الجزائر - A la une


كان بذهني أن أكتب عن ذكرى اغتيال بختي بن عودة التي عادت بقسوة للمرة العشرين، كما يفعل الجميع في مثل هذه المناسبات الصحبة. متأكد من أن الكثيرين سيكتبون عن هذا اليوم الذكرى وعن هذه الفجيعة. لكني سأكتب عن اغتيال آخر، أثر سلبا في النهاية على الجمهورية لأنه أدخلها في دوامة حقيقية، بدون دراية منه؟، كان بختي بن عودة وراء هزة عنيفة في المشهد الثقافي في وهران. لا أعتقد أنه قصد ذلك ولكن النتيجة انتهت إلى وضعية شديدة القسوة. التقيت به قبل أيام من حادثة الجمهورية، في العاصمة. دعوته إلى لابراس المواجهة للجامعة. سألته عن نشاطه وعن وهران وعن حركتها الثقافية. كان في مهمة مع مجلة الجاحظية، التبيين. من خلال النقاش أثار قضية نقدية شديدة الأهمية لم أكن لأهتم بها لولا ملاحظته، التي تحولت لاحقا إلى قضية تحمل اسما محددا " قضية بوجدرة- بنيس" ، وبدأ يستعرض بعض المعلومات التي اكتشفها وجمعها حول الموضوع. ملاحظتي الوحيدة التي أبديتها لبختي يومها هي أن يؤسس ردة فعله الثقافية ويبنيها على مرجعيات واضحة ودقيقة لأن المسألة خطيرة ويمكن أن تتحول إلى موضوع قضائي. وأن يبقي جهده في المجال النقدي بما بخدم جهده. للأسف سارت القضية على غير مسارها المفترض. فقد تحولت إلى قنبلة وضعت على صفحات الجمهورية الناشئة، الباحثة عن قرائها الذين كانوا يتشكلون شيئا فشيئا. كان الخلاف يومها بين الصديقين عمار و وطار من جهة وبوجدرة من جهة ثانية، قد وصل إلى سقفه. وتجلى ذلك أثناء انعقاد مؤتمر الرواية المغاربية بقسم الاجتماع بجامعة وهران. حضر وطار هذا اللقاء كضيف، فعرض عليه الباحث الاجتماعي عمار بلحسن المقالة التي تلقاها من الكاتب الشاب والمتحمس بختي بن عودة. اطلع وطار على ملف " بوجدرة- محمد بنيس" ، وكتابه سؤال الحداثة الذي يبدو أنه شكل مرجعا كتابيا لمقالات بوجدرة التي كان ينشرها في جريدة المساء، التي كنت أكتب فيها مادة ثابتة كل يوم خميس تحت عنوان" محاورات اليوم الأخير" ، يقول الطاهر أنه عندما عرض عليه عمار مقالة بختي بن عودة، قرأها بانتباه، وهي مقالة نقدية موثقة، ونصح عمار بنشرها وتحويلها إلى ملف. فهي مساهمة نقدية مهمة. ونشرها عمار وحمزة الزاوي، المشرفان على ملحق الجمهورية الفكري. كانت المقالة واضحة. فيها اتهامات خطيرة لبوجدرة بالاستفادة من كتاب بنيس: سؤال الحداثة، المشكل ليس في المقالة على الرغم مما حملته من تصورات نقدية، ولكن في المقدمة أو chapeau التي كتبها لها عمار الذي يؤكد بصرامة، وبدون أي شك، على ثبوت السرقة الأدبية على الرغم من أن الأمر كان يحتاج إلى بعض التدقيق والتروي. مما أدى إلى انزلاقات خطيرة وتبعات استمرت تنخر الواقع الثقافي زمنا طويلا.أعتقد أن مقالة بختي بن عودة لو نشرت بلا شابو لظل الأمر في دائرة ما هو علمي وثقافي وحيادي، وما على المعني بالأمر إلا الدفاع عن نفسه ويثبت بأنه لم يسرق. وقامت القيامة وتحول بختي بن عودة الذي لم يكن يريد ذلك إلى ضحية لكل الأطراف. لم يكن يريد أن تتحول مقالته إلى وسيله لتصفية خلافات قديمة بين جيل كان بعيدا كل البعد عنه. بينما جهده كان نقديا بالدرجة الأولى. كان حزينا وهو يفضي لي بما كان في قلبه في لقاء في العاصمة : والله يا خويا واسيني، داروها بي. كنت أريده أن يظل مقالا عاديا وأنشره في مجلة مختصة. لا خلاف بيني وبين رشيد. روائي كبير ومعروف، لكن أمرا مثل الذي رويته أثارني جدا واستغربته. اكتشفت شيئا خطيرا تمنيته أن يتحول إلى مادة نقاشية وليس لتصفية حسابات لم أكن معنيا بها. حلمت بسجال ثقافي كم كنا نفتقده، في وضع لغوي شديدة القسوة. فجأة تحولت الجمهورية إلى مساحة لحرب تقاسمها طرفان. مناصرو بوجدرة الذين رأوا مبالغة في الحدث وتضخيما له، بل وانتقاما منه لأنه ترك الفرنسية واختار اللغة العربية للكتابة وهو في عز شهرته. بوجدرة لم يكن في حاجة إلى شهرة ليسرق من بنيس كتابه أو أجزاء منه وينسبها له. وجماعة ثانية تزعمها المرحومان وطار وعمار بسبب خلافاتهما مع بوجدرة. هذا ما ارتكز عليه المدافعون عن بوجدرة. أخرجت المسألة عن مدارها الثقافي وتحولت إلى حرب ضروس بين المتهمين والمضادين لدرجة أن تجاوزت الحدود، اشترك فيها محمد بنيس نفسه وأدونيس وغيرهما. واستمرت طويلا لدرجة أن الجو الثقافي داخل النخبة المعربة أصبح مثيرا للشفقة وأبان عن مستوى بائس لتناول قضية أرادها مكتشفها، بختي بن عودة، أن تظل في دائرة النقد الأدبي وأن لا تخرج عنه. لكنها للأسف خرجت عنه وتحولت إلى موضوعة سجالية تم فيها اغتيال جهد .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)