الجزائر

تيميمون تدير ظهرها لشبابها



تيميمون تدير ظهرها لشبابها
الداخل لتيميمون ليس كالخارج منها، فهي تدفع زائرها إلى التفكير وطرح الأسئلة التي قد لا يجد أي إجابة لها، بحكم التناقضات التي يصرّ سكانها على التلميح لها، وتزاحم أفكار زائرها وهو يتجول بين قصورها ويعتلي كثبان رمالها اللامتناهية. وبعيدا عن الخطاب الرسمي الذي لا يزال يتغنى بتيميمون كواحة حمراء تعرف بجوهرة الصحراء، يرى سكانها بأن المدينة تسير فيها التنمية بخطوات السلحفاة، فما بالك بتوفير مناصب العمل للشباب وخطط تطوير الوجهة السياحية.رحلة ”الخبر” إلى تيميمون كانت من مطار الجزائر العاصمة، وكم كان صعبا الحصول على تذكرة الطائرة التابعة للخطوط الجوية الجزائرية ذهابا وهو ما تكرر معنا إيابا أيضا، فكل الرحلات محجوزة منذ أسابيع، ويومها كانت رحلتان صباحيتان قد بُرمجتنا الأولى على الثامنة والثانية بعدها بساعة. وكانت رحلتنا هي الأولى، وهناك فقط أدركنا كم يزداد الطلب على التذاكر التي يصل سعرها ذهابا وإيابا إلى 18 ألف دينار، وبأي وسيلة أو ثمن، لتفادي السفر برا الذي يقدر بحوالي عشرين ساعة، إن كانت الرحلة من دون توقف لراحة معتبرة! كما يفعل عدد كبير من سائقي الشاحنات التي تقل البضائع والسلع نحو تيميمون لربح الوقت والمال، ولو كان ذلك على حساب أرواح الآخرين.وفي مطار أدرار الذي يعجّ بالمسافرين تصادفك قصص وهموم المواطنين، الذين يتيهون بين المكاتب بحثا عمن يمكّنهم من الحصول على ”الموافقة” للسفر على أي رحلة. وهناك حدّثنا شيخ على أنه لم يتمكن من الحصول على التأكيد إلا بعد ثلاثة أيام كاملة.وفي انتظار إعادة افتتاح مطار تيميمون يضطر المسافر لسلوك الطريق كحلّ وحيد، التي تفصلك عنها قرابة الساعتين ونصف الساعة، لكن الوقت والمسافة يطولان عندما يتعلق الأمر بوفد سياحي عربي أو أجنبي، مع ضرورة التوقف في كل مرة لتغيير عناصر الدورية الأمنية التي تبقى ضرورية وإجبارية من قِبل السلطات الولائية لحماية الرعايا، خوفا من أي هجمات إرهابية أو إجرامية تعكر صفو افتتاح موسم السياحة الصحراوية، كما حدث مع السياح الألمان منذ سنوات. سائق الديوان وطريق أدراراللافت للانتباه، وعلى عكس الكثير من المدن، أن فن العمران المحترم للمقاييس والمخالف له في أدرار وتيميمون تحديدا يلتزم باللون الأحمر المائل إلى البني الذي يميّز الواحة الحمراء، بل حتى مقر الدرك الوطني في طريقك إلى تيميمون لا يتلوّن بالأخضر كغيره من مقرات الجهاز نفسه عبر الوطن بدوائره وبلدياته، ويمتزج مع فسيفساء اللون المميز للمدينة ويرضخ له.رافقنا إلى تيميمون سائق حافلة تابعة للديوان الوطني للسياحة، وعلى الرغم من إصرار السياح على تشغيل الراديو أو الاستماع إلى أغان محلية، إلا أنه رفض ذلك رفضا قاطعا، واكتفى في آخر المطاف بتشغيل فيديو عن الترويج للسياحة الداخلية من خلال زيارة وفد بريطاني لكل المواقع السياحية المتاحة في الجزائر من شمالها إلى جنوبها، وما إن انتهى الفيديو حلّ صمت رهيب في الحافلة، التي كان ركابها يترقبون موعد الوصول، وانتهاء معاناتهم الطويلة مع الممهلات التي كانت ترسم ديكورا متكررا مملا للغاية.وأنت تقلّب في الدليل السياحي الذي يتحدث عن الولاية، وتيميمون تحديدا، تدرك بأنك أمام آية من آيات الجمال، والتي تتأكد مع طول الطريق وسحر الطبيعة العذراء المترامية مع رمال الصحراء. ولا تخف رحلات و«قوافل” السياح على مدار الموسم السياحي الشتوي الممتد من شهر أكتوبر حتى شهر ماي من كل سنة، فتيميمون هي المقصد في أسبوع المولد النبوي الاحتفالي وصولا إلى رأس السنة الميلادية. وصلنا إلى فندق ”فوندوم قصر ماسين” أين سنبيت ونستقر على مدار يومين فقط، ولهذا لم نفوّت الفرصة وخرجنا مساء نترقب غروب الشمس ونتقصى واحات المدينة، حيث تشتهر تيميمون بواحات النخيل الكثيفة والأشجار والنباتات الصحراوية، وكذا بقصورها مترامية الأطراف بين كثبان الرمال. وتتوزع في تيميمون التي تقع في جنوب الصحراء بأدرار أي على بعد نحو 1400 كلم من الجزائر العاصمة، وتزيد مساحتها عن 1000 كلم مربع، أزيد من 30 قصرا كما يعرف محليا، وكلها قصور مبنية إما بالطوب أو الحجر وهذا منذ القدم. ويقصد السكان بتسمية ”القصر” التجمعات السكانية المبنية بالطوب الأحمر المحلي، الذي تحيط به حقول القمح أو الشعير وبساتين وواحات نخيل، التي تعتمد على نظام السقي التقليدي المثير للاهتمام الذي يعرف ”الفوڤارة”. ولا يزال النظام نفسه يحافظ على تمكين جميع الحقول من الماء بطريقة تقليدية مدروسة بدقة. قصور تحتضركما تتميز تيميمون إلى جانب القصور العتيقة بالقصبات الكثيرة، و«القصبة” هي تجمع سكاني قديم يشيّد غالبا على قمة جبلية وتكون أسفله مغارة وكانت تستعمل قديما للاختباء أثناء الغزو والحروب. وتضم القصبة أربعة أبراج للمراقبة، إذ يمكّن التموقع فوق الجبل من رؤية العدو من مسافات بعيدة. وتوجد في تيميمون قصبات وقصور يعود تاريخها إلى القرن 12 للميلاد، وهناك ما يزيد على هذه الحقبة التاريخية مثلما هو الحال مع قصر ”إيغزر” الذي يبعد عن مدينة تيميمون ب40 كلم، وهو يحوي مغارة كبيرة جدا، ومازالت تعدّ لحد الساعة وجهة سياحية لزائري المنطقة، وهناك قصر ”أغلاد” الواقع على بعد 60 كلم شمال المدينة والذي استفاد من مشروع ترميم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية ضمن برنامج ضخم أطلق عليه ”طريق القصور”.وإلى جانب كل هذا لا تزال قصور ماسين وبني مهلال وزقور وبدريان وتينركوك تصنع الوجهة السياحية المثيرة، لكن زيارتها لم تكن من حظنا بسبب ضيق فترة تواجدنا بالواحة الحمراء. وتبقى الفيضانات والأمطار الخطر الذي يتهدد القصور الطوبية التي تحتاج إلى ترميم وأشغال تهيئة بشكل دائم، من أجل الحفاظ على هذا التراث العمراني.ويحدّثك أهل المنطقة عن تاريخها وشغف الأجانب بها، حيث كانت تيميمون مقصد الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بيريز ديكويلار منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كما حلّ بها ملك إسبانيا وزوجته والوزير الأول البرتغالي، وسفراء من كل بلدان العالم.وأتاح فك العزلة السياحية عن المنطقة فتح ومدّ مشاريع التنمية، التي تحتاج اليوم قبل الغد إلى تمكين سكانها من لوحات الطاقة الشمسية، أفضل من ربطها بشبكة الكهرباء، خصوصا وأن الشمس لا تغيب عن تيميمون وكامل أدرار طيلة 365 يوم. ويصرّ السكان على أن تعمم الطاقة الشمسية لأنها مستقبلهم في التنمية المستدامة.ويتحدث سكان تيميمون عن واقعهم المرير بعيدا عن الخطاب الرسمي الذي يسوّق للسياحة، التي لا يجني منها هؤلاء أي شيء، بكثير من الحسرة، خصوصا وأن نسبة البطالة في تزايد مستمر. ويقول كمال، البالغ من العمر 25 عاما، بأن تيميمون لم تمنحهم القدرة على العمل، بالنظر إلى أن أغلب مناصب الشغل المتوفرة تكون في الفلاحة، وهي لا تكون بشكل دائم. أما عادل الذي لا تفارقه طلبات التوظيف التي يحملها في ملف يلفّه بكيس بلاستيكي، فيرى بأن ”الشباب الجامعي يعاني من حالة حصار تامة، ولا يمكنك الحصول على منصب عمل إلا خارج هذه المنطقة. بين الفلاحة والسياحةأما على مستوى الخطاب الرسمي فالأمر يختلف، حيث ترسم السلطات المحلية بتيميمون خطة أساسية مبنية على الفلاحة والسياحة، وهو ما لمّح إليه رئيس دائرة تيميمون، الذي أشرف على إعادة تدشين فندق ”قصر ماسين” بحضور كريم المطاحني، مدير عمليات بشركة ”فوندوم أوتالز ماناجمنت”، عندما قال بأن ”تيممون يستيقظ نهارها على الفلاحة ويغرب على السياحة”، توضيحا منه بأن غروب الشمس في كثبان الرمال والواحات يلهم الناظر والزائر إلى حد بعيد.وفي انتظار إعادة فتح فندق ”ڤورارة” التابع لمؤسسة التسيير السياحي الذي يشهد أشغال تهيئة كبرى، ينتظر أيضا إنهاء أشغال توسعة فندق ”فوندوم قصر ماسين”، من أجل تطوير السياحة في الجنوب الجزائري، خصوصا احتفاء بموسم السياحة الصحراوية.وأوضح كريم المطاحني، مدير عمليات بشركة ”فوندوم أوتالز ماناجمنت” بأن ”شركتنا تضم ثلاثة فروع أولها فرع ”فوندوم أوتالز أند ريزورت” المختصة في تسيير الفنادق، وهناك ”فوندوم تيكنيكول أيستنس” المختصة في إعادة تأهيل الفنادق وحتى البناء عبر مهندسينا، والثالثة هي ”فوندوم أكاديمي” وهي المختصة في تكوين الإطارات والعمال بالفنادق، عن طريق إطارات ”فوندوم” الذين يتنقلون من المقر الرئيسي الموجود في تونس، الممثل لإفريقيا، أو عن طريق مدارس ”فاتال” وعن طريق الأكاديمية الوطنية للطبخ، التي تعتبر من بين المؤسسات الرائدة في مجال الطبخ، والتي تخرج منها أحسن طباخ في فرنسا سنويا”.وبالنسبة لمشروع فندق ”فوندوم قصر ماسين” فسيتم تكوين عمال الفندق والطباخين عن طريق إطارات ”فوندوم”، كما سيتم مضاعفة عدد غرف الفندق، من خلال إطلاق عملية توسعة يشرف عليها مكتب دراسات وهندسة تونسي، ويسمح ذلك برفع طاقة استيعاب الفندق. ناهيك عن هذا، سيتم إطلاق أشغال تهيئة من أجل جعل الفندق في المستوى العالمي للخدمات الفندقية التي تمتاز بها سلسلة فنادق ”فوندوم”. وتصرّ الشركة على ضرورة الاعتماد على الحرفيين بالمنطقة من أجل إنجاز ديكور الفندق من أجل توفير مناصب عمل، خصوصا وأنها محدودة في مثل هذا الوقت من السنة، الذي تعيش فيه تيميمون حالة من الركود.بعد احتفائية في الفندق الذي يوفر الإقامة المريحة، خصوصا مع مسبح يتوسط الفناء الذي تطل عليه الغرف وكأنه قصر عثماني، حلّت ساعة العودة إلى الجزائر العاصمة، وسارت بنا الحافلة نفسها إلى مطار أدرار، وهناك كانت مهمة تأكيد التذكرة أمرا مستحيلا أيضا، أمام حالة الضغط التي تشهدها الخطوط الجوية الجزائرية، وبعد اتصالات حصلنا على التأكيد. وكانت العودة هذه المرة بهبوط إضافي في عين صالح ثم الرجوع إلى العاصمة، ما جعل الرحلة تطول وتستغرق أربع ساعات ونصف ساعة.ويبقى الحنين إلى تيميمون بشمسها وغروبها وطيبة أهلها مكتسحا لذاكرة العائد منها، خصوصا وأنه يضع رجليه على جنة بديعة، لكنه يرى سكانها تعساء في حالة تيه كبير، يترقبون أن تحطّ خيم الشركات التي تفتح ورشات التنمية، كما يخيّم السياح في واحاتها في عزّ موسم السياحة الصحراوية.ولا يمكنك وأنت تقلّب دفاتر عودتك أن تنسى أهازيج وموسيقى فرقة أهاليل، التي تصدح بها كل زاوية من زوايا البحث عن الاستمتاع بجمال المنطقة التي تسحر الجميع، وتجعله يحن إليها باستمرار ويحتسي كأس شاي على رمالها الذهبية.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)