الجزائر

حتى البطاطا قاطعتنا


في غمرة هاجس المقاطعة الذي تتوجس منه السلطات العمومية في شكل سيناريو عزوف جماعي عن المشاركة في استحقاقات العاشر ماي المقبل، قاطعت ودون سابق إنذار، البطاطا السواد الأعظم من الجزائريين، وتحولت من سيدة مائدة الطبقة العريضة من المستهلكين، المشكّلين في مجملهم من الموظفين، والغلابى، والمساكين، إلى ضيف عزيز، يشق اقتناؤه في الأسواق بسبب السقف الجنوني الذي عرفه سعرها مؤخرا، لتلتحق بذلك بقائمة طويلة من المواد الاستهلاكية، أصبحت حكرا على ثلة من المواطنين المحظوظين، يُمتّع الناس نظرهم بمشاهدتها في نقاط البيع وأماكن التسوق، لكنها لا تدخل بيوتهم، وكأنها زوجات طُلقن طلاقا بائنا.
والغريب في الأمر، أن زمرة المسؤولين الذين يتولون أمورنا ويرعون مصالحنا، لم يحركوا ساكنا إزاء ما يجري هذه الأيام، بل الأدهى والأمر أنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد تزويدنا بتفسيرات أو تطمينات قد تُشفي غليلنا، أو تقلص من مخاوفنا، رغم أن الأمر يتعلق بمادة أساسية تتقوت منها الأغلبية الساحقة من المواطنين، تاركة الأمر لأباطرة السوق، ومافيا غرف التبريد التي موّلتها السلطات من مال الخزينة العمومية، يُجوّعون الشعب، ويحرمونه، بضغط الغلاء الفاحش الذي افتعلوه، من غلاّت فلاحية، كانت إلى وقت قريب في متناوله.
وما يحزّ في النفس، هو أننا نملك من الأراضي الخصبة والإمكانيات المادية وحتى الطبيعية، ما يسمح لنا بسدّ احتياجات قارة بأكملها من مادة البطاطا وغيرها من المواد الأخرى، وليس سكان بلد تعداده لا يتجاوز 53 مليون نسمة. ومن يبغي الحجة على هذا الكلام، عليه أن يستشهد بما يحدث في بلد مثل اليابان الذي تُعد ثلاثة أرباع مساحته من الجبال، والأوتاد صعبة الاستغلال، يتعرض باستمرار لهزات أرضية، وأمواج التسونامي، وتأثيرات الرياح الموسمية ومع كل هذا وغيره، يحتل المرتبة السابعة عالميا في إنتاج القمح والشعير والشاي، والمرتبة الحادية عشرة عالميا في إنتاج الخضر والفواكه والحوامض التي يزرعون جانبا كبيرا منها فوق ناطحات السحاب على بعد عشرات الأمتار من الأرض.
وتسجل مُعضلة البطاطا التي نعيشها اليوم، في الوقت الذي زفّ لنا وزير الفلاحة والتنمية الريفية، قبل حوالي خمسة أشهر فقط، بشائر إنتاج 7,3 مليون طن من هذه المادة خلال سنة 1102، مقابل 2,3 مليون طن تم إنتاجها سنة 0102، مع توقعات بوصول الإنتاج إلى سقف أربعة ملايين طن في غضون سنة 4102، الأمر الذي يدعونا إلى طرح تساؤلات بسيطة مفادها، أين ذهبت كل هذه الكميات من البطاطا التي نجح الفلاحون في إنتاجها؟ ومن يتحمّل مسؤولية حرمان المواطنين منها رغم وفرتها؟
إن حل مشاكل البلاد ينطلق من التصدي للانشغالات الأساسية لأبسط مواطن في الجمهورية، وانفراج أزمة البطاطا لن يتأتى إلا إذا أحسّ الوزير والوالي والجنرال والنائب والسيناتور وكبار المسؤولين بمرارة دفع مائة دج من جيوبهم، نظير شراء كيلوغرام واحد من البطاطا بعد أن كان سعرها قبل أيام قليلة في حدود 03 دج فقط.

derkimed@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)