات حقيقية تعكس ما آلت إليه الجزائر، وما آلت إليه النيات الطيبة المنتصرة لحق المرأة في الحياة العمومية، وما آل إليه السياسي والوعي السياسي...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)