الجزائر

جوائز الرواية العربية، رقابة أم إشكالية ثقافية؟



جوائز الرواية العربية، رقابة أم إشكالية ثقافية؟
ملمات الساحة الثقافية العربية كثيرة ومتعددة، وهي تتمحور وتنقسم، أيضا، بين مد الجديد المقتحم والمهدد بالتقويض، وبين جزر الانكفاء والتقولب والتمسك بالماضي، تحت ضغط وهم الانجراف والانسلاخ وفقدان خصوصية الهوية.بقلم سامي البدريوبالرغم من جميع مظاهر الازدحام الثقافي الذي تشهده الساحة الثقافية المؤسساتية العربية، جوائز ومسابقات ومعارض كتب، إلا أن الثقافة العربية وساحات تمظهرها، مازالت تعيش الإشكالية الثقافية ذاتها: التقوقع والخوف والنظر بعين الريبة للجديد والتحكم بما هو مسموح منها وتحديد هويته الأيديولوجية بالذات، عن طريق الجوائز والمسابقات بالذات، بعد أن صارت الشبكة العنكبوتية قادرة على كسر حصار معارض الكتب الحكومية.المتتبع للمسابقات والجوائز الثقافية، والمحلل لنتائجها وتقييمات لجانها التحكيمية، يؤشر أن ثمة إشكالية ثقافية مازالت أغلب البلاد العربية تعيشها وتصر على التمسك بها كضوابط أخلاقية وقيمية، وهي في الواقع ليست سوى مخاوف سياسية وهواجس أيديولوجية تفرض كقيود وكوابح على عقول وعواطف الشعوب، وكعوامل قهر وتدجين وتسطيح ثقافي على تطلعات وتوجهات المثقفين والمفكرين المتمردين على قماط حاضنة المؤسسات وضوابطها التي لا تمت بصلة للثقافة. . . بل تعمل ضدها تماما، بحجة حماية المجتمع وبناه القيمية والأخلاقية من الانحراف.فهل المثقف العربي هو عامل هدم وانحراف فعلا؟ وبالتالي، وانسجاما مع (حمى) الجوائز والمسابقات التي خصصت للرواية العربية، خلال العقد الأخير، صار من حقنا أن نتساءل: هل الروائي العربي هو عامل هدم للبنى القيمية والأخلاقية، بصفته المقترح الأول لنظم القيم والسلوكيات التي تواكب وتنسجم مع روح العصر؟ والسؤال الأخطر هنا هو: لم لا تحاسب الفضائيات بنفس الحرص وبنفس الشدة، وهي تمارس عمليات الهدم والتسطيح الثقافي، الأشد مضاء، وخاصة انها تدخل كل بيت وفي كل وقت وتستبيح عقول وثقافة كافة الفئات العمرية، بما فيها الأطفال؛ في حين أن الرواية لا تتداولها إلا فئات محددة وعلى أضيق نطاق اجتماعي؟إنها إشكالية العقل العربي قبل ثقافته، في تقبل الأفكار ومقترحاتها الجديدة، لأن الرواية تنتجها، في الأغلب، عقول وتفكير شخصيات متمردة أو رافضة وتقاوم الخضوع والتدجين، إضافة إلى أنها لها القدرة على اقتراح البديل الثقافي والحضاري الحدائوي. . وعليه ارتأت الحلقة (المؤسساتية العربية) احتواء هذا (التهديد المشاغب) عن طريق المسابقات والجوائز المغرية، وتحت الشعار غير المعلن: من يريد أن يتنعم بمكافئات جوائزنا السخية فليكتب ما نريد وتريد توجهاتنا الإيديولوجية!. . ومن لا يخضع لهذا ستقبع رواياته في أدراج مكتبه. . . ومن يستطيع نشرها على نفقته الخاصة فليتذكر إننا سنحرمها من العرض في معارض كتبنا الفخمة!ولعل أغلبنا مازال يعيش حسرة وأسف نتائج جائزة البوكر العربية لعام 2014، والتي لم تكتفي بعدم ارتقائها لمستوى عقل الروائي والمثقف العربي وحسب، بل إنها عمدت إلى تكريس ما أشرنا إليه، وأضافت إليه محنة السخرية من العقل العربي وامتهان لغته، حيث إنها عمدت إلى منح جوائزها إلى النصوص، التي لم تكتفي الكتابة باللغة العامية ولهجاتها التي تمسخ هيبة اللغة، وإنما تجاوز أصحابها هذا إلى التفكير وصياغة أفكارهم بها وبمدلولاتها وإشاراتها الساذجة والمكرسة للجهل والتسطيح الثقافي، في حين أن ثمة أكثر من مؤسسة، في دولة البوكر العربية، ممن تنادي بالمحافظة على رونق اللغة العربية وصيانة حرمتها من التلوث باللهجات العامية المهددة لسلامة العربية السليمة.ولكن هل فعلا تمتلك الرواية العربية، أو اقتربت من موقع التهديد (الثقافي الإيديولوجي) الذي تراه فيها المؤسسة العربية؟ وهل امتلكت أدوات النضج الفني والفكري الذي تحسبه لها المؤسسة العربية؟الحقيقة أن ما بلغ هذه المرحلة هو قلة قليلة من الروائيين، والمستبعدين والمهمشين أساسا من قبل (المؤسسة) العربية، بسبب مواقفهم السياسية المعلنة، قبل مواقفهم الفكرية ورؤاهم الفلسفية المبثوثة في رواياتهم، وبهذا تكون الرواية العربية، خارج حدود دائرة تلك الأسماء الضيقة، مازالت في مرحلة الحبو وتلمس الخطوات، ولكن، ومع ذلك، تصر المؤسسة العربية المرعوبة من الأفكار الجديدة، على ممارسة مبدأ (اقطع عرق وسيّح دم وذبح القطة في ليلة الدخلة) منعا للعقل الروائي العربي من أن يرفع رأسه، قليلا عن مستوى طاولة شيكات الجوائز، وأن يعلن رأيا مناقضا لرأي المؤسسة الأيديولوجي والسياسي، وبما يسمح للمواطن العربي بالحلم في وضع بديل لوضع قهره الفكري والسياسي والاجتماعي. . . وهو الحلم الذي تتفرد الرواية وحدها، من بين الأجناس الأدبية، بخلقه وتحويله إلى مادة فاعلة في العقول. . . وعقول شريحة الشباب، أناثا وذكورا، على وجه الخصوص.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)