الجزائر

حتى لا نخطئ!



حتى لا نخطئ!
تحوّل عيد الثورة لدى البعض إلى مناسبة لمساءلة الاستقلال، ورغم أن حرّية الرأي تضمن لكلّ جزائري الإدلاء بدلوه في القضايا العامة، إلا أن بعض الأطروحات تبدو مجانبة للصواب وهي تحمّل الثورة مسؤولية ما تلاها، بل وتقترب من مقولات تمجّد الاستعمار.فالذين فجّروا الثورة والذين انخرطوا فيها وعاشوا ما صاحبها من ويلات لم تكن لهم أريحيّة من يتكئون اليوم على الأرائك ويصدرون الأحكام على الماضي المنقضي على بعد عقود وفراسخ.
هذا المعطى يستدعي الانتباه، لأن هناك أدبيات بدأت تنمو، وهناك وجوه باتت تطلّ دونما خجل، لتشيد بالوضعية الاستعمارية بحجة أن ثمار الاستقلال كانت أقلّ من توقعاتها، وتجد كتابا وإعلاميين بين هذه الوجوه، والأمر هنا لا يتعلّق بتخوين أو حجر على الأفكار، ولكن بإشارة إلى مرض يتطلّب العلاج، مرض التعلّق بالمعتدي و التماهي معه، وهو مرض معروف في كلاسيكيات الطب النفسي و علاجه معروف أيضا!
لأن احتمالات انتشار العدوى تكون أكبر حين تصيب نخبة فاعلة في المجتمع أو صاحبة نفوذ.
ولا نحتاج إلى براهين ونحن نرى ونسمع من يحوّل حادثة بسيطة إلى إخفاق عام و من يعتبر لغة تدريس الجزائريين مسؤولة عن التطرف الديني ويدافع عن عودة اللغة الفرنسية، والفرنسية دون سواها، فحتى الانجليزية التي هي لغة العالم أصبحت في رأي بعض منظرينا، لغة المعربين المتطرفين، ونحن هنا لسنا بصدد هجاء الفرنسية التي تبقى لغة كبقية لغات العالم، ولكن ضد معاملتها كلغة فوق العادة وتقديمها كلغة النور وتسفيه غيرها من اللغات، ونحن نرى ونسمع من يهجو الجزائر المستقلة لأن شبانا اصطفوا أمام معهد فرنسي، لأسباب تخصّهم أو لأهداف تخصّه.
و ينسى «فقهاء» الكلام الحقائق التي لا يمكن حجبها بالصمت ولا بالتقادم، ومن بينها ما ترويه مجاهدة في عدد اليوم من النصر، عما كان يقوم به عساكر «جمهورية النور»، لقد كانوا يغتصبون الجزائريات أمام أعين آبائهن وربما يكفي ذلك مثالا صادما ولا نحتاج أن نضيف عليه بأنهم كانوا يقتلون الجزائريين دون محاكمة، وكانوا يستأثرون بخيرات الأرض فيما كان جزائريون يأكلون الحشيش، وبالطبع فقد استفاد مستفيدون من الفتات والتعليم لأسباب معلومة سابقا ولاحقا.
أما شقّ الطرقات وبناء الجسور والعمارات فلم يكن بدافع الحب للجزائريين ولكن من أجل الأوروبيين الذين فاجأتهم الثورة وفيهم من لم يصدّق إلى اليوم أن الثورة قامت وأن الجزائر استقلت!
وممّا لاشك فيه أن بناء الدولة الوطنية عرف الكثير من الإخفاقات و التعثرات وحتى الانحرافات، لكن ذلك لن يكون مبرّرا لمساءلة الثورة أو الاستقلال، لأن الاستقلال ليس محطة للاستراحة ونيل الغنيمة، بل بداية لعمل طويل ومتواصل يتطلّبه العيش ولنضال واجتهاد يقتضيه بناء الدوّل، ويتحمّل كلّ مخفق مسؤولية إخفاقه وكلّ مقصّر مسؤولية تقصيره وكلّ منحرف عواقب انحرافه. ولن يفيد التعميم ولا جلد الذات، في كلّ مناسبة وطنية.
فكل جيل مطالب بغرس تجنيه الأجيال اللاحقة و لو أخضعنا ما قدّمته الأجيال للتقييم لوقفنا على تقصير اللاحقين وليس السابقين، لذلك وجب على الأجيال الجديدة أن تصنع «ثورتها» بالعمل والاجتهاد والنضال من أجل تحقيق الرفاهية والعيش الكريم وتجسيد ديمقراطية حقيقية تجنّب الأمة جراحا هي في غنى عنها لأنها جُرحت بما يكفي لتتعلّم تجنّب الجراح.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)