الجزائر

حسابات ملغّمة على طاولة الرئيس المقبل



- الإجراءات التسهيلية لدى دول أجنبية شكلت ملاذا آمنا للمال المنهوبيعتبر ملف استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج الناجمة عن قضايا فساد مطروحة أمام القضاء أو التي ستطرح مستقبلا, يعتبر أحد الملفات الشائكة التي على الرئيس المقبل التعامل معه , وهو الملف الذي لا شك أنه سيكون له وزن في ترجيح الكفة خلال الاستحقاق الرئاسي, لمن يقدم أفضل العروض في هذه القضية من بين المتنافسين الخمسة.
ورغم أن خبراء اقتصاديين أكدوا صعوبة استرجاع هذا النوع من الأموال لاسيما منها تلك المسجلة بأسماء مستعارة، خلافا للأموال الموجودة بالجزائر التي يمكن استرجاعها بما فيها المسجلة بأسماء أفراد عائلات الفاسدين المتابعين قضائيا. إلا أن استرجاع مثل هذه الأموال أصبح مطلبا شعبيا, ولا بد من الرئيس المقبل مسايرته.
وحسب تصريحات الخبراء فإن الأموال المسجلة بأسماء أصحابها في الخارج يمكن استرجاعها بمقتضى الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد , خلافا للأموال المودعة في الخارج بأسماء مستعارة و التي يصعب استعادتها. و يبدو أن بعض المترشحين للرئاسيات شرعوا في التفكير في كيفية تجاوز هذا العائق المزعج , فمنهم من يريد عقد صفقة مع أصحاب هذه الأموال ,لإعادتها إلى الخزينة العمومية مقابل العفو عنهم و الاحتفاظ بما يضمن لهم العيش .
كما اقترح مترشح أخر من قبل ,خطة من ست خطوات تبدأ بإقناع ملاذات المال الفاسد بالتعاون مع الجزائر عبر القنوات الدبلوماسية . ثم "إيفاد طاقم من القضاة المعنيين بهدف ملاقاة نظرائهم في البلدان التي توجد فيها الأموال لمعرفة شروط استعادتها، وتحضير وتقديم ملفات جدية للشركاء الأجانب في التحقيقات، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية للتعاون القضائي، واللجوء إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد". و كذا "اللجوء إلى مكاتب دولية متخصصة في البحث والاستقصاء في مجال تهريب الأموال"، حيث تقوم هذه المكاتب المتخصصة بملاحقة الأموال المهربة. ولا شك أن مثل هذه الإجراءات "المكلِّفة" قد تنجح و قد تفشل في هذه المهمة الصعبة , التي يتردد بقية المترشحين في الخوض فيها و إن كان احدهم قد ألمح إليها بتصريحه:« بأن الأموال موجودة و أنه يعرف كيف يأخذها"للتكفل بالصعاب الاقتصادية التي تعرفها البلاد .
ومن المعلوم أن قضية الأموال المنهوبة المنسوبة إلى الأنظمة السابقة و محيطها من رجال المال والعمال , قد أصبحت من مفرزات كل "ثورات الربيع العربي", و كان من الطبيعي , أن يشكل هذا المجال جانبا من اهتمام الحراك الشعبي في الجزائر , و مطالبه باسترداد الأموال المختلسة و المهربة إلى الخارج, لاستغلالها في تلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
روابط مختلفة
ومن حيث المبدأ , فإن المطلب مشروع , لكن تجسيده ليس بالسهولة التي يتصورها الرأي العام ,لأن الملف لا يقتصر على الجهات الداخلية , و إنما مرتبط بكثير من الأطراف الخارجية التي استقبلت هذه الأموال المختلسة , و بالتالي إلى عدد من الإجراءات التي تتناسب و التشريعات السارية في كل دولة شكلت ملاذا للمال الفاسد , و هذا بعد إجراءات لا تقل تعقيدا لإثبات وجود مثل هذا المال و مساره بأحكام قضائية نهائية , علما أن تجربة الجزائر لاستعادة ما عرف "بكنز الأفالان" المحول إلى سويسرا , و التي استغرقت أكثر من عقدين من الزمن في أروقة المحاكم السويسرية , قبل استرجاعه جزئيا بالتراضي مع ورثة من استحوذ عليه , من القضايا التي تؤشر على مثل هذه المهام المعقدة . و ذلك خلافا للمنحى التبسيطي الذي يتبناه بعض ضيوف البلاطوهات التلفزيونية بخصوص هذا الملف , بحجة "إن المنظومة القانونية السارية المفعول تسمح بفتح تحقيقات أولية حول شبهات الفساد من طرف مصلحة البحث و التحري , لإثبات اختلاس المال العام , مما يسمح للنيابة العامة بإصدار أوامر للاطلاع على الحسابات البنكية للمتهمين و تحديد مصدر الأموال , و في حالة عدم تطابقها مع التصريحات الضريبية , تحال الملفات للتحقيق من أجل إصدار إنابة قضائية لحجز الأموال إلى غاية نهاية المحاكمة و يتم بعدها بيعها في المزاد العلني" .
وهذا قد يصدق على قضايا التهرب الضريبي والغش الجبائي , واختلاس المال العام , داخل البلاد , أما الأموال المهربة إلى الخارج, والمودعة في حسابات بنكية محصنة بسر المعاملات المالية, أو المخفية بأرقام سرية ضمن شركات استثمارية موزعة على مختلف الملاذات الضريبية, فيحتاج إلى ترسانة من النصوص التشريعية و جيوش من المحامين المتخصصين في مثل هذه القضايا , فضلا عن أوراق ضغط كافية لدى الأطراف المدنية المتضررة لدفع الدول المستقبلة للمال الفاسد إلى الرضوخ للقانون الدولي الخاص بمكافحة الفساد .
تماطل واضح
وبالتالي فإن وجود إرادة سياسية ,تسمح بمصادرة الأموال عبر الإجراءات القانونية السارية المفعول ,كقانون محاربة الفساد الذي يتيح متابعة حركة الأموال أينما كانت و استرجاعها حتى ولو كانت مسجلة باسم الزوجة أو الأبناء ما دام مصدرها الاختلاسات و الاستفادات غير القانونية من المال العام. وكذا تأسس الخزينة العمومية و منظمات المجتمع المدني المهتمة بمحاربة الفساد كطرف مدني, في الملفات المطروحة على مستوى محاكم الدول الأجنبية , كلها تظل خطوات لا تصل إلى مبتغاها إن هي لم تلق تجاوبا من الدول المعنية التي تختلف أنظمتها القضائية بشكل يحتم توكيل محامين محليين (أي أجانب) كونهم أدرى بشعاب نظامهم القضائي , مما يتطلب تخصيص ميزانية معتبرة بالعملة الصعبة لمتابعة مختلف القضايا المرفوعة في هذا الشان . وقد طالبت كل الأنظمة في دول الثورات الربيعية، الدول العربية والأوروبية بمساعدتها في استرداد تلك الأموال، لكن دون جدوى إلى حد الآن ، فبالرغم من وضوح وإلزام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لكل الدول التي وقَّعتها بإرجاع الأموال المُهرَّبة إلى البلد المعني، إلا أنّ العديد من الدول ترفض أو تماطل في إرجاع تلك الأموال المنهوبة. و بالتالي فإن طريق الجزائر في هذا الاتجاه ما زال في بدايته, أي في خطوة التحقيقات الابتدائية حول شبهات الفساد. وعلى الجزائريين ألا يسأموا أو يتعجلوا النتائج , أن يتسلحوا بالصبر الجميل و تحمل طول الانتظار .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)