هكذا يبدأُ الشّجَنُ المُرّ:
ينكَسِرُ الغَيْمُ فوقَ مراكِبنا
مثلَ جِذْعٍ قَديمٍ على حَجَرٍ،
تَسْرِقُ الرّيحُ ماءَ عُصارتِها
يَتَبَخَّرُ وهمٌ تَمادى بألوانِهِ
والأَسى ظَمَأٌ يَتَطايرُ كالورقِ المُتعَطّنِ
والمدنُ الأريَحيّة ترمي خَلاخيلَها في الغياهِبِ
فَيْروزَها...
هكذا وَرَقُ الجَمْرِ يَنْداحُ
يملأُ غُربَتَنا
يرسمُ الظّمأ الحُزنُ أَقْواسَهُ
يهبطُ اللّيلُ في الثّلْجِ
يَسّاقطُ الثّمرُ الغَضّ من شَجَرِ الضوءِ
تَهْوي مواسِمُنا العَبَثيّةُ
أعراسُنا الورَقيةُ
( تلك التي أورَثتنا المدى جمرةً
تَتَسعّرُ في عطرِ أيّامنا )
أتذكّرُ..
كُنّا وَحيديْنِ, كُنّا وَحيديْنِ,
نعشقُ أُغنيةً في أعالي الجبالِ,
ونرسمُ أفراحَنا قمراً
وجزائرَ نَخْلٍ على حُلُمٍ هاجعٍ في المساءِ
وَحيديْنِ كُنّا كيومِ الإجازةِ
نكتبُ عن وردةٍ تَتَسلّقُ
نافذةَ الشّمسِ,
عن عاشقين يُؤرّقُهُمْ صَمتُهمْ
ويُعذّبُهم بَوْحُهُم
في ظلالِ الحدائقِ،
عن بَرقِ عَيْنينِ صافيَتَينِ,
تجودُ به امرأةٌ في الطّريقِ
وتمضي
وَحيديْنِ كُنّا على ضفّةِ النّهرِ
( والنّهرُ يَسْكُنُ فينا )
نُخاطِبُ عُصفورةَ الماءِ
نجتثّ جِذْرَ الكآبةِ
حنّاؤنا المَطَرُ المُتهجّدُ في صفحةِ الكَوْنِ
والشّعرُ فَيءُ أرائكِنا
أيّ موتٍ يُطاردُنا فجأةً ؟
أيّ موتٍ سيدخلُ فينا دَماً
وَشرانقَ مَسمومةً ؟
هكذا يبدأُ الشّجَنُ المرّ يا صاحِبي
يُشعلُ الموتُ مصباحَهُ المُتَجهّمَ,
يَسْقي حشَائشَ صَحرائِنا
ثُمّ يَخْطُفنا فجأةً من خَلايا الشّجَرِ.
وَحيديْنِ كُنّا
وَحيدينِ ها نحنُ يا صاحبي
مثلَ جذعٍ قديمٍ على حَجَر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 24/12/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الناصر صالح
المصدر : www.eldjoumhouria.dz