دخلت الطبقة السياسية في تونس مرحلة حاسمة ستحدد مستقبل هذا البلد بعد فترة انتقالية تجاوزت المدة المحددة لها وأيضا بعد فترة شك طغت على المشهد السياسي التونسي وكادت أن تعيد البلاد إلى نقطة الصفر ثلاث سنوات بعد انتصار ثورة الياسمين على نظام الرئيس زين العابدين بن علي.ويبدو أن قيادات مختلف الأحزاب السياسية في تونس أدركت أخيرا المهمة التاريخية التي تنتظرها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة مما جعلها تسارع إلى وضع الأسس الأولى لمؤسسات الجمهورية التونسية الثانية بالشروع منذ أمس في المصادقة على مواد دستور جديد تعتقد الطبقة السياسية أنه الملاذ الآمن من وضعية لم تعد تحتمل.وشرع أمس نواب المجلس التأسيسي في المصادقة على مواد الدستور الجديد مادة بمادة وكانت أولاها تلك الخاصة بالمرجعية التي تعتمدها هذه الوثيقة للتشريع في تونس.وجاءت هذه المادة بصيغة أن "تونس دولة حرة مستقلة وذات سيادة والإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". مع التشديد أن هذه المادة "لا يمكن تعديلها".واستدعى التوصل إلى هذه الصيغة أشهرا من الجدل السياسي بين حزب النهضة الحاكم والأحزاب العلمانية المؤيدة والمعارضة له بسبب التباين الكبير في مواقفها مما أدخل البلد في متاهة أزمة سياسية وأمنية حادة كادت تعصف بالتجانس الذي طبع البلاد بعد نجاح ثورتها الشعبية ضد النظام السابق.وصادق على هذه المادة 146 نائبا في المجلس التأسيسي من أصل 149 نائبا ممن صوتوا على المادة.ويمكن القول أن حركة النهضة قدمت تنازلا جوهريا وهي التي كانت تصر على مادة تؤكد أن "الإسلام دين الدولة" وهو ما لاقى معارضة شديدة من الأحزاب اللائكية التي تصدت لها وتمكنت من شل عمل حكومة علي العريض وخاصة منذ اغتيال المعارض محمد براهمي نهاية شهر جويلية الماضي.كما صادق النواب أيضا على المادة الثانية التي نصت على مبدأ إقامة "الدولة المدنية التي تتبنى المواطنة وإرادة الشعب وأولوية القانون" كقاعدة للحكم وهي المادة التي أضيفت لها نفس الملاحظة "بعدم تعديلها".وتعد هاتان المادتان محوريتين في رسم الخطوط العريضة للدولة التونسية القادمة ونظامها الأساسي بكيفية حرص الفرقاء السياسيين على إيجاد صيغ توافقية أرضتهم جميعا.وعرفت جلسة التصويت جدلا حادا بخصوص مرجعية الدستور الجديد ولكنهم تمكنوا من تجاوزه بعد أن عرض بعض النواب فكرة تعديل يجعل من الإسلام والقرآن الكريم والسنة المحمدية مصادر أساسية للتشريع في تونس.ودافع أصحاب هذه المرجعية عن قناعتهم كون الإسلام يضمن الحريات وكل الحقوق ولا يتعارض مع الديمقراطية ومبادئ الحرية بينما رأى العلمانيون أن اعتماد هذه المصادر يتعارض مع العصرنة والتقدم.ويؤكد هؤلاء أن المادة السادسة التي ينتظر عرضها على المصادقة أكدت على أن "الدولة حامي الدين والمقدسات وضامن الحريات والضمير".يذكر أن نواب المجلس التأسيسي سيناقشون ويصادقون على 146 مادة و250 تعديلا على أمل الانتهاء منها والمصادقة النهائية على دستور البلاد يوم 18جانفي الجاري ليكون ذلك أكبر هدية تقدم للشعب التونسي في الذكرى الثالثة لانتصار ثورة الياسمين.وتكون هذه الرغبة هي التي جعلت الأحزاب السياسية التونسية تتوصل إلى إجماع للمصادقة على مشروع الوثيقة الأساسية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ال217 لتفادي الذهاب إلى استفتاء شعبي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : م مرشدي
المصدر : www.el-massa.com