الصدر العامل إمام المحافلو الجحافل حز الأدب مذ طر ساربه و صف المكرمات موارده و مشاربه و فاز بالخلق و الخلق الحسن و ألف السهاد لبناء المحاسن و جفاه جفن الكرى و الوسن السيد حسن بن إبراهيم المدعو بريهمات كانت له اليد الطولى في الآداب العربية و العلوم الدينية.
كان رحمه الله لطيف الطبع سليم الذوق جميل الصورة فاخر الهياة، عذب المنطق متواضعا للمتصاغرين متطاولا على المتكبرين محسنا للفقراء محبا للعلماء قامعا لذوي الزعم، مذلا لأهل الرياء، له الخبرة بما جريات الأحوال و علم عجيب بالتاريخ و طبقات الأدباء،و تفرس مصيب ينفذ به في البواطن فيستخرج مكنونها بألمعيته مع دهاء، يقود العدو إلى الحنف و يسوق الحسود إلى الرغم الأنف، وكان بين معاصريه في الجزائر أحبهم إلى النزيل و الزائر، لما خص به من كرم السجايا و إسداء المزايا، و حلاوة اللسان و طلاوة المحيا و الإقبال على الخلق بما يسر القلوب و يزيل القطوب فهو من أعيانها الرجل الوحيد الذي يمثل لك في الجزائر أديبها المترف و عالمها الحكيم و موظفها الصالح، و كريمها البشوش.
لما ساقتني الأقدار إلى الجزائر كان المرحوم أول من ضمني إليه و أطلعني على غثها و سمينها و قد جئتها طالب علم علمائها وزيارة أهلها، فأغناني عن أحيائها بما عنده في المدرسة الدولية و كان رئيس إدارتها إلى أن توفي رحمه الله تعالى يوم 10 جمادى الأولى سنة 1301 مأسوفا عليه داخل الجزائر و خارجها، عن ولدين أكبرها بديع زمانه السيد أحمد الترجمان العسكري سابقا و أصغرهما السيد عمرالمدرس الآن في المدرسة الثعالبية، وكلاهما نسخة من أبيه، و فائق العصره على بنية و ثالثهما حفيدهما الحكيم السيد الزروق بن محمد بن المترجم الشيخ حسن بريهمات.
و قد تخرج على الشيخ جم غفير من تلامذة مدرسته و كلهم تولى الوظاالشرعية منهم من قضى نحبه و منهم من لم يزل في قيد الحياة كالعلامة النحرير السيد يحي بن محمد الجرومي قاضي تيزي وزو، وهذا الرجل كان كأحد أبنائه ملازما له متمثلا لأمره و نهيه، فنال من بركته علوما جمة مع تمكن في اللغة الفرنسوية فهما و كتابة و تكلما بشهادة أهلها مثل أبناء شيخه السيد محمد و السيد أحمد و السيد عمر و السيد الزروق، وكان الشيخ نفسه يحسن التكلم بها خطابا و جوابا و له نظم رقيق المعنى نبيل المبنى منه قوله في تقريط كتاب "أقوم المسالك في أحوال الممال" للمرحوم خير الدين باشا سنة 1284:
الله درك خـير الـــدين مـن علم
أبـدى منار الهدى للناس في القنن
نهــجت نهــجا قويما قـل سالكه
إلى السيـاسة كي ينجو من الفتن
بــينت طرق السداد بـل و أقموها
و قــمت منتصرا للدين و الوطن
نصـــيحة منك حـق شكرا قائلها
و منـــه منحت من أعظم المنن
ما شرعـت من ضلال لا ولا ابتدعت
بل أبـدعت سننا ناهيك من سنن
نعم عـلى الـشرع قد بينت ضابطها
مراعــيا فيه حال الناس و الزمن
لله شــــرح لــه أبان غامضة
و ســــنة بينت مقاصد السنن
أهدى لأهـل النهى محاسنا حدثت
و كف أهل الهوى بالقيد و الرسن
و مـــذهبا واضحا تبدي دلائله
عــن سبق تجربة لقصده الحسن
مــن المصالح و الأخف من ضرر
و مـن ضرورية جنيت حين جني
أطـــلقت طائفة كانت مقيدة
من حيث قيدت أخرى فهي في قرن
أفــــاد تاريخك الميمون مطلعه
شهـــادة بافتخار جل عن وهن
حــق على أمة الإسلام شكركم
و رعــي تأليفكم باللقب و الأذن
علــيك مني سلام الله ما اطلعت
شمـــس و ما غرد قمري في فنن
وله إجازة من جد أولاده العلامة السيد مصطفى بن الحاج أحمد الحرار في العلوم كلها و في دوائر من سند المصاحفة حررها له سنة 1272 و نصها:
ولدنا اسيد حسن بن السيد إبراهيم المدعوا بريهمات أحين الله عقباه وزين أخراه مع الحياة الطيبة و العافية الدائمة على ممر الأوقات بأبرك رغيد النعم المتهاطلة و لذائذ الأوقات كان حفظ الله مهجته وخلد عافيته قد لزم دروسنا سنين فحمل عنا من العلوم العقلية و النقلية ما فاق فيه كثيرا من معاصريه و جالت فيه فرسان بنيه و لما كان الإسناد حبل الشريعة الممدود و بابه لطالبيه غير مسدود إذ هو من خصائص هذه الأمة و لم تزل الإجازة عادة الأجلة من الأئمة أوصلته بما أوصلني به مشايخي و أجزته بما أجازوني به في سائر العلوم العقلية و النقلية و أذنته أن يروي عني جميع مروياتي و مسموعاتي على إختلاف أنواعها و تباين أجناسها إجازة مطلقة عامة، بشرطها المعروف و سننها المألوف حسيما تلقيت ذلك.
و أخذته عن مشايخي الأعلام مفاخر الزمان منهم الشيخ الهمام بدر الأعلام و مفتي الأنام علامة زمانه و وحيد عصره و أوانه الشيخ علي المنجلاتي رحمه الله تعالى رضي عنه و منهم الشيخ الإمام الصالح البركة الغائض في بحر العلوم و المستخرج منه درره شيخ الإسلام سيدي محمد بن إبراهيم ابن موسى رحمه الله تعالى رضي عنه و منهم الشيخ الهمام الإمام شيخ الإسلام و مفتي الأنام سيدي علي بن الأمين رحمه تعالى و رضي عنه و منهم الشيخ الإمام الولي الصالح القاري الخاشع البركة سيدي أحمد بن الكاهية صاحب الأخلاق العلية و المقامات العرفانية رحمه الله تعالى و رضي عنه و منهم الشيخ الإمام المتقن المحرر المدقق سيدي محمد واعزيز أدام الله حياته و أبقاه للعباد رحمة ومنهم الشيخ الإمام الأسد الضرغام قطب الأعلام خاتمة المحققين و بقية الأعلام المجتهدين ينبوع العلوم الشرعية و الفنون العقلية و المعارف اللدنية سيدنا و وسيلتنا إلى الله الباري مولاي الشيخ سيدي محمد صالح البخاري الرضوي بن خير الله نسبة إلى سيدي على الرضى بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن سيدنا محمد الباقر ابن سيدنا زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم و نفعنا بهم و أودنا بمددهم و منهم الطود الشامخ و الهيكل الراسخ العلامة سيدي الحاج حمودة الجزائري المنشأ و الدار و الوفاة رحمه الله تعالى و رضي عنه فهؤلاء مشايخي الأعلام الذين تحملت عنهم العلوم العقلية و النقلية و أجازوني بالإجازة المطلقة و المقيدة رحم الله تعالى جميعهم و ضاعف أجورهم و نفعنا ببركاتهم.
و أول من أخذت عنه الأستاذ خاتمة العباد سيدي الشيخ أحمد بن الكاهية به عرف الجزائري منشأ و موطنا و وفاة فقد أخذت عنه "كتاب البخاري" رحمه الله تعالى و رضي عنه، عرضا لجميعه و سماعا لبعضه و إجازة فيه بالإجازة العامةو المطلقة كما أخذته بالإجازة العامة عن شيخنا ابي المحاسن و الوفاء المولاي السيد مصطفى مفتي المالكية و محرر القضايا الدينية أبقى الله وجوده و أعلا مناره و أفاض جوده الجزائري الصل سماعا لجميعه و عرضا و أجازني في تأديته رواية و دراية كما أخذته بالإجازة العامة بل في جميع العلوم عن الشيخ علي منجلاتي المذكور الجزائري المنشأ و الدار و الوفاة.
و قد أخذ مشايخنا هؤلاء الثلاثة "كتاب البخاري" عن الأستاذ البركة شيخنا و شيخ مشايخنا الشيخ أبو الحسن سيدي علي ابن عبد القدر بن الأمين به شهر الجزائري منشأ و موطنا و فاة برد الله ضريحه و أسكنه من الجنان فسيحه إلى أن قال: وقد جمعت في إجازتي هذه لولدي الفاضل المذكور بين الأمرين تتميما لشرف المطلبين و ظفرا بالسرين ضاعف الله لنا عنه على جملة لطائف منها: قرب اتصاله بالنبي صلى الله عليه و سلم فباعتبار ثلاثيات البخاري يكون بيننا و بين النبي صلى الله عليه وسلم سبعة و بيننا و بين البخاري يكون بيننا و بين النبي صلى الله عليه وسلم سبعة و بيننا و بين البخاري ثلاثة و منها أن رجاله كلهم رجال أئمة ما بين مكي و بخاري و جني عن أنسي و منها أن فيه رواية صحابي هو السيد شمهورش قاضي الجن رضي الله عنه عن تابع تابع التابعين و قد قال و كيع: لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه و مثله و دونه.
و سمعت من استاذنا الشيخ محمد صالح البخاري قدس الله سره أن المحدث لا يبلغ الدرجة الكاملة في الحديث حتى بأذن له السيد شمهورش رضي الله عنه، ويجيزه فيه لفوزه بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم و سماعه منه، قال و قد كتب لي بخطة الإجازة في الحديث ر ضي الله عنه، و أما بقية مشايخي ممن ذكرت فقد اقتطفت من أزهار بساتين علومهم و رتعت في رياد الحدائق فنونهم و اتصلت بأسانيدهم و تشرفت بمسموعاتهم خصوصا خاتمتهم عماد قلبي و وسيلتي إلى ربي صاحب الفيض الإلهي و المدد الرباني الشيخ الإمام الجهبيذ الهمام حسنة الدهر المرقومة على صفحات الأيام الجامع بين المعقول و المنقول و المستخرج من روح مجراها ما تعجز عنه الفحول الذي اشرقت علينا بطالعه السعيد شمس العز التي لا يعتبرها أفول و سطعت علينا ببرق سناه نيرات الفضل التي لا يعقبها أفول و لا نحول حجر الوقت عظيم الصيت من جرى لنا بحر جوده الفياض فأرعد بالأنوار و أبرق و أشرق نور بدر سماه فما غرب بعدما أشرق حجة الإسلام الجامع بين علمي الشريعة و الحقيقة تعلقا و تخلقا مولاي الشيخ محمد صالح البخاري المذكور المتوفى بالمدينة المنورة على صاحبها أشرف الصلاة و أعطر تحية سنة 1265 في جمادى الثانية عن اثنين و ستين أو ثلاث و ستين فإنه لما قدم الجزائر التي هي نعيم القاطن و سلوان الزائر سنة 1261 يوم التاسع و العشرين من رمضان أجازني إجازة مطلقة عامة بما صحت له فيه روايته وثبتت عنده ذرايته، كما أجازه بذلك شيخنا قطب وقته بمكة المشرفة، سيدي عمر بن عبد الكريم المكي أفاض الله تعالى من بركاته و أمدنا بمدده، قال: فمن يوم قال لي تينك الكلمتين حين دخلت مكة المشرفة من بخاري أطلب الحديث و التفسير و اجتمعت به إلى اليوم اثنان و ثلاثون سنة لم أطالع كتابا ولا ورقة و قد مزقت القرطاس وكسرت القلم و حفظت القرآن في عشرين يوما و قد فوض إلي دروسه و أقامني مقامه، وانقطع لتربية المردين و توصيل السالكبن و قد أوصلني مولاي الأستاذ المذكور شيخنا العلامة سيدي محمد صالح البخاري بمروياته و مسموعاته التي أخذت عليها فهرسة الشيخ الإمام عبد الله بن سالم بن محمد بن سالم البصري المسماة بـ"قطف الثمر في رفع أسانيد مصنفات في الفنون و الأثر" و كذا فهرسة الشيخ الإمام سيدي إبراهيم الكوراني المسماة بـ"الإسم لا يقاظ الهمم" اهـ.
قال كاتبها: و كتبت عن إذن الأستاذ الأعظم و الطود الأفخم مولانا و شيخنا أبي المحاسن و الوفا السيد مصطفى بن الحاج أحمد الحرار الواضع اسمه بخط يده المباركة في آخر دائرة من دوائر سند المصافحة، أعاد الله تعالى من بركاته، ووهبنا و المسلمين صالح دعواته، ونفعنا بآثار و حسناته آمين اهـ.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف