الجزائر

جبال "الأسكرام" تنعش السياحة الجزائرية تمنراست تاريخ وحضارة



جبال
الحديث عن مدينة تمنراست يرتبط لدى الكثيرين بتاريخ العصور القديمة، صور الرجال الزرق، فلكلور الطوارق، حكايا الملكة تينهينان، وتلك الرحلات السياحية الخيالية في مواسم آخر السنة، حيث تتحول المدينة وصحاريها إلى قبلة السياح من مختلف بقاع العالم· والواقع أن تمنراست تتوفر على معالم طبيعية أهلتها عن جدارة لأن تكون مدينة سياحية من الطراز الأول، حتى في ظل غياب الحد الأدنى من المرافق السياحية المتعارف عليها في السياحة الحديثة عبر العالم، ولعل هنا يكمن سر إقبال الهاربين من المدينة الحديثة بكل عمرانها وتقنياتها وتكنولوجياتها،
حيث يجدون في مساحات صحاري تمنراست الشاسعة بدايات الخلق والعودة لأصول الإنسان الأولى، فمن يجد نفسه محاطا بالصحراء على مد النظر لا بد من أن يغير من نظرته للأشياء ولو للحظة، كيف لا وأنت تكتشف أنك تحت رحمة الطبيعة مهما بلغت درجة تجهيزك التكنولوجي، فلا الحواسيب ولا الهواتف وحتى السيارات الرباعية الدفع تجدي نفعا ما لم يكن إلى جانبك مرشد من المنطقة يفقه لغة الصحراء ويتوارثها أبا عن جد.
مكان السكينة والهدوء
هي الصحراء التي تبعث في النفس السكينة والهدوء وروح التأمل، ولا عجب في أن تكون صحاري ولاية تمنراست على مرّ العصور مكانا محببا من طرف الزهاد من مختلف الأديان، إلى يومنا هذا تجد من ضمن وفود السياح الراغبين في التوغل في عمق الصحاري أفواجا من مختلف دور العبادة المسيحية من مختلف القارات، يسمونها الخلوة· يقضون ما يقارب العشرة أيام زاهدين في الصحراء، حيث يقل طعامهم وشرابهم إلا بالقدر الذي يحفظ لهم الحياة· مهمتهم الوحيدة التعبد والتفكر في شؤون الخلق· تماما مثلما كان يقوم به الأب فوكو، المتعبد المسيحي، الذي ترك دياره الفرنسية ليختلي بنفسه في صحاري الجزائر طلبا في العزلة والتأمل، فكان له ذلك، هذا الأب، الذي تحوّل مسكنه بمدينة تمنراست لمقام وجب زيارته لكل السياح.
موقع نموذجي للسياحة بدون مرافق في المستوى
الجدير بالذكر أن تمنراست المدينة لا تقدم لسياحها الفرجة الكبيرة التي من شأنها الإبقاء على السائح بها، فعدا متحف الحظيرة الوطنية للأهڤار، الذي لا يكاد يأخذ من وقت السائح أكثر من ربع ساعة ومقام الأب فوكو وسوق الأسيهار، لا تتوفر المدينة على شيء يذكر والجدير بلفت انتباه أي زائر، فحالها حال كل المدن الداخلية التي تصارع في سبيل الحياة اليومية، بنايات عمومية ذات هندسة محافظة على الإرث المعماري للمنطقة بشكل من الأشكال، إن افترضنا أن هناك تراثا معماريا مميزا، على اعتبار أن أهل المنطقة من الرحل ممن يتخذون الخيم مسكنا لهم· وقد يتأكد الأمر مع هندسة الأحياء السكنية، سيما الشعبية منها، حيث لا تحددها أي ميزة عمرانية عدا كون العمران في تمنراست بعيد عن العلو وعادة ما يكون التوسع أفقيا، وإن كانت صهاريج الماء المثبة أكثر ما يميز مساكن تمنراست، صهاريج تشير لأزمة الماء الحادة التي تعرفها الولاية، في انتظار الحل الموعود مع مشروع استقدام الماء من عين صالح.
صحاري الأسكرام .. قلب تمنراست
الأسكريم بجباله الفريدة في تركيبها والبديعة في جمالها تظل قبلة السياح، فلا يكاد أي فوج سياحي يقضي يومه في مدينة تمنراست، إلا وغادرها في اليوم التالي متوجها للأسكريم وصحاريه، حيث دلائل بدايات البشرية، كتابات، منحوتات، نقوش وغيرها من الدلائل على وجود حياة، برع سكان الأهڤار في أقلمتها مع طبيعة قفار الصحراء، بل أكثر من ذلك، لم يكتفوا بالتأقلم إنما تفننوا في ابتكار حياة متكاملة حق نعتها بالحضارة· لم يتبق اليوم من حضارة الطوارڤ، أو الإيموهار، التسمية التي يحبذها سكان المنطقة الأصليون، سوى الفلكلور والعادات والتقاليد الراسخة يتناقلها الأهالي في إطار الأسرة بعيدا عن أي تدوين معرفي حقيقي بتاريخ المنطقة وحضاراتها.
تين هينان حسناء رابضة في التاريخ
ولعل أصدق دليل المرويات العديدة عن ملكة الأهڤار، تين هينان، تلك الحسناء التاركة لموطنها الأصلي بمنطقة تفيلالت المغربية على إثر خلاف عائلي، حيث يرد في الرواية الشعبية أنها نجحت في تشكيل تحالف مع قبائل المنطقة لتتحول بذلك إلى أم كل الطوارڤ، هذا عن الرواية الشعبية· أما ما يقوله خبراء التاريخ وعلم الآثار فيكاد يقارب العدم، إذ تظل هذه المرويات الشعبية تتردد من دون القدرة على التحقيق في مصداقية المروية، حتى أن الهيكل العظمي المتواجد بمتحف الباردو، والذي يقدم على أنه هيكل الملكة تين هينان تجد من الباحثين من يشكك في جدية هذا الطرح، على اعتبار أن الضريح المستخرج منه الهيكل لا يشير بأي شكل من الأشكال لصاحب الضريح، بل إن هناك من يعتقد أن الأمر يتعلق برجل وليس امرأة· المثير أن ما كرس رواية الملكة تين هينان في المخيال الجماعي ليس في الجزائر فحسب وإنما عبر العالم، رواية تحمل عنوان ''الأتلانتيد الضائع'' وهي رواية للكاتب الفرنسي بيير بونوا، الذي يروي قصة ملكة صحراوية نجحت في جني ثروة من خلال استغلال جندها في نهب القوافل في الصحاري· ولما كان اسم الملكة أنتينيا اللفظ اللاتيني لاسم تين هينان، فقد ساد الاعتقاد أن الرواية تتحدث بالضرورة عن ملكة الأهڤار، وحتى لو افترضنا أن الحال كذلك، فإنه لا يمكن الأخذ بعين الاعتبار الحديث عن رواية للاستشهاد على وقائع تاريخية.
مكانة المرأة متقدمة
ومما زاد الموضوع إثارة أن العالم بات يشيد بالمجتمع الطارڤي الذي بالرغم من بداوته يمنح المرأة مكانة الأولوية على عكس المجتمعات البدوية التي تنظر لها على أنها كائن من الدرجة الثانية، عدا الطوارڤ الذين كرسوا احترامهم للمرأة لدرجة توليها أعلى المناصب، وهو الملك.
وكان هذا الطرح مدخلا لترويج الاستثناء الطارڤي، حيث تداخلت الروايات المتماشية مع ذات الطرح، من قبيل اللثام الذي يضعه الطارڤي خجلا وإجلالا للمرأة التي تسير هي دون الحاجة لتغطية وجهها، كلها روايات باتت تتناقل على أنها مسلمات، غير أنه يكفي أن تنبش في الحقائق قليلا لتكتشف أنها مغالطات تم الترويج لها خلال فترة معينة، أما عن جهالة، أو خدمة لأغراض معينة.
فالجدير بالذكر أن بدايات الاهتمام بتاريخ الطوارڤ كان خلال الفترة الاستعمارية على أيدي باحثين يملكون من النظرة الغرائبية، ما يجعلهم يأولون الوقائع والمرويات على حسب فهمهم الخارجي ورغبتهم أحيانا، وهو ما يسعى اليوم شباب الطوارڤ المهتم بمطابقة المرويات المتوارثة شعبيا وبين البحث العلمي الجاد، حيث يؤكدون لكل من يرغب في تصديقهم على أن التراث الطارڤي لا يذكر تين هينان على أنها ملكة وإنما شخصية بارزة تماما كما لا يقرون بخرافة اللثام الذي يرتديه الطارفي لشعوره بالخزي، وهو ما أكده الأستاذ بجامعة تمنراست، السيد زنداري، الذي يؤكد أن حقيقة المجتمع الإموهاري بات يحوي من المغالطات ما يستلزم عملا ميدانيا جادا لتخليصه منها، في إشارة إلى أن البداية تكون من خلال فهم الموروث الشعبي للمنطقة·
عدم تولي تين هينان الملك .. لم ينقص قيمتها
مع الإشارة إلى أن عدم اعتراف الطوارڤ بتولي تين هينان منصب الملكة أو كما يعرف لدى المجتمع الإموهاري ب ''تمنوكلت''، لا ينقص من أهميتها ولا من مكانة المرأة لدى الطوارڤ، حيث تحظى باحترام يقارب التقديس والإجلال، فهي في العرف الطارڤي المحرك الرئيسي للمجتمع وحافظة الذاكرة· وليس بالغريب أن تكون المرأة الطارفية من حفظ ميراث المنطقة من الاندثار من خلال نقله شفهيا تماما كما أورثت خط التيفيناغ من الضياع، وهو الحال الذي ما تزال تسير عليه المرأة الطارڤية إلى يومنا هذا، إذ تظل خزان التراث الشعبي· ولاتزال هذه المكانة من اختصاص المرأة وإن باتت الفتاة الطارڤية تتطلع لما هو أكثر من حفظ التراث، وإن كانت توليه اهتماما· فقد أتاح التعليم وقرب الجامعة من فتح آفاق المرأة· مع ذلك يظل تمدرس الفتاة في تمنراست رهانا وتحديا يوميا، بالنظر لبعد المسافة للوصول للمدارس، سيما الثانوية منها، فتمنراست من أكبر الولايات والمسافة بين بلدياتها العشر تكاد تكون بذات المسافة بين ولاية وأخرى، وفي ظل غياب النقل المدرسي والحضري يتطلب الاستمرار في التمدرس إصرارا ما بعده إصرار، مثلما يؤكده السيد علالي سيدعلي، مدير مدرسة ببلدية إيدلس، حيث يشير إلى النسبة العالية للتسرب المدرسي للفتيات بالرغم من النتائج الإيجابية المتحصل عليها بسبب بُعد المسافة والعقلية المحافظة التي تعارض انتقال الفتاة بعيدا عن الأهل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)