الجزائر

حفلات شهادتي الابتدائي والمتوسّط تزاحم الأعراس في قاعات الحفلات



لا تبدو مظاهر الفقر وتدني القدرة الشرائية في خضم أقسى أزمة اقتصادية تضرب البلاد، على النمط المعيشي للعديد من العائلات الجزائرية لاسيما منها الفقيرة ومتوسطة الدخل، على مستوى ما يطلق عليه «الجزائر العميقة» تعيش عائلات ضعيفة الدخل حالة من التمرد على واقعها الاجتماعي. عائلات اختارت أن تعيش حياة الرفاهية والرخاء غير مبالية بظروفها المادية، والأهم بالنسبة لها أن تقيم حفل نجاح لأبنائها حتى ولو لم يكن معدل نجاحهم في درجة تستلزم التعبير عن الفرحة وبطريقة لا تعكس المستوى المعيشي للعائلات الناجحين. التفاصيل ترصدها «الشعب» في «صيفيات «.تسلّلت «الشعب» داخل جلسات نسائية في أماكن كثيرة، ونقلت بعض مظاهر البذخ التي استغربت لاستفحالها عدة نساء من مستويات عمرية وتعليمية مختلفة، مقابل ما كان للآباء من شهادات ووجهات نظر أخرى.
نحن نغادر أحد الحمامات العمومية وسط مدينة معسكر، شد انتباهنا حوار متعدد الأطراف لنسوة في سن يتجاوز 50 شغلتهن الظاهرة المنتشرة حديثا بمعسكر، قالت السيدة «ملوكة» وهي جدّة، معبّرة عن تذمّرها الشديد من الظاهرة، أن تعبير بعض الأمهات عن فرحتهن لفوز أبنائهن في مختلف الامتحانات الدراسية بلغ درجات غير معقولة من الجنون لاسيما بالنسبة لنساء لا يملكن في بعض الحالات قوت يومهن وكثيرا ما يشتكين من واقع معيشي مزري، فتجدهن يتحدثن عن عجزهن عن كسوة أبنائهن أوعلاجهم وتوفير نفقات تعليمهم.
وواصلت السيدة المثيرة للموضوع حديثها بامتعاض شديد أن بعض الأمهات تكلّف أنفسهن عناء طلب سلفة من أجل إقامة حفل بمناسبة نجاح دراسي في قاعة للحفلات، والأسوء من ذلك أنّهن يوجّهن دعوات لحضور الحفل لأناس لربما لا يجدون ما يقدمون من هدايا أو مبالغ نقدية للإحتفال بنجاح أبنائهن.
وقبل أن نقاطع حديث السيدة ملوكة الشيق عن ظاهرة اجتماعية تملك كل مواصفات العادة والتقاليد السلبية، عقبت سيدة أخرى عن ما قيل بالتأكيد أنها ظاهرة كثيرا ما حطتها في مواقف محرجة، مسترسلة في وصف ما يقدم من مأكولات ومشروبات في مثل هذه الحفلات لدرجة أنه صارت تظهر تحضيرات إقامة حفل نجاح شهادة الابتدائي أو المتوسط بمثل ما يتم التحضير لحفل زفاف، بعد أن كانت مثل هذه الاحتفالات تتم في أجواء عائلية بين الأهل والأحباب دون تباهي أو مبالغة وابتعاد عن القصد منها.
سألت «الشعب» «سليمة»، 35 سنة، إحدى المتخرجات من جامعة معسكر في شهادة الدكتوراه عن هذه السلوكيات فقالت: «أنا محتارة جدا لما وصلت إليه بعض العائلات من مبالغة في إبداء فرحتها بنجاح أبنائها، خاصة في ظل الظروف المعيشية التي تعاني منها اغلب العائلات حتى المرتفعة الدخل منها».
وأضافت سليمة: «تمكّنت مؤخرا من شهادة الدكتوراه ولم يكن حفل تقديم رسالة تخرجي سوى بين أساتذتي وزملائي، واللجنة التي ناقشت موضوع التخرج، غير أن ما حزّ في نفسي أن أقيم مأدبة تليق بنجاحي، وما كان عليّ إلا أن أقدم صدقة كفأل خير على مستقبلي في البحث العلمي والمهني دون أن أكلف نفسي عناء التبذير والإنفاق الشديد رغم أني مرتاحة ماديا».
أزواج يتّهمون الزّوجات بالإسراف..
انتشرت فكرة إقامة حفلات التخرج والنجاح لتلاميذ الإبتدائي والمتوسط في قاعات الأفراح بعد أن كانت تقام في البيوت دون أن تكلّف العائلات نفقات كثيرة، وصارت الأسر تحضر لهذه الحفلات وكأنها تستعد لزواج أحد أفراد عائلتها، بدءاً من تحضير الحلويات المتنوعة إلى إنفاق مبالغ كبيرة على مأدبة الفرح تكون أغلبها مبالغ لديون تتكبدها العائلة. من جهة أخرى يرى الأباء أنهم مرغمين على مجارات زوجاتهن، ما يعني أن هذه العينة التي يتكّل عليها المجتمع لتربية الأبناء تربية صالحة وسليمة بعيدا عن مظاهر التبذير والبذخ غير المبرر هي المتهم الوحيد في استفحال هذه الظاهرة الغريبة والدخيلة على المجتمع.
أوضح «بلقاسم» وهو أب لثلاث أولاد أوسطهم نال شهادة الابتدائي قائلا أن «الإعلان عن النتائج كان خلال شهر رمضان، فأقامت ربة بيتي حفلا بسيطا غير مكلف للأهل والجيران بعد الإفطار، غير أنّي تفاجأت بها تحاول إقناعي بإقامة حفل أكبر يليق بفوز إبني في شهادة دراسية نالها تقريبا جميع تلاميذ الوطن، زيادة على كونه أمرا لا يتقبله العقل إقامة حفلتين لفرح واحد ثانيتهما بعد الإعلان عن النتائج بحوالي شهر». استذكر الأب «بلقاسم» 43 سنة أيام الصغر حين كان النجاح كبيرا، والفرح بسيطا بساطة عيش العائلات الجزائرية مهما كان دخلها مرتفعا أو متوسطا في مرحلة ما لم يكن الجزائريون يعرفون معنى لمصطلح التقشف والأزمة الاقتصادية
من جهته خاض «بوجلال»، 63 سنة، معنا في الحديث المتجاذب قائلا أنه كثيرا ما تطلب منه زوجته مبلغا ماليا بقيمة ألف دينار متحجّجة بلزوم واجب مبادلة التهاني لأبناء الجيران أو الأقارب، متسائلا كم يلزم من مال لتهنئة كل هؤلاء الناجحين من الأقارب وأبناء الجيران، مضيفا أنه في وقت ما كانت العائلات تتجنب إبداء فرحتها بنجاح ابنائها حتى «لا تصيبهم عين الحاسد»، وأكثرها اليوم تقارن نفسها بعائلات ليست في مستواها المعيشي والاجتماعي رغم أن نفقات إقامة حفلات مثل هذه تثقل كاهلها. على العموم، صبّت معظم وجهات نظر متحدثينا عن الظاهرة في خانة واحدة، أن الظاهرة طغت كثيرا في المجتمع واستفحلت أكثر بين ضعيفي الدخل، وذكر أغلب المعبّرين عن آرائهم أنه على العائلات التي تبالغ في الاحتفال بنجاح أبنائها وصارت تنقله إلى قاعات الحفلات، أن تراعي على الأقل الظروف المادية للمدعوين الذين يجدون أنفسهم مضطرين لتلبية الدعوة، واقتناء هدية قد تقتطع مصاريفها من نفقات أساسية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)