الجزائر

حرمان وفقر لسكان يتعذبون في صمت بالبويرة بلديات بودربالة وبوكرام وأمعالة وقرومة بالأخضرية



حرمان وفقر لسكان يتعذبون في صمت بالبويرة بلديات بودربالة وبوكرام وأمعالة وقرومة بالأخضرية
تلميذة اكتشفت الموز في المدرسة وأقبلت على أكله بقشوره
قد لا يتصور المرء وهو يعبر منطقة الأخضرية أن خلف تلك الجبال الغابية الواقعة في الجهة الغربية للطريق الوطني رقم 5 يعيش آلاف السكان في قرى وتجمعات سكنية موزعة على مجموعة من البلديات تفتقر إلى أبسط المرافق الضرورية للحياة، نتيجة الركود الذي عرفته خلال سنوات الدّم والدمار، أين ارتكبت مجازر في حق السكان العزل. يومها كان مجرد التفكير في زيارة تلك المناطق ضربا من الجنون ومجازفة عواقبها وخيمة، وبذلك ترك السكان الذين اختاروا الصمود والبقاء لوحدهم يواجهون مظاهر الفقر والتخلف، مما انعكس على طبيعة عيشهم اليوم.
0 تعتبر بلديات بودربالة وبوكرام وأمعالة وقرومة بمثابة قرى صغيرة التي تفتقر إلى بعض المرافق الحكومية التي إن وجدت فهي متباعدة، تشرف على العديد من المداشر والتجمعات السكنية التي تتوزع فوق الهضاب ووسط أدغال الغابات، موصولة فيما بينها بمسالك ترابية وعرة، مما يصعب من مهمة السلطات المحلية في تجسيد بعض المشاريع التنموية وإيصال المرافق الضرورية للسكان.
وتبقى بلدية بودربالة الأحسن وضعا من نظيراتها بالنظر إلى قربها من الطريق الوطني رقم 5, لكن معاناة سكانها لا تختلف عن درجة معاناة نظرائهم في البلديات المذكورة، فهي عبارة عن مرتفع جبلي به مجموعة من السكنات وصيدلية ومقهى وبعض الدكاكين، تليها سكنات مترابطة تنتهي عند قرية أولاد شلبي أين يوجد مبنى مقر البلدية والثانوية، وفي أعالي المنطقة توجد المتوسطة.
وفي الجانب الآخر يوجد مقر مجموعة الدرك الوطني حيث يستدعي التنقل بين هذه المقرات قطع مسافات طويلة.
تومليلين قرية معزولة تفتقر لأبسط المرافق
تعتبر قرية تومليلين الواقعة في أقصى غرب مقر البلدية المذكورة من أكثر التجمعات السكنية عزلة بسبب المسلك الترابي الضيق المؤدي إليها، والذي كثيرا ما ينقطع أثناء فصل الشتاء، مما يحول دون تنقل التلاميذ والعمال إلى مؤسساتهم، فضلا عن المتاعب التي يسببها هذا الوضع للسكان أثناء الحالات الاستعجالية أو نقل المواد الثقيلة كقارورات غاز البوتان وأكياس الدقيق.
وإذا كان هذا هو حال سكان معظم قرى بودربالة، فإن أحوال سكان بلدية بوكرام، أسوأ بكثير نتيجة بعد المسافة بينها وبين مدينة الأخضرية، وتباعد قراها التي تفتقر أساسا لوسائل النقل التي حتى ولو توفرت لا يمكنها الوصول إلى بعض القرى الواقعة في أعالي الجبال الغابية، مما يجعلها تفتقر أساسا لمسالك، وانعكس سلبا على حياة السكان، ولاسيما الأطفال، حيث علمنا من البعض أن هناك من سكان تلك القرى من ما زال يجهل وجود بعض الأجهزة والخدمات الحديثة كالحاسوب والأنترنيت، ومن الأطفال من لم يسبق له أن زار المدينة، مما انعكس سلبا على النمط المعيشي للسكان الذين يبدو أنهم لا يعرفون عن الحياة سوى متاعبها، وأوضاعهم لا تختلف كثيرا عن أوضاع سكان قرية القلعة الواقعة في بلدية أمعالة التي فاجأنا سكانها الذين تحدثنا إليهم بسؤال حينما قالوا لنا ''كيف عرفتم بوجود هذه القرية، التي كنا نعتقد أنها غير موجودة في خريطة الجزائر''. وحين سألناهم عن انشغالاتهم، رد علينا أحدهم بأسلوب متهكم ''أكتب بأننا لسنا في حاجة لأي شيء ما دمنا محرومين من كل شيء''. وبالفعل فقد اتضح لنا ونحن نتجول في هذه المنطقة أن كل مشاكل القرى النائية اجتمعت بهذه القرية المحرومة من كل مرافق العيش الكريم.
وإذا كان هذا هو حال بعض قرى البلديات المذكورة، فإن حال سكان بلدية قرومة أسوأ بكثير باعتبارها الأبعد عن مدينة الأخضرية، ومازالت تعاني من التخلف نتيجة صعوبة تجسيد المشاريع التنموية بسبب مسالكها الوعرة والوضع الأمني الذي لا يزال غير مستقر في بعض مناطقها المعزولة.
وأثناء تواجدنا في بلدية الزبربر التي تعاني من نفس المشاكل، لفت انتباهنا محتشد ''بسيبسة'' المحاذي لمسار الطريق الولائي رقم 39 والذي لا يفصله عن مدينة الأخضرية سوى 02 كيلومترا، حيث مازال سكانه يعيشون في بيوت متواضعة مهددة بالسقوط في أية لحظة.
وقد علما من سكانه بأن مصالح الحماية المدنية عاينت أكواخه خلال سنة 8891 وأوصت بإزالته، الأمر الذي لم ينفذ إلى يومنا هذا رغم الأضرار التي ألحقها بها الزلزال الذي ضرب ولاية بومرداس وما جاورها خلال سنة 3002.
السكان يشكون العطش رغم وجود ثاني أكبر سد في البلاد
لا يمكن أن تتنقل عبر هذه المناطق دون أن تصادف شاحنات أو جرارات صهاريج الماء وفي بعض المناطق تجد أشخاصا من مختلف الفئات وهم يحملون براميل الماء فوق الحمير والبغال، مما يوحي بأن المنطقة تعاني من أزمة حقيقية بسبب ندرة المياه الصالحة للشرب، وقد علمنا من سكان كل البلديات المذكورة بأن كافة المناطق تعاني من ندرة في هذه المادة الحيوية عدا بعض الآبار والينابيع الشحيحة التي يلجأ إليها السكان الذين كثيرا ما يعتمدون علي مياه الصهاريج التي تزودهم بها البلديات أو يقتنوها بأسعار تجاوزت 008 دينار للصهريج الواحد.
وبشأن هذا المشكل المزمن والمشترك بين كل سكان المنطقة الغربية لدائرة الأخضرية، يذكر رئيس بلدية بودربالة أن الوضعية هذه ضاعفت من متاعب البلديات التي تتحمل مسؤولية تزويد المؤسسات التعليمية وبعض المرافق العمومية وحتى السكان بالماء، وهو ما يستدعي توفير أكبر عدد ممكن من الشاحنات والصهاريج لسد الحاجة، وهو أمر مستحيل خاصة بالنسبة للبلديات الفقيرة، وأرجع ذات المسؤول سبب هذه الأزمة إلى ندرة المياه الجوفية، مضيفا بأن الولاية سطرت برنامجا لجلب المياه من سد كدية أسردون الواقع في بلدية امعالة، والذي يزود عدة ولايات من وسط البلاد والمشروع هو الآن قيد الدراسة.
وبشأن البرامج التنموية، يشهد السكان بأن معظم بلدياتهم استفادت خلال السنوات الأخيرة من عدة مشاريع كمراكز التكوين والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية وحتى مشروع تزويد بعض البلديات بالغاز الطبيعي الجاري إنجازه، غير أن كل ما تم تجسيده أو هو قيد الدراسة أو الإنجاز، يبقى غير كاف بالنظر إلى طبيعة المنطقة وتوزيع سكانها، بدليل أن المحلات التجارية لا تزال قليلة لذات السبب، فالأمر يستدعي إيصال تلك المرافق لكل القرى المشتتة والموزعة في أعالي الجبال ووسط الأدغال.
الأولياء يفضلون الدّاخليات لتجنيب أبنائهم عناء الطريق
رغم توفر بلديات المنطقة على المؤسسات التربوية بأطوارها الثلاثة غير أن التضاريس الصعبة وتباعد القرى، جعل الكثير من السكان يفضلون تسجيل أبنائهم في مؤسسات بعيدة عن مناطقهم حتى يستفيدوا من النظام الداخلي ويجنبوهم عناء المشي عدة كيلومترات للوصول إلى مدارس بلدياتهم، وقد حضرت ''الخبر'' عملية تدشين ثاني متوسطة في بلدية بوكرام، حيث رفض أولياء تلاميذ بعض المداشر تحويل أبنائهم المتمدرسين في متوسطات أولاد شلبي والأخضرية حتى يبقوا مستفيدين من النظام الداخلي، وذلك رغم وعود رئيس البلدية الذي التزم بتوفير وسائل النقل.
وفي هذا الشأن أكد لنا أحد الأولياء بأنه يكون مطمئنا أكثر حينما يترك ابنه داخل المؤسسة مدة أسبوع على أن يعتمد على وسائل النقل التي قد تغيب يوما ويترك ولده يعاني مخاطر الطريق وفيضان الوادي.
وإذا كان بعض السكان قد اهتدوا إلى هذا الحل بالنسبة لأبنائهم المتمدرسين في مؤسسات الطورين المتوسط والثانوي، التي توفر النظامين الداخلي ونصف الداخلي، فهم لم يجدوا حلا لتلاميذ التعليم الابتدائي سوى تعويدهم على المشي لمسافات طويلة، وهو المشهد الذي يتراء لكل عابر للمنطقة قبل فترة دخولهم أو بعد خروجهم من مدارسهم حين يصادف مجموعات من التلاميذ وهم يسيرون على حواف الطرق وعلى ظهورهم محافظ تفوق أوزانهم.
وقد علمنا من بعض السكان بأن الوضعية هذه دفعت ببعض الأولياء إلى حرمان أبنائهم وخاصة البنات من مواصلة الدراسة.
ورغم مشاكل النقل التي يعاني منها الكثير من تلاميذ المدرسة، فإن أجمل ما حدثنا به بعض المعلمين والأساتذة هو المستوى الجيد لهؤلاء، مما يدل على مثابرتهم وحبهم للتعلم، فتجسد عن طريق هؤلاء الصبية المثل القائل ''الأزمة تلد الهمّة''.
تلميذة تعرفت على فاكهة الموز في مطعم المدرسة
حالة العوز التي يعيشها سكان المرتفعات الغربية لدائرة الأخضرية، جعلت جل تلاميذ المدارس يستفيدون من المطاعم المدرسية حتى ولو كانت منازلهم قريبة من مؤسساتهم التعليمية، ولعل أغرب ما سمعناه هو ما ذكره لنا عامل بأحد تلك المطاعم بشأن حادثة وقعت له منذ سنوات، حين قدم إلى تلميذة فاكهة ''الموز'' فحاولت أن تتناولها بقشورها لعدم معرفتها لها.. حادثة كهذه تعكس درجة الفقر والعوز التي يعاني منها سكان هذه المناطق، فأغلبهم يعتمدون على بعض النشاطات الفلاحية الجبلية البسيطة كزراعة بعض الفواكه والخضر في مساحات ضيّقة، وآخرون لجأوا إلى إقامة مفرخات تقليدية لا تأتيهم بالشيء الوفير.
أما بشأن فرص التشغيل فهي لا تتعدى مناصب برامج تشغيل الشباب أو الشبكة الاجتماعية أو العمل مؤقتا لدى المقاولات المكلفة بإنجاز بعض المشاريع.
وفي ظل هذه المعاناة يواجه الشباب مشاكل أخرى قد تكون نتائجها خطيرة ناتجة عن الفراغ الممل الناتج عن غياب مرافق الراحة والترويح عن النفس كمساحات اللعب ومراكز التسلية، فالمناخ الحالي يجعلهم عرضة لكل أنواع الانحراف، ولعل ما حدث خلال السنوات الماضية خير دليل على ذلك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)