الجزائر

''ثمن التظاهر بالديمقراطية''



تميل تقارير حقوقيين إلى استخدام أحكام قاسية، عندما تتناول وضعية الحقوق الفردية والجماعية في الجزائر. وفي حالات محدّدة، لم تسلم السلطات حتى من جرة مرصد ترقية حقوق الإنسان، المحسوب عليها.
لم تكن الوضعية، قبل اعتماد قوانين جديدة حول الجمعيات والأحزاب أو الإعلام، أفضل مما هي عليه اليوم. والقول بأن الأوضاع لم تتطور نحو الإيجاب، لا يناقض الحقيقة.
عادة ما تقوم التقارير بإعادة ضبط وإحصاء حالات التجاوزات. وما تعتبره السلطات الرسمية، في حالات عديدة، تضخيما وتلاعبا بالحقائق، يشكل نقطة الضعف في الرد بالحجة. في قضية الاعتداء بالضرب، ومنع الصحفيين من أداء مهامهم، المكفولة دستوريا، صحيح أن وزير الداخلية يتبرأ من الاعتداءات ومن الضرب. لكن ما حدث لا يتوقف عند التأسف، أو عند الوعد بالعقاب، ويتجاوز قرار المسؤول الأول عن جهاز البوليس بتوقيف المسؤولين عن مهامهم. ما يحدث من مضايقات لمنع وصول الصورة والخبر من مكان المظاهرات والمسيرات، قد يعكس حالة تعبئة وتوجيه لعناصر حفظ الأمن، تجعلهم يرون في الإعلامي مصدر الخطر، ومهدّدا للأمن. فكيف نفسر تكرار حالات الاعتداء؟ وماذا يجمع المعتدي بالمعتدى عليه غير أنهما التقيا في مكان عملهما، الأول مكلفا ومأمورا بحفظ الأمن، والثاني مكلفا بتغطية الأحداث ونقلها للرأي العام بصدق؟
قد تكون حجة حجب ما يحدث في الشارع مبرّرة بحسابات تفادي انتشار العدوى، وتفادي التهويل، لكنها تبقى حجة محدودة، خاصة أن مجالات الاستفادة من مزايا قمع الإعلام ومحاصرته بطرق غير مباشرة، مستمرة كسياسة أمر واقع. ويمكن إدراج مؤشرات تراجع الحكومة عن فتح مجال السمعي ـ البصري ضمن باب رغبة الاستمرار في احتكار الصورة، في كل أشكالها.
فمن له مصلحة في حجب الحدث، ومنع وصول حقيقة ما جرى إلى الرأي العام؟ ليس طرفا واحدا، لكنهم يلتقون حول هدف واحد، وهو استخدام وتوجيه الرأي. وهنا، عادة ما يتدخل الحقوقيون، ليسجلوا مواقفهم من طرق تسيير الحكومة لمجمل تعاملها مع مظاهر التعبير الفردية والجماعية، ومدى توافقها مع القانون. وعادة ما تكون تقاريرها قاسية ، حسب رد فعل الحكومة، لأنها تعود إلى ما جرى، وتقيّم مجموعه. وإذا كانت تنتظر علامة عالية في الأداء، ربما يكون لها ذلك في وسائل التحكم والضغط. أما في مسائل الحريات والمنافسة، فهي بعيدة عن المقاييس.
تعاقبت الحكومات، وانتقلت من شكل نظام إلى آخر، من الـ لا حزب إلى التعددية الحزبية، لكنها ظلت سجينة قالب نظام، لا تتلاءم طبيعته مع التعددية السياسية، فحافظت على استخدام وسائل الدولة لحماية نفسها من أي لوم قد يوجه إليها. من الأدوات المستحبة لدى الحكومات غير الديمقراطية، لجوؤها إلى الضرب أو الحجب ، وما تعتبره الحكومة أدوات، تستخدمها في معالجة مسيرات أو مظاهرات، يعتبر أيضا من بين الأدلة على توجهاتها المضرة بالحقوق، والكاشفة للتناقض الموجود بين خطاب يعد بالتفتح ويدعو إلى تزكية إصلاحات ، وبين التظاهر بخطو خطوات تتجاوب مع ضرورة انتخابية.ما تحمله في باطنها هو أقل وزنا من وزن ورقة خطاب الإصلاحات.

hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)