الجزائر

ثورة أنهت امبراطورية



كان أجدادنا وآباؤنا وإخواننا الجزائريون أهم المساهمين من غير الفرنسيين في تكوين ما عرف في التاريخ المعاصر باسم "الامبراطورية الفرنسية"، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر، وما ألجأ الجزائريين إلى ذلك إلا سياسة فرنسا المجرمة، المبنية على تجويع الجزائريين بالاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم..إن حروب فرنسا منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين كان رأس الحربة فيها هم الجزائريون، وقد أدركت فرنسا قيمة الجندي فسنّت في بداية القرن العشرين "قانون التجنيد الإجباري" على الجزائريين، وفرضت عليهم أن يقضوا تحت السلاح فترة أطول من أبنائها الفرنسيين، ومن جنّستهم بجنسيتها من الأوروبيين واليهود،. وهذه هي "مساواة فرنسا" التي "بشرت" بها ثورتها، ونقشتها على المؤسسات الرسمية في بلادنا، ولم ير جزائري هذه المساواة حتى خدام فرنسا وعملاؤها.
في أول نوفمبر من عام 1954 عزم الجزائريون وتوكلوا على الله – عز وجل أن ينهوا الأسطورة الفرنسية الكبرى، وهي أن "الجزائر فرنسية"، رغم "السّمات والسّحنات وجولان الضاد في اللهوات، وأقسموا ب"النازلات الماحقات، والجبال الشامخات الشاهقات، والبنود اللامعات الخافقات، أن تحيا الجزائر، بعد أن استجمعوا عناصر النصر من إيمان قوي، وتضامن أخوي، ف"ثلاثة أرباع الحرب تكمن في المعنويات"، كما أكد نابوليون بونابارت. (جوليان بيزانسون: هكذا يتكلم القائد. ص 95).
أدركت فرنسا أن هذه الثورة المباركة "قول فصل، وما هو بالهزل"، وأنها بدع من الثورات السابقة التي افتقدت عنصر الشمولية.. وأنها ليست ثورة "شخص" مهما تكن قيمته، بل هي ثورة شعب من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، برجاله ونسائه، بشيوخه وعجائزه، بكباره وصغاره.
كانت فرنسا تعرف قيمة الجزائر، وأنه "لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلاد التي كانت تابعة لفرنسا، (دوغول: مذكرات الأمل. ص49)، فبدأت – فرنسا- تخفف من أعبائها العسكرية والمالية في البلدان التي تستعمرها وتحشد ذلك كله للاحتفاظ بالجزائر.. ففاوضت تونس والمغرب واعترفت لهما ب"استقلال خديج"، رفضه كثير من مناضليهما مثل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وصالح ابن يوسف وغيرهما.
ثم جاءت فرنسا ب "جنرالها" ليحقق لها أملها في البقاء في الجزائر، وطلب هذا الجنرال من الفرنسيين أن يطلقوا يديه، فكان له ما أراد حتى لقبت "الرئيس الشمس" (مذكرات الأمل ص 366) تشبيها له بالملك لويس الرابع عشر حشر الجنرال "جيش فرنسا وأسطولها وطيرانها" (المذكرات 225) وأمده حلفاؤه بأموال وعتاد، طل ذلك ليحتفظ ب"l'Algérie de papa".. ولكنه كان كل يوم يغرق، فجيشه فقد الانضباط، ومجتمعه انقسم، وخزينته أشرفت على الإفلاس، ونسي العالم صوت فرنسا التي صيّرتها ثورة الجزائر "رجل أوروبا المريض" (المذكرات ص 347).. وكل ذلك لم يغن عن فرنسا وديغولها، واضطر – مرة أخرى- أن يتخلص من كل التزام خارج الجزائر، وأعطى لكل شعب "استقلاله" لعلّ وعسى.. لتكون الرصاصة الأخيرة على رأس "الامبراطورية الفرنسية"، في الجزائر، وذلك ما عبّر عنه الجنرال راؤول صالان في عنوان مذكراته "Fin d'un Empire"، بعدما كانت بدايتها في الجزائر، كما ذكر المؤرخ الفرنسي جابريال اسكير "Les commencements d'un empire : la prise d'Alger".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)