حسن بن علي بن عمر القسنطيني المعروف بابن الفكون يكنى أبا علي، قال العبدريفي "رحلته": سألت عنه أبا علي حسن بن بلقاسم بن باديس القسنطيني فذكر لي أنه أدركه و هو طفل صغير، و لم يحفظ له مولدا و لا وفاة، و دخل مدينة فاس في رحلته لمراكش.
و له قصيدة مشهورة في رحلته من قسنطينة إلى مراكش كتب بها إلى أبي البدر فرد قيس و هو بقسنطينة و هي:
ألا قل للـسري بن السري
أبي الـــبدر الجواد الأريحي
أما و بحقك المبـدي جلالا
و ما قد حزت من حسب علي
و ما بيني و بيـنك من ذمام
و مـــا أتيت من خلق رضي
لقد مرت العيون سهام غنج
و لـيس سـوى فؤادي من رمي
فـحسبك نار قلبي من سعير
و حـــسبك دمع عيني من لتي
و كنـت أظن أن الناس طرا
ســـوى زيد و عمرو غير شي
فلمــا جئت ببلة خير دار
أمــــــالتني بكل رشى أبي
و كـم أورت ظباء بني ورار
أوار الــــشوق بالريق الشهي
و جـئت بجاية فجلت بدورا
يضيق بوصفـــها حرف الروي
و في أرض الجـزائر هام قلبي
بمعـــــول المراشف كوثري
و في مــليانة قد ذبت شوقا
بلـــين العطف و القلب القسي
و في تنس نسـيت جميل صبري
و همـــت بكل ذي وجه رضي
و في مـــازونة مازلت صبا
بوســــــتان المحاجر لوذعي
و في وهران قد أمسيت رهـنا
لظامي الخضـــر ذي ردف روي
و أبدت لي تلمسان بــدورا
جلبن الشوق للقلـــب الخــلي
و لما جئت وجدة همت واجدا
بمـــــنخنث التمعاطف معنوي
وحل رشا الرباط رشى رباطي
و تيمنى بــــطرف بابـــلي
و أطـلع قطر فاس لي شموسا
مــــــغاربهن في قلب الشجي
و ما مكناسة إلا كنـــاس
لأحوى الطرف ذي حسن ســـني
و إن تسأل عن أرض سلا فقيها
ظبـــاء صائدات للــــكمي
و في مـــراكش يا ويح قلبي
أتي الوادي فطم على القــــري
بـــدور بل شموس بل صباح
بهــــي في بهــي في بهــي
أبحــــن مضارع العشاق لما
ســـــعين به فكم ميت و حي
بـــــقامة كل أسمر سمهري
ومقلــــــة كل أبيض مشرفي
إذا أنسيني الوالدان حــــسنا
أنسيهم هــــــوى غيلان مي
فهـــا أنا قد تخذت الغرب دارا
و أدعـــــى اليوم بالمراكشي
على أن اشتياقي نحو زيـــــد
كشوقك نحو عمرو بالســــوي
تقــــسيمني الهوى غربا و شرقا
فيا للمشرقي المـــــــتغربي
فــــلي قلب بأرض الشرق عان
و جسم حل بالمغرب القــــصي
فهذابالغدو يهيـــم غربــــا
و ذاك يهـــيم شـــرقا بالعشي
و لولا الله مت هوى و وجــــدا
و كــــم الله من لطــف خفي
في "نفخ الطبيب": منها كتاب وافاني من عالم قسنطينية و صالحها و كبيرها و مفتيها سلالة العلماء الأكابروراثالمجد كابرا عن كابر، المؤلف العلامة سيدي الشيخ عبد الكريم الفكون حفظه الله و نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على من أنزل عليه:{و إنك لعلى خلق عظيم} و ىله و صحبه وسلم أفضل التسليم، من مدنس الإزار المتسربل بسرابيل الخطاياو الأوزار الراجي للتنصل منه رحمة العزيز الغفار عبد الله سبحانه عبد الكريم بن محمد الفكون أصلح الله بالتقوى حاله و بلغه من متابعة السنة المصطفية آماله، إلى الشيخ الشهير ذي الفهم الثاقب و الحفظ الغزير الأحب في الله الماخي من أجله سيدي الصدر النحرير أبو العباس أحمد المقري أحمد الله عاقبتي و عاقبته و أسبل على الجميع عافيته أما بعد:
فإني أحمد الله إليك، و اصلي على نبيه سيدنا محمد و لا أريد إلا صالح الدعاء و طلبه منكم فإني أحوج الناس إليه و أشدهم في ظني إلحاحا عليه لما تحققت من أحوال نفسي الأمارة و استنبطت من دخيلاتها المثابرة على حب الدنيا الغرارة، كأنها عميت عن الأهوال التي أشابت الرؤوس الأطفال و قطعت أعناق كمل ارجال، فتراها في لجج هزاها خائضة، وفي ميدان شهواتها راكضة طغت في غيها و ما لانت و جمحت فما انقادت ولا استقامت فويلي ثم ويلي من يوم تبرز فيه القبائح و تنشر فيه الفضائح و منادي العدل قائم بين العالمين:{و إن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} فالله أسال حسن الألطاف و الستر عما ارتكبناه من التعدي و الإسراف و أن يجعلنا من أهل الحمى العظيم و ممن يحشر تحت لواء خلاصته الكريم، سندنا سيدنا و مولانا و شفيعنا النبي الرؤوف الرحيم و لنكف من القلم عنانه، لما أرجوا من أجله ثواب الله سبحانه و قد اتصل بيدي جوابكم أصال الله في العلم بقائكم، فرأيت من عذوبة ألفاظكم و بلاغة خطابكم ما يذهل من العلماء فحولها و ينيلها لدى الجثو لسماعه سؤلها و مأولها بيد ما فيه من أوصاف من أمره قاصر و عن الطاعة و الإجتهاد فاتر، وأصدق قول فيه عنده مخبره و مرآه أن"تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" لكن يجازيكم المولى بحسن النية البلوغ في بحبوحة الجنان غاية الأمنية وقد ذيلتم ذلك بأبيات أنا اقل من أوصف بمثلها على أني غير قائم بفرضها ونفلها، فالله تعالى يمدكم بمعونته و يجعلكم من أهل مناجاته في حضرته، و يسقينا من كاسات القرب ما نتمتتع منه بلذيذ منادمته و قد ساعد البنان الجنان في إجابتكم بوزنها و قافيتها و العذر إلى أنني لست من أهل هذا الشأن و الاعتراف بأني جبان و أي جبان و الكمال لكم في الرضى و القبول و الكريم يغضي عن عورات الأحمق ةو الجهول و ظننا لكم حققه الله أن نجعل على منظمتكم الكلامية "يعني إضاءة الدجنة" تقييدا أرجوا من الله توفيقا و تسديدا بحسب قدري لا على قدركم و على مثل فكري القاصر لا على عظيم فكركم و إن ساعد الأوان و قضى بتيسير رب الزمان فأتى به إن شاء الأجل معي لأنني بالأشواق إلى حضرة راكب البراق و مخترق السبع الطباق و كنت عازما على أن أبعث لكم من الأبيات أكثر من الواقع إلا إن الرفقة أعجلت و صادفتني أيام الموت قعيدة البيت، فلم يتيسر عاجلا إلا ما ذكر عاجلا و على الله قصد السبيل و حسبي و نعم الوكيل:
يا نخبة الدهر في الدراية
علما تعاضده الروايــة
لا زلت بحرا بكل فـن
يروي به الطالبون غايـة
لقد تصدرت في المعـالي
كما تعاليت في العنايــة
من فيك تستنظم المعـاني
بلغت في حسنها النهايـة
رقاك مولاي كل مـرقى
تحوي به القرب و الولايـة
أعجوبة ما لها نظـــير
في الحفظ و الفهم و الهداية
يا أحمد المقري دامــت
بشراك تصبحها الرعايـة
بجاه خير العباد طـــرا
والال و الصحب و النقاية
صلاة ربي عليه تتـــرى
نكفي بها الشر و الغوايـة
و أختم كتابي بالصلاة و السلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم و كتب بغاية العجلة يوم السبت سابع أو ثامن رجب من عام 1038 للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة و السلام و المذكور عالم الغرب الأوسط غير مدافع و له سلف علماء ذوو شهرة، ولهم في الأدب الباع المديد، غير أن المذكور مائل إلى التصوف و نعم ما فعل تقبل الله عملي و عمله و بلغ كلا منا أمله، و لأشهر أسلافه العلامة الشيخ حسن بن علي بن عمر الفكون القسنطيني، أحد أشياخ الالعبدري صاحب الرحلة قصيدة (تقدم ذكرها) مشهورة عند العلماء بالمغرب، و هي من ذر النظام و حر الكلام و قد ضمنها ذكر البلاد التي رآها في ارتحاله من قسنطينة إلى مراكش اهـ.
و قا لغيره: كان من الأدباء الذين تستطرف أخبارهم و تروق أشعارهم عزيز النظم و النثر، و كأنها أنوار الزهر، رحل إلى مراكش، و امتدح خليفة بني عبد المؤمن، كانت جائزته عنده من أحسن الجوائز، و له رحلة نظمها في سفرته من قسنطينة إلى مراكش، ووافق في مقامه بمراكش طلوع الخليفة الزيارة قبر اإمام المهدي رضي الله عنه فنظم في ذلك.
و له ديوان شعر، و هو موجود في أيدي الناس و محبوب عندهم و هو من الفضلاء النبهاء و كان مرفوع المقدار، و ممن له الحظوة و الا عتبار و كان الأدب له من باب الزينة و الكمال، و لم يحترف به الإقامة أود أو لإصلاح حال، و أصله من قسنطينة، من ذوي بيوتتاتها و من كريم أروماتها، تواشيحه مستحسنة، و من مليح شعره:
دع العراق و بغداد و شـــامهم
فالــــناصرية ما من مثلها بلد
بر و بحر و مرج للــعيون بــه
مارح بـــان عنها الهم و النكد
حيث الهوى و الهواء الطلق مجتمـع
حيث الغنى و الـنما و العيشة الرغد
و النهر كالطل و الجنات مشرفــة
و النهر و الــبحر كالمرآة و هو يد
إن تنظر البر فالأزهار يانعــــة
أو تنظر الـــبحر فالأمواج تطرد
يا طالبا و صفها إن كنت ذا نصـف
قل جنة الخــلد فيها الأهل و الولد
و من نظمه رحمه الله تعالى هذه القصيدة القافية و القطعة الميمية التي تذكر بعدها، نظمها في بعض سادات بني عبد المؤمن، رحمهم الله تعالى، قال في سياق ذكره، و قد ذكروا جمال قصر الربيع:
عشونا إلى نار الربيع و إنمـــــا
عشونا إلى النار الندى و المحــلق
ركبنا بواديه جيـــــاد زوارق
نزلنا إليها من ضوامر ســـبق
وخضنا حشاه و الأصيل كـأنــه
بصفحته تبدي مروق زنـــبق
و سيدنا قد صار فيه لأنـــــه
بزورقه إنسان مقلــــة أزرق
فقلت و طرفي يجلتي كل عـــبرة
وزورقه يهوي به ثم يرتــــقي
أيا عجبا للبحر عب عبابــــه
تجمع حتى صار في بطــن زورق
و لما نزل ساحة القصر راعنـــا
بكل جمال مبهج الطرف مــرتق
فما شئت من طل يروق و جـدول
وروض متى تلمم به الريح يعــبق
وشاد معاني الحسن في نغماتـــه
يجاوبه شدو الحمام المطــــوق
فيا حسن ذاك القصر لازال آهــلا
و يا طيب ريا نشره المتنشـــق
رتعنا به في روضة الأنس بعد مــا
هصرنا به غصن المســرة مورق
و يضحكنا طول الوصال و ربمــا
يمر على الأوهـــام ذكر التفرق
فتضحي مصوغات الدموع هـدالة
و نحن على طـرف من الدهر أبلق
لمثلهما من منزه و نزاهـــــة
بحر ذيــــول الدل كل موفق
فلله ساعات مضين سوانــــح
عليهــن من زي الصبا أي رونق
خلعنا عليها النسك إلا أقــــلة
و إن عاودت تخلع عليها الذي بقي
و لما نضب ماء الأصيل ورق نسيمه العليل و هم العشي بانصرام و وداع النهار بسلام و أرخى الليل فوقنا سدوله و جرر على الأفق ذيوله، وعدنا إلى زورقنا ذلك، و الجو غير محتجب و وجه الفق غير متلفع بثوب الغمام و لا منتقب و قد بسطت الكواكب فب الماء فكأنما يجري بنا زورقنا في السماء أمروا أعزهم الله بوصف تلك الحالة فبادرتهم بهذه العجالة:
و ليل مسرة ما زلت منـــها
أمــر عـلى سراط مستقيم
لبست ثيابه عــــزا إلى أن
تحررت الرجـوع من النجوم
فنهنا بالمجلجل قد تـــراءت
على شطــيه جنات النعيم
يسر النفس ذي نظر و شيـم
من المرأى الـوسيم أو النسيم
تشكلت الكواكب فيه حـتى
جرت في قعـره شهب الرجوم
و أشكال منظرا علوا و سفلا
من الفلك الأثــير إلى التخوم
و ما تمتاز أرض من سمــاء
و حوت الماء من حـوت النجوم
تاريخ الإضافة : 28/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف