الجزائر - A la une

حسابات نتنياهو.. الظرفية


حسابات نتنياهو.. الظرفية
لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اعتاد التعامل مع الشؤون الخارجية التي لا يملك تأثيرا مباشرا على مجرياتها، وتجاهل المشكلات التي يستطيع حلها بشكل مباشر، قطع 6 آلاف ميل ليحرض الكونغرس الأميركي على خطة الرئيس باراك أوباما لتسوية الملف النووي الإيراني.. ولم ينبس ببنت شفة عن المشكلة الإقليمية القادر على حلها، أي القضية الفلسطينية.في محاولته هذه، لم يتوانَ نتنياهو من الظهور بمظهر اللاعب الداخلي على الساحة السياسية الأميركية، فنجح في زج العلاقة الإسرائيلية - الأميركية في أحضان اللعبة السياسية الداخلية للحزبين الأميركيين الرئيسيين، دون أن يحقق تحولا يذكر في موقف الرئيس أوباما الذي أكد، بعد الخطاب، أنه المرجع الرسمي الوحيد لتقويم مصالح بلاده.قد توصل نتنياهو إلى إقناع الأكثرية الجمهورية في الكونغرس بأن شروط الرئيس أوباما في مفاوضاته مع طهران أعجز من أن تحول دون تطويرها لسلاح نووي. ولكن “تدخله” في الشؤون الأميركية لم يرُق للكثير من ممثلي الحزب الديمقراطي، حتى بين مؤيدي التشدد في شروط التفاوض مع إيران.عمليا، قد يكون السقف المحدود لشروط واشنطن على برنامج طهران النووي غير كاف للحؤول دون تطويرها لسلاح نووي في مستقبل منظور. ويبدو واقعيا تخوف بعض أعضاء الكونغرس من أنه، في أفضل حالاته، يرجئ موعد السلاح النووي ولا يوقفه.ولكن، مقاربة نتنياهو لموضوع الخطر النووي الإيراني، افتقدت إلى مصداقية إقليمية كان يفترض بأن يتسلح بها لو أنه تجاوب في خطاب واشنطن مع أولويات الناخب الإسرائيلي نفسه الذي أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أنه يدرج هذا الخطر في المرتبة الخامسة من همومه الحياتية، بعد ارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم أزمة السكن وتجدد المواجهات وحوادث العنف مع الفلسطينيين.مشكلات إسرائيل الاقتصادية قد تكون، كمفاوضات واشنطن مع طهران، خارج قدرة “المرشح” بنيامين نتنياهو على التأثير المباشر عليها. ولكن الهم الثالث للناخب الإسرائيلي، أي عودة العنف إلى الشارع لا يزال بمتناول يده إن هو تحلى بالجرأة الكافية لاستئناف التفاوض على “حل الدولتين” مع السلطة الفلسطينية، شريطة إقران هذه العودة بالتزام رسمي، وعلني، بتاريخ محدد لتطبيقه.من هنا، أي من تسوية القضية الفلسطينية، يبدأ التعامل الإسرائيلي الواقعي مع ملف إيران النووي فأي التزام جدي بالعودة إلى طاولة التفاوض مع السلطة الفلسطينية لا يستجيب إلى تطلع الناخب الإسرائيلي فحسب، بل يسحب من تحت أقدام النظام الإيراني بساط المزايدة “الإسلامية” على قضية “قومية” عربية، ويكذب تشكيك كثير من المراقبين السياسيين بأن هدف إيران من برنامجها النووي دافعه رغبتها في الهيمنة على الشرق الأوسط.. لا “تحرير” فلسطين.لو تبنى نتنياهو هذه المقاربة “التفاوضية” للقضية الفلسطينية قبل زيارته الأخيرة لواشنطن، لربما أضفى على تهويله بالخطر النووي الإيراني بعض المصداقية. ولكنه بقدر ما أبدع في وصف مخاطر البرنامج الإيراني تغاضى عن أي ذكر أو تلميح لدور حكومة الليكود في تبريره تسلح إيران وحتى في تسهيل تسويق برنامجها النووي في بعض الأوساط العربية.مع ذلك، يصعب على الخلفية الانتخابية الظرفية لخطاب واشنطن أن تحجب أنظار الإسرائيليين عن التحديات التي ستواجه العلاقات الإسرائيلية - الأميركية في العقود القريبة المقبلة، التي ترجح تراجع أهمية إسرائيل في حسابات الولايات المتحدة الدولية.داخليا، قد يكون في مقدمة هذه التحديات تبدل الواقع الديمغرافي للمجتمع الأميركي لصالح الناخبين من أصول إسبانية وأفريقية يتعاطفون تقليديا مع الحزب الذي ناصبه نتنياهو العداء في واشنطن (الحزب الديمقراطي الذي قاطع 50 من ممثليه في الكونغرس خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية). أما خارجيا فقد يؤدي التحول المتسارع للخريطة الجغرافية – السياسية لمصادر الطاقة، وربما نوعيتها أيضا، إلى حمل الولايات المتحدة على إعادة تقويم أولوياتها الخارجية انطلاقا من مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.. وإن كانت لا تتواءم تماما مع أولويات “إيباك”.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)