الجزائر

ثمّن الغنى اللغوي وأحيا المفردات المنسية



ثمّن الغنى اللغوي وأحيا المفردات المنسية
عاش الراحل بن قطاف تجارب فنية غنية ترك فيها بصمته التي لا يعوضها أحد ولا شك في أنّ جمهوره الواسع داخل وخارج الوطن يذكر التجربة التي خاضها في مجال التنشيط والتعليق، حيث وظّف حينها صوته الرخيم والمعبّر في التعليق وقراءة نصوص الحصص التاريخية خاصة تلك التي كان ينتجها الراحل بن مدور.لاقت الحصص والأفلام الوثائقية التي تحمل صوت الراحل شهرة ونجاحا منقطع النظير ولا يزال الجمهور يطالب بها إلى اليوم إذ أنها استطاعت أن توصل التاريخ الوطني والعالمي إلى فئات لم يكن التاريخ من اهتماماتها.أغلب تلك الحصص والأفلام الوثائقية تناولت الفترة الاستعمارية بالجزائر ومن خلال عدة مناح اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية كشفت فظاعة المستعمر الفرنسي وكشفت أيضا غباءه بأسلوب ساخر تفنن الراحل في أدائه دونما تصنع أو افتعال وبلغة دارجة راقية مستوحاة من الأداء المسرحي ناهيك عن صوت بن قطاف الذي كان يتغير بين الجد والهزل تماشيا ومضمون العرض وكأنه دبلجة متقنة تلازم الصور المتتابعة.علق الراحل بصدق واحترافية عن مظاهر القهر والفقر والجهل دون أن يقع في فخ السرد كما، استعان بصوته المعبر للسخرية من الكولون وسادة الإليزي ومن ”بني وي وي ” وكل من سار في فلك فرنسا الاستعمارية التي أخذت –حسبه- ”الطريحة وخرجت هاربة من الجزائر”.صوت بن قطاف لم يكن صوتا مسرحيا من العيار الثقيل فقط بل كان أيضا ”صوت الشعب” دون أن يعترض على ذلك أحد فهو الشعب نفسه الذي لا ينطق إلا بالحق والبطولة دون أن يهاب كائنا من كان حتى ولو كانت ”فرنسا العظمى”.ابتعد الراحل في هذه القراءات عن الصراخ والمباشراتية والابتذال اللغوي والتلقين بل استعان في كل ذلك بتراثنا الوطني الغني بالحكاية والعبر والكلمة القوية التي تسمى فيه ب«الرصاصة” لأنها لا تطلق إلا لتصيب في الصميم.برع الراحل بن قطاف في هذه الروائع التي بثها التلفزيون الجزائري ضمن سلسلة من الحصص والأفلام الوثائقية مستعينا بالدارجة الجزائرية المهذبة، حيث ثمن غناها اللغوي وأحيا بعض مفرداتها المنسية ووظّف بذكاء بعض العبارات اليومية المتداولة في مجتمعنا الجزائري فمثلا كان يعلق على صراع الأقوياء” ب«اتاكلوا بيناتهم” ويعلق على بعض الخصومات داخل الأسر الحاكمة التي تستعمر الشعوب ب«فلان الأمير أو الحاكم طلق مرتو من أجل عيون فنانة”.نجح بن قطاف أيضا في شد الجمهور بأسلوبه الساخر فهو يعرض الديماغوجية الاستعمارية ووعودها الكاذبة ويسقط ذلك على واقع الجزائريين البائس ويقول ”فاقوا” علما أنه استطاع أن يحدث تناغما رهيبا بين صوته والموسيقى التصويرية التي تصادق على كل ما يقوله خاصة الساخرة منها ليندهش المتفرج ويهيأ له في لحظة ما أنه أمام خشبة المسرح يشاهد إحدى روائع ”القلعة” أو مقطعا من ”قالوا العرب قالوا” أو ”الشهداء يعودون هذا الأسبوع” أو غيرها من روائع مسرحنا الوطني.يرحل سيد الخشبة ويبقى صوته مدويا معبرا ما بقي هذا الشعب الذي عشقه حتى الجنون وتمنى أن يبقى محاميه النزيه الذي لا تغريه الشهرة ولا صولجان المناصب.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)