الجزائر

حروب الجمهورية الخلفية



يجب أن أقول إن تعريب الجمهورية لم يكن عملية سهلة. فقد بدأت بشكل صادم وقاس. حتى ولو أنها تمت بشكل تدريجي، من خلال تعريب الجريدة صفحة صفحة، وتعريب الصحفيين الذي لهم حد أدنى من اللغة العربية للكتابة بها، عند البعض، تم الأمر أولا بقبول القدر الجديد، وثانيا ببذل جهود كبيرة، ثم إعطاء المقالة لمدقق عربية في الجريدة لتفادي الأخطاء. الأبواب لم تكن مغلقة كليا. لكن كانت هناك حالات مستعصية متعلقة بلغة وثقافة الصحفي نفسه. وهذا الفريق، بعد جهود مضنية، انتهى به الأمر إلى شيء مؤلم، هو التقاعد. الكثير منهم عاش هذا العزل وهذا البتر اللغوي كمأساة. لم يستوعبوا العنف الذي مورس عليهم من فوق بقرار وزاري صادم، إذ كان يمكن الحفاظ على الجريدة وإنشاء جمهورية بالعربية مباشرة حفاظا على الخبرة والتاريخ. على الرغم من تفهم القرار الذي يندرج في أفق استعادة اللغة الوطنية، إلا أنه تم عيشه كمأساة بالنسبة للذين كانت اللغة الفرنسية في حياتهم التواصلية اليومية. لا يعيشونها فقط كلغة ولكن أيضا كنمط حياة. عاشوا وضعا مأساويا، بين البقاء في الجريدة ورفض التقاعد ورفض العربية لأنه أصلا لا يستطيع، بفعل السن والرغبة المحدودة، إن فعل الكثير. كان التعامل مع الصنف الأول جميلا وتعلمت منه الكثير لأن إمكانية التواصل كانت مضمونة والإرادات قوية على الرغم من أن الجميع كانوا يدركون أن الجريدة تمت تصفيتها بسبب جرأتها النقدية.، لكن الصنف الثالث كان صعبا. وما سأرويه كان مع هذه المجموعة التي كانت تعيش تجربة التعريب كمصيبة أصابتها في الصميم ودفعت بها إلى الخرص وتقبل حالة الموت المفروضة عليها. لم أكن أفهم ذلك وقتها، لكن مع الزمن واتساع المسافة الزمنية قدرت حجم المأساة. لم أكن معنيا لكني كنت شاهدا حيا على ما كان يحصل. كان الصيف قد بدأ، ومعه يبدأ الغليان. الأيام الأولى من انتقال الجريدة من العربية إلى الفرنسية. كان الوضع حادا.كنت دخلت إلى الجريدة وكنت صغيرا. بالضبط عمري 22 سنة ودخلت بالكاد مع بداية أوت في 23. كنت أدرس وأدرس في إحدى الإكماليات بوهران. وكان مُرحّبا بي. لكن منذ أن انتميت لجريدة الجمهورية تركت كل شيء. كأن عالمي الطبيعي هو ذاك بالضبط. كل يوم تقريبا أستلم المادة باكرا، التي كان علي ترجمتها وأنهمك في الطاولة الكبيرة وأبدأ في العمل. أعمل بلا هوادة. لم أكن في وضع من يختار ما يترجمه. اقتصاد. وطنيات. ثقافة. رياضة. بحسب الحاجة الملحة. وكنت أترجم. بعض الصحفيين المفرنسين الذين كانوا ذوي لغة معقولة يجلسون معي وأقرأ عليهم الترجمة فيوافقون أو يتدخلون قليلا وكنت أسعد إنسان. لكن أيضا يجب القول أنه كان هناك صحفيون كأنهم يحملون السماء بأيديهم لو يتركوها سنتهار علينا جميعا. بحكم تربيتي ونصيحة أمي: « كي الحالة ما تكونش مليحة، حط راسك واخدم.»، كنت أغمم رأسي و « أخدم «،. مهمتي كانت واضحة جدا. الترجمة. لم أكن كاتبا على الرغم من أني كنت قد كتبت قصصا كثيرة وكم اشتهيت نشرها. كان ذلك سيسعدني. ولكن كنت كمن أمامه طعام لذيذ يعزم غيره وهو لا حق له في الأكل. كنت أعرف حدودي. وأريد أن أفرض نفسي. الطفل الذي كان فيّ كان مصرا على التأقلم والنجاح. بدأ يعرف بعض الكلمات الخاصة بالمكان. Pugiste article, papier, reportage, terrain, cadrage, colone, rubrique وووو ،كنت غارقا في ترجمة المادة عندما دخل المعني بالأمر. سأل عمن يترجم مقالته. أشر رئيس التحرير. صوبي. وكنت سعيدا والمادة كانت ممتازة تتحدث عن انهيار المدينة ودخول التشويه العمراني الذي لا يشبه شيئا أبدا. نظر إليّ طويلا. طبعا لم أملأ عينيه. كنت طفلا بالنسبة له. سألني هل أنهيت الترجمة لكني كنت منهمكا في الكتابة ولم أسمعه. فجأة صرخ بعنف في قاعة التحرير: il ne manquait plus que ça. On ne me répond pas. Je me demande d'où est-ce que nous ramène ces zigotos d'. .
رديت بدون تردد لأني شعرت بالإهانة :. Mon nom c'est waciny et non pas Zigoto. .
قام رئيس التحرير المتعاطف معي: هو رجل طيب. حزين لأنه صحفي كبير وجد نفسه تابعا للآخرين. تخيل قليلا الوضعية. لم أعلق. خرجت. شربت قهوة. عندما عدت. وجدت في قاعة التحرير. عندما رآني. سلم عليّ. ثم انسحب نحو أقرب بار في المدينة. كان عالما لغويا صعبا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)