هدف المقال هو قراءة مؤلف غاية في الحداثة والعطاء، في محاولة للكشف عن جهود المنظر لاستيفاء آراء بناءة بهدف تأسيس نظرية موجهة في القراءة. وذلك في خضم الدراسات والبحوث المعمقة في هذا الميدان. حيث بحث بشكل وافر على أهم الأسس والمبادئ، التي يمكن أن تحكم أي نظرية لقراءة النص الأدبي. كما عرض أهم الطرق والأساليب الحديثة في التعامل مع المعطى اللغوي.
ولعل المتأمل متن كتاب " نظرية القراءة، تأسيس للنظرية العامة للقراءة الأدبية " لصاحبه الأستاذ الدكتور عبد الملك مرتاض، أو من خلال عنونته، سيدرك منذ الوهلة الأولى، أن الإشكالية المطروقة لا تتعدى كونها تساؤلات، طرحها الناقد حول إمكانية تأسيس نظرية للقراءة، في خضم المناهج النقدية الحديثة التي باتت تفرض أطراً معينة للدراسة. ومن أجل تكريس مبدأ التعدد في الآراء، وخصوبة العطاء دونما فرض أي سمت للدراسة والتحليل، عمد الباحث في كتابه إلى طرح عدد من المبادئ والأنظمة، التي من شأنها أن تفتح المجال واسعاً لتحليل واستنطاق النص.
أولا: في تأسيس النظرية العامة للقراءة
-1 ماهية القراءة:
إن المنتوج الأدبي يقتضي اختراق بنياته السردية، للولوج إلى عالمه الداخلي، ولا يكون ذلك إلاّ من خلال قراءة واعية ومسؤولة لا تكتفي بالمفهوم السطحي، وإنما تستشف أغوار النص، ومن ثمة، ما هي القراءة؟ وما وظيفتها في الحقل الأدبي؟
لقد أجمع المعجميون العرب على أن تركيب [قرأ] يعني في أصل الاشتقاق، الجمع والإضمام1، والقراءة أحد المصادر الثلاثة لفعل [قرأ]: القرء والقراءة والقرآن. وسمي قرآنا لأنه جمع القصص والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض، والقراءة في التقليد الأدبي المعاصر مفهوم جامع لكل الأنشطة الإبداعية والفكرية، وهي تمارس على كل ما هو إبداع وتتمخض عن كل ما هو جميل. وقد توسع هذا المفهوم ليشمل كل قراءة من حول ما تنتجه القرائح، مثل القراءة التي ينتجها أو يقرأها إعلامي ما تعليقاً على خطاب سياسي. كأن مفهوم القراءة هنا ينزل من القمة إلى الأسفل، أي من مستوى الخيال الخلاّق والإبداع المعطاء، إلى كلام كثيراً ما يتدنى إلى السوقية والابتذال، لذلك نجد أن القراءة تنزلق إلى مصطلح التعليق، والتعليق شيء يندس بين الجسد وروحه، أي بين اللفظ ومعناه، بين الدال ومدلوله، بين الشكل ومضمونه. ويتدرج مفهوم القراءة إلى أن نعني به الكتابة نفسها، لأنني حين أكتب فإنما أنا في الحقيقة أقرأ ما في نفسي. فكأن القراءة أم الكتابة، أو كأن القراءة مقدمة والكتابة نتيجة لها. أو كأن القراءة أصل والكتابة فرع منها. والأجدر بنا في هذا المقام أن نتساءل عن ماذا نقرأ في النص الأدبي؟ وكيف نهتدي إلى ما هو كامن فيه من جمال إبداع وحسن تركيب، ما يجعل القارئ ينجذب لنص ما، فينكب عليه آملاً الغوص في مضامينه. وفي هذا المقام يرى رومان ياكبسون2 أن ما يجب أن يراعى في أي نص أدبي هي أدبيته. لكن المشكل يبقى مطروحاً باعتبار أن ماهية الأدبية تبقى مجهولة، إذ قد تعني البصمة الجمالية الفنية، وقد تكون دمامة النص ذاتها في محاولة الخروج عن المألوف وقواعد الجمال الفني التقليدي للنص.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/10/2022
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - إبراهيم عبد النور
المصدر : قراءات Volume 2, Numéro 1, Pages 49-64 2010-05-02