يقول الحكماء إن الفشل يصنع النجاح، وإن عدد العثرات التي توقعنا أرضا، هي تلك التي تصنع قوتنا. وكما للنجاح أسباب، فالفشل أيضا له أسباب، علينا أن نعود إليها ونقف عندها بتأمل، هكذا يقول الحكماء.. في الجزائر لا توجد أسباب للفشل، لا داعي لتتحدث عنها، فلا أحد يعود إلى مصدر فشله، لكن عندنا فلسفة أخرى رائدة، بل اختراع جزائري بامتياز، هي ''تبرير الفشل''، فالجزائر البلد الوحيد ربما الذي يمكنه أن يفتح مدرسة راقية وبكل اعتزاز ويطلق عليها مدرسة ''تبرير الفشل''، ويمكنه حتى أن يصدّر الخبرة العلمية في هذا المجال ويؤلف آلاف الكتب حول الفشل وكيفية تبريره وتسويقه وتدعيمه وتكريسه ليصبح تقليدا.
تبرير الفشل فن لا يتقنه إلا الجزائريون، في السياسة والاقتصاد والتربية وحتى في الرياضة، وكلما زاد عدد المرات التي نفشل فيها نكتسب الخبرة، ليس طبعا في طريقة مواجهة الإخفاقات، لكن الخبرة في تبرير فشلنا. ولا يهم إن كان التبرير منطقيا ولا حتى عقلانيا ولا حتى مقبولا، فالمسؤول الجزائري في كل المجالات قادر على إقناعك بكل الخرافات، كأن يقول إن المطر هو سبب تدهور أرضية 5 جويلية وإن الإخفاق في جنوب إفريقيا كان بسبب عدم ذهاب المناصرين، ولو حتى لعب ''ميسي'' مع الفريق الجزائري لن يسجل لأن الحكم ضدنا، وأن المدرسة الجزائرية فاشلة لأن برامج بن بوزيد مكتوبة ب''الشنوية''.. نعم في الجزائر يمكن أن يبرر الفشل بكل الطرق و''اخبط راسك'' أيها الشعب، فأنت غاشي عند السياسيين، ولست مدربا عند الرياضيين، ولست اختصاصيا عند الاقتصاديين، أنت لا شيء أيها الشعب، لذلك لا أحد يمكنه أن يعود ويتحدث عن الأسباب العميقة للفشل ولا عن المسؤول الأول عنه، ولا عن كيفية مواجهة عدد المرات المتتالية للفشل.. الفشل يا جماعة أصبح في الجزائر الثابت الوطني الرابع في الدستور بعد الإسلام واللغة والعلم الوطني، لأن للفشل حصانة برلمانية وسياسية وأخلاقية وتاريخية، فالفاشل في الجزائر يجازى على فشله ويرقى، وقد يعاد انتخابه وتزكيته عشرات المرّات، ولا يمكنك أبدا محاسبته أو فتح النقاش حول إخفاقاته أو المطالبة برحيله، لأن للفشل في الجزائر أَيادي وأرجل وأموالا وسلطة ونفوذا..
عند مجيء المدرب البوسني حاليلوزيتش إلى الجزائر وعد بالوصول إلى نصف نهائي كأس إفريقيا والتأهل إلى كأس العالم، وحقق الرجل نجاحات كثيرة وأهّل الفريق بلا انهزام والجميع صفق لهذا الإنجاز.. الأكيد أن الرجل مهما قيل فيه كان صادقا، لكن مع الوقت بدأت نبرة المدرب تتغير، ليس لأنه تراجع عن قناعاته، لكن من عاشر قوما أربعين يوما أصبح منهم، فقد بدأ ينضم إلى مدرسة الفشل وبدأت المشاكل تنخر المنتخب من كل جانب، والعراقيل تواجهه في كل اتجاه، وربما حدّث حاليلوزيتش نفسه حينها ''لن أكون جزائريا أكثر من الجزائريين''، فحتى طريقة تحضير النخبة الوطنية لم ترق إلى المستوى المطلوب، لم أسمع أنه واجه فريقا كبيرا للتحضير لجنوب إفريقيا. يتذكر الجميع أنه في سنوات الثمانينيات، حيث عاشت الجزائر أزمة مالية، لعب المنتخب الجزائري مع أكبر الفرق وما أدراك ب''جوفنتوس'' في ذلك الوقت، فلم يفشل حاليلوزيتش بل الجزائر..
وبدلا من تحضير النخبة الوطنية جيدا، تم تحضير لائحة المبررات، بل ومن يقوم بتسويقها على المستوى التقني والإعلامي، حتى أصبحت أتساءل في إحدى الحصص التلفزيونية، هل المتحدث مجرد معلق كرة قدم أو لاعب دولي أو عضو في اتحاد الكرة أو ماذا؟ هناك أناس مهمتهم تبرير الفشل في كل المناسبات لا أعلم فقط هل يتقاضون على هذه المهنة الرخيصة وكم يا ترى؟..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/01/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مسعودة بوطلعة
المصدر : www.elkhabar.com