الجزائر

ثلاثة مبادئ لمفاوضات إنهاء حرب غزة


بقلم: إبراهيم نوار
دخلت حرب غزة بعد الهدنة الأولى مرحلة أشد تعقيدا تترابط فيها أي مفاوضات لوقف القتال أو تبادل الأسرى والمحتجزين بالرؤية النهائية للوضع في غزة بعد الحرب. ونستطيع القول بأنه لا توجد رؤية عربية موحدة ولا رؤية فلسطينية واحدة ولذلك فإن مسار العمليات العسكرية يمكن أن يصاب بحالة من عدم اليقين خصوصا مع وجود عدد من التحديات للفلسطينيين أولها أن المقاتلين في غزة يقاتلون داخل حيز ضيق فوق الأرض المحروقة وعبر الأنفاق تحت الأرض من دون وجود خطوط إمدادات لتعويض النقص في أعداد المقاتلين أو كميات السلاح ونوعيته. وثانيها أن قطاع غزة يخضع لحصار يطالب كثيرون في إسرائيل مثل مئير بن شبات مستشار الأمن القومي السابق بتشديده وليس تخفيفه. وثالثها أنه لا يوجد فعليا تضامن سياسي حكومي عربي مع المقاومة في غزة. ورابعها أن تأثير الجبهات الأخرى في الحرب سواء في الضفة الغربية أو جنوب لبنان ما يزال بعيدا عن تحقيق انقلاب استراتيجي في ميزان القوى. وخامسها أن الولايات المتحدة تسعى بكل قوة إلى تشتيت الانتباه عن حرب غزة باصطناع تحالف بحري غربي تحت قيادتها في البحر الأحمر لحماية المصالح الإسرائيلية. وسادسها أن إسرائيل بدأت تنفيذ حرب نفسية ضد المقاومة الفلسطينية في جنوب غزة باصطناع مواقف من تدبير عملائها لانتقاد قيادة حماس واعتبارها مسؤولة عن الكارثة الإنسانية في غزة. وتسهم أجهزة إعلام عربية (صحف وقنوات فضائية وكتائب إلكترونية على منصات السوشيال ميديا) في ترويج هذه المواقف لمصلحة إسرائيل.
*بناء موقف فلسطيني واحد
هذه التحديات إذا استمرت وزادت فإنها يمكن أن تترك آثارا سلبية على صورة الحرب ولا يمكن حصارها والحد من تأثيرها من دون رؤية فلسطينية واضحة للوضع في غزة بعد الحرب. هذه الرؤية يجب أن ترى غزة داخل منظور الكفاح السياسي الفلسطيني الذي يهدف إلى إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة والتطور يعيش فيها الشعب الفلسطيني حرا يقرر مصيره بنفسه في سلام مع جيرانه ومع العالم. ولتحقيق ذلك فمن الضروري الالتزام بثلاثة مبادئ: الأول وحدة المقاومة بما في ذلك حماس والجهاد داخل منظمة التحرير الفلسطينية. الثاني عدم الوقوع في مصيدة التفاوض من أجل إقامة إدارة فلسطينية في غزة تحت الاحتلال بل يجب أن يكون الهدف الأول للحرب هو إنهاء الاحتلال. الثالث عدم الوقوع في مصيدة تجزئة القضية الفلسطينية وفصل غزة عن الضفة الغربية والقدس الشرقية ويتطلب ذلك أن تتم أي مفاوضات ضمن منظور حتمية قيام الدولة الفلسطينية.
*هل يمكن تغيير الموقف الإسرائيلي؟
تهدف الحكومة الإسرائيلية لأن تكون حرب غزة خطوة رئيسية لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا وفي هذا السياق تأتي الأهداف الثلاثة الرئيسية المعلنة للحرب وهي القضاء على حماس واستعادة المحتجزين وإقامة وضع جيوسياسي – عسكري جديد لا يجعل غزة أبدا تهديدا لإسرائيل. ويجب أن نفهم أن هناك ترابطا عضويا بين السياق السياسي للحرب من ناحية ومسار العمليات العسكرية ومفاوضات إنهاء الحرب وعملية إقامة وضع جيوسياسي – عسكري جديد لا تريد فيه إسرائيل أن تعود غزة إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023 من ناحية أخرى. وتأسيسا على هذا الترابط فإنه من المستبعد تماما في ظل المعطيات الحالية أن تدخل إسرائيل في عملية سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. ونستطيع بسهولة أن نستخلص من مواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزراء الدفاع والأمن القومي والمالية أن هناك اتفاقا على مواصلة الحرب حتى تحقق أهدافها وعدم السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة لإدارة قطاع غزة حتى تحت الاحتلال الإسرائيلي ورفض قيام دولة فلسطينية. وتمثل هذه معا ثلاثة مبادئ رئيسية تحكم الموقف الإسرائيلي الرسمي الحالي وتستند إليها وحدة القوى الرئيسية المكونة للائتلاف الحاكم. ومن المتوقع أن يستمر هذا الموقف من دون تغيير طالما أن الحكومة لا تدفع ثمنا غاليا له وطالما أن استمرار الحرب لا يهدد بقاء الائتلاف الحاكم. وكما أن هناك اعتبارات استراتيجية – أيديولوجية تحكم استمرار الحرب واستمرار فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس الشرقية ورفض إقامة دولة فلسطينية فإن هناك اعتبارات انتخابية أيضا تغذي الأسس التي يقوم عليها موقف الحكومة تتمثل في العمل بالطرق كافة على ألا يلقى نتنياهو المصير الذي لقيته غولدا مائير بعد حرب أكتوبر 1973. ونعتقد أن تغيير الموقف الإسرائيلي الحالي مرهون بثلاثة تحولات جوهرية في الأجل القصير. التحول الأول هو سقوط الحكومة نفسها لأسباب تتعلق بانهيار التحالف السياسي بين اليمين الديني الصهيوني واليمين السياسي. التحول الثاني يتمثل في حدوث انقلاب في الرأي العام الإسرائيلي تماما وعلى نطاق واسع ضد سياسة الحكومة إلى الدرجة التي لا تستطيع فيها الحكومة أن تحكم وأن تحارب في آن واحد ما يقود إلى إجراء انتخابات عامة وقت الحرب تسقط فيها الحكومة. لكن من المستبعد حدوث أي من هذين التحولين في الوقت الراهن. أما التحول الثالث فإنه يتمثل في فرض ضغوط مادية عسكرية واقتصادية على إسرائيل بواسطة الولايات المتحدة التي برهنت من جديد خلال الحرب الحالية على أنها شريان الحياة الذي دونه لا تستطيع إسرائيل الاستمرار عسكريا وماليا ودبلوماسيا.
ومع أن الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل تستطيع هي الأخرى أن تشارك في الضغط جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة فإن قوة الضغط العربي ترتبط بتوازنات وحسابات أكبر بدءا من مصالح بقاء الأنظمة الحاكمة إلى مصالح إعادة ترتيب العلاقات مع الخارج لإقامة علاقات متوازنة في وضع اللانظام العالمي الذي تمر به العلاقات الدولية حاليا ونظرا للمصالح الانتخابية للإدارة الأمريكية الحالية فليس من المتوقع أن تمارس الولايات المتحدة أي ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير لا في ما يتعلق بإدارة الحرب ولا في مرحلة ما بعدها أيا كانت النتائج التي ستنتهي إليها ونظرا للمصالح المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب فإن كلا من الطرفين لن يسمح لخلافات تكتيكية قصيرة الأجل بالتأثير سلبا على تلك المصالح وإنما ستجري إدارة الخلافات بطريقة لا تؤدي لحدوث أي أضرار. ولتفعيل ضغط عربي على واشنطن كي تضغط على تل أبيب فإن الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة إذا توفرت لديها الإرادة السياسية تستطيع ممارسة عدد من الضغوط مثل وقف المشتريات العسكرية الأمريكية أو تقليصها إلى الحد الأدنى الممكن وتعليق التنسيق العسكري الذي يتم عبر هياكل القيادة العسكرية المركزية في الشرق الأوسط وتخفيض مستوى التسهيلات المتاحة للقواعد العسكرية الأمريكية عن طريق تعليق أو وقف عقود الإمدادات المحلية لهذه القواعد. أما الدول العربية ذات العلاقات مع إسرائيل فإنها تستطيع تعليق العلاقات الدبلوماسية ووقف المعاملات التجارية وفرض مقاطعة ضدها.
*المبادرة الأخيرة لوقف إطلاق النار
نشطت في الأسبوع الماضي محاولة لاستئناف مفاوضات وقف القتال التي كانت قد انهارت بانتهاء الهدنة الإنسانية الأولى في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي. واكتسبت المحاولة قوة ملحوظة بعد جولتين من اللقاءات في أوسلو ووارسو شارك فيها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومدير المخابرات الإسرائيلية ديفيد برنيع ومدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز تلتها جولة المباحثات الأخيرة في القاهرة بين حماس والجهاد كل على حدة والمسؤولين عن الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية. كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال المباحثات مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تناولت تقييم الوضع في غزة وقضايا أخرى. لكن المبادرة المصرية لقيت رفضا كاملا من الأطراف المباشرة المعنية بالحرب في غزة الحكومة الإسرائيلية وكل من حماس والجهاد. وتضمنت مكونات المبادرة المصرية رؤية لإقامة وضع جديد في غزة يختلف عما كان عليه قبل 7 أكتوبر مع تصور لتنفيذها على ثلاثة مراحل زمنية تشمل إجراءات لوقف مؤقت للقتال يمكن أن يتحول إلى هدنة دائمة باتفاق الطرفين وتبادل الأسرى والمحتجزين وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية و وانسحاب القوات الإسرائيلية وخروج قادة حماس من غزة مع ضمان عدم مطاردتهم وإنهاء حكم حماس وإقامة حكومة تكنوقراط تمهيدا لإجراء انتخابات عامة في كل من الضفة الغربية وغزة بعد فترة انتقالية على أن يتم تنفيذ المبادرة والالتزام بها بضمانات أمريكية – مصرية – قطرية. ولن يكون رفض تلك المبادرة نهاية للجهود الدبلوماسية المبذولة لإنهاء الحرب لكن هذه الجهود يجب أن تنتظم على المبادئ الثلاثة وحدة المقاومة ورفض إقامة إدارة في غزة تحت الاحتلال وحتمية إقامة الدولة الفلسطينية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)