الجزائر

حرية الصحافة.. وحدود القلم.. والنظام!!!



حرية الصحافة.. وحدود القلم.. والنظام!!!
أذكر فيما أذكر قصة رواها الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، في أحد خطبه عن شخص كان يتمطى فامتدت يده لتلمس أنف الرجل الذي في جواره فسأله الرجل ماذا تفعل فرد عليه أنا حر فقال له الرجل عزيزي “تنتهي حرية يدك عندما تبدأ حرية أنفي"، إن الحرية مفهوم نسبي فيه من القيود أكثر مما فيه من الإباحة فلا تعني الحرية بالمطلق أنني أستطيع أن أفعل كل ما أريد أو أقول كل ما أرغب فهناك دائما ضوابط للحرية تنتهي عندما تتعارض مع حرية الآخرين.
قد يعتبر الإعلام والصحافة من الأدوات الأهم التي تمتلكها الدولة أو المؤسسة وقد استخدم الإعلام حديثا كأحد الأسلحة الإستراتيجية التي لها تأثيرا كبيرا على فاعلية المعركة أو تمرير السياسات وفرض الرؤى وتوجيه المجتمعات فإن الدولة أو المؤسسة التي لا تمتلك إعلامها الخاص هي بالتأكيد تفتقد إلى أحد الأسلحة القوية والتي تستخدم في فرض وجودها وتمرير رؤيتها كما أنها ارتضت أن تلتزم جانب المتلقي دون أن يكون لها القدرة على التأثير أو على الأقل حق الرد والدفاع عن ذاتها فيما لو تعرضت إلى أي حملات خارجية وهناك من الدول التي استخدمت الإعلام لإيجاد نفسها على خريطة العالم والتأثير المباشر في المنطقة رغم انعدام تأثيرها الفعلي.
إذا افتقد الإعلام والصحافة الضمير والأخلاق وأصبح يوجه من جهات غير وطنية فهو لا يقل في خطره وتأثيره عن أي آفة في المجتمع كالمخدرات التي تدمر المجتمع أخلاقيا واقتصاديا وتغيب العقول، فأدوات الإعلام أصبحت شريكا جبريا ملازما لنا في كل لحظات حياتنا يبدأ من الرسائل التي نستقبلها على الجوال والراديو والتلفزيون والمواقع الإلكترونية والصحف المطبوعة وغيرها من عشرات الوسائل حتى نصل إلى الإعلام المنقول بالمشافهة ومن ضمنها “الإشاعة" وما صاحب ذلك من تطور هائل في عالم الاتصالات والتي تكاد تكون وصلت كل بيت بشكل أو بآخر.
يقع على عاتق الإعلامي العنصر الأهم في المنظومة الإعلامية واجب وطني وأخلاقي فهو المترجم الحقيقي لكافة التفاعلات التي تحدث في المجتمع وهو بدوره القادر على حملها إلى الجهات التي من المفترض أن تصل إليها وبذلك هو استحق مرتبة السلطة الرابعة التي لم تمنح له وإنما فرضها فرض مئات من الشهداء في مهنة الإعلام وآلاف من المعتقلين منهم على خلفية الرأي فهو أيضا حصل على لقب مهنة المتاعب دون منازع لممارسته سلطة الرقابة.
بالتأكيد الإعلامي الذي يطرح نفسه كطرف محايد لن يستطيع أن يرضي كافة أطياف المجتمع الذي ينتمي إليه وفي الغالب هو سيخسر كافة أصحاب السلطة والنفوذ في هذا المجتمع لأن الإعلامي الشريف دائما ينحاز إلى مجتمعه ومشكلاته وهذا الانحياز لا يرضي أصحاب القرار وتظهر هذه المشكلة جلية عندما يكون المجتمع مقسم إلى طوائف أو أحزاب فغالبا سيحاسب الإعلامي على الخلفية التي جاء منها سواء طائفية أو حزبية وفي معظم الأحيان لا يكون الحكم موضوعيا أو نقديا بناء على الفكرة التي يطرحها الإعلامي.
ليس من العيب أن يكون الإعلامي منتميا إلى حزب ما أو أنه مؤمن بأيديولوجية فكرية أو يعتنق ديانة مختلفة أو ينتمي إلى طائفة أو أنه من منبت فكري أو ثقافي معين، ولكن العيب الحقيقي أن يحاول أن يفرض هذا الإعلامي ثقافته ورؤيته الخاصة على المجتمع فإن ما يتوجب عليه هو النظر للأمور من أعلى والحكم عليها بحيادية كاملة وآرائه الخاصة ما لم تتنافى مع الأعراف العامة والقوانين فإن من حقه التعبير عنها وطرحها مع حق الآخرين في نقدها دون التعرض لشخصه أي يتم نقد الأفكار وليس الإنسان ولكن الملاحظ على معظم السجال الإعلامي والأفكار التي تطرح في المجتمعات العربية أن منبتها متأثر بشكل كامل بخلفية الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي فلم ينجح الإعلام العربي بتشكيل جبهة وطنية موحدة تعالج مشكلات العرب والتي في غالبيتها متشابهة لتشابه الواقع وتشابك العادات والتاريخ والتقاليد واللغة.
لا توجد حدود لقلم الإعلامي الذي يستطيع ترجمة أي تفاعل للمجتمع مهما صغر أو كبر، فهو يستطيع أن يكتب بل إن واجبه أن يكتب كل ما تلحظه عينه ويرصده عقله من حركة المجتمع وردات فعله وإيجابياته وسلبياته وتأثير النظام عليه وتأثيره على النظام ولكن أيضا هناك سياج واقي للإعلامي والمجتمع حتى لا يغرق الإعلامي في دوامة المباح وغير المباح وإدراكي المحدود يفتيني بأن القانون وحده لن يشكل هذا السياج الواقي ما لم يكن هناك أخلاقيات وضمير لهذه المهنة المقدسة من خلال البحث عن الحق والحقيقة وما ينفع المجتمع ويسهم في توثيق الصلات فيه وأن يكون قلمه قلم الله في الأرض وليس قلم الشيطان.
حرية الصحافة هي كلمة تطلق في كافة المناسبات الاستعراضية التي يواجه فيها المسؤول كاميرات الإعلاميين ولكن عند التطبيق تتلاشى هذه الحرية لتقارب الذوبان فظني أن الحرية التي يتحدث عنها الجميع والمسموح بها هي حرية التعبير في نقد المعارضين وعندما يوجه النقد إلى النظام يكون الإعلامي اقترب من المحظور فمتى سيفهم الجميع أن الإعلامي عندما يعري حقيقة أو يسلط الضوء على مشكلة هو لا يهدف إلى تعرية النظم وإنما يأمل في مساندة المسؤول للوصل إلى ما أخفي عنه وهو بذلك يساند في العلاج والحفاظ على سلامة المجتمع.
إن الإعلامي الذي يلتزم بقواعد المهنة وآدابها ويفتح ملفا وفق الأصول ويمتلك كافة الأدلة على ما قاله مهما كان نوعه محرج أو مؤذٍ للنظام يجب أن يكافأ لا أن يعاقب لأنه ساهم في حفظ سلامة النظام من انفجار المجتمع الذي سيراكم هذه الأخطاء ويعاقب النظام عليها في يوم ما حتى لو أنه لم يكن المسؤول المباشر عنها وكان المخطأ أحد أدوات النظام أو مؤسساته والواقع أكد ذلك أكثر من مرة.
أصبح من غير الممكن أن يتم التحكم في الإعلام بشكل مطلق ويزداد انفلات الإعلام كلما زاد التضييق عليها فالإعلام بالنسبة للدولة كالابن المراهق الذي لديه حب الفضول والاستطلاع دائم البحث عن الحرية فإن لم يجدها داخلها سيبحث عنها خارجها وهنا مكمن الخطر والنظام الراشد هو من يعي كيفية التعامل مع هذا الإبن والحفاظ عليه في داخل بيته يرشده ويغذيه دون أن يقمعه أو يتركه دون عقال.
الإعلام هو المؤشر الحقيقي على قياس المجتمع فهو الترمومتر الذي يؤشر لكافة الزوايا فيه فكلما ازدادت حرية الإعلام والرأي كلما كان هذا مؤشر على تقدم الدولة وانفتاح النظام على المجتمع وقدرته على التفاعل معه ومعالجة مشكلاته بشكل مستمر، الأمر الذي يحافظ على سلامة العلاقة بين المجتمع والنظام، كما أن التضييق على الإعلام ومحاولة إخفاء الحقائق لا يعني أبدا الحفاظ على النظام وإنما تأجيل الانفجار في وجه النظام وأنه أصبح من المستحيل عزل مجتمع ما عن وسائل الإعلام وإخفاء ما يدور فيه.
في الختام وبمناسبة يوم حرية الصحافة العالمي الهدف الذي نتمنى أن نصل إليه يوما ما، أتوجه بالتحية إلى كل الإعلاميين والإعلاميات وإلى شهداء الواجب المقدس في مهنة الإعلام ومعتقلين الرأي الذين عبدوا الطريق لمن سبقوهم بدمائهم أملا بأن نصل إلى اليوم الذي يصبح فيه الإعلامي يعامل بود من الجميع ممن تصله رسالة الإعلامي سواء له أو عليه وأن ينصر الإعلامي مجتمعه وحزبه وطائفته وثقافته وأيديولوجيته التي ينتمي إليها ليس ظالما أو مظلوما وإنما بقول الحق المدعم بالمنطق والانتماء للوطن والشعب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)