الجزائر

تنفيذ اتفاق «السلم والمصالحة » خيار استراتيجي



اغتيال ولد سيداتي لن يوقّف قطار السلام
لا يخفي السيد فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بسكرة وجود علاقة وثيقة بين اغتيال الرئيس الدوري لتنسيقية الحركات الأزوادية و رغبة البعض في إجهاض عملية تطبيق اتفاق «السلم والمصالحة» بمالي والعودة بالوضع إلى مربّع العنف والفوضى. فعودة الأمن والاستقرار التي بدأ الماليون يتحسّسونها، باتت تثير قلق الكثير من الأطراف كالتنظيمات الإرهابية ومجموعات الجريمة المنظمة والجهات الأجنبية المرتبطة بمصالح في المنطقة، لهذا يعتقد الأستاذ جدو في حديثه مع «الشعب ويكاند»، أن التحدّي الأمني يظلّ كبيرا في دولة مالي المصّرة بفضل مساعدة ومرافقة الجزائر على مواجهة كلّ التحدّيات ومواصلة عملها حتى بلوغ الأمن والاستقرار.
«الشعب ويكاند»: جاء اغتيال الرئيس الدوري لتنسيقية الحركات الأزوادية سيدي إبراهيم ولد سيداتي ليثير مجدّدا مسألة العراقيل والتحدّيات التي تقف في طريق تطبيق اتفاق «السلم والمصالحة» في مالي، كونه كان يرأس لجنة متابعة هذا الاتفاق، ما الهدف من تصفيته التي جاءت بعد أسابيع من استئناف عمل لجنة مراقبة اتفاق السلام في كيدال تحت إشراف الجزائر؟
فؤاد جدو: يعتبر ملف مالي من الملفات المعقدة والمركبة في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة مع تشابك الأسباب والظواهر المرتبطة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية والمخدرات وغياب التنمية وضعف الاندماج الاجتماعي، وبالتالي بناء السلم يتطلب جهودا كبيرة خاصة مع تدخل أطراف أجنبية لها مصالح بالمنطقة كفرنسا.
اغتيال الرئيس الدوري لتنسيقية الحركات الأزوادية يأتي في إطار رغبة بعض الأطراف في دفع الوضع بمالي إلى التعفن و العنف و تفجير «حرب» اتهامات بين حركة الأزواد والحكومة المركزية وبالتالي العودة إلى المربع الأول خاصة أن دولة مالي تمر الآن بمرحلة تنفيذ اتفاق السلام الذي أبرم في الجزائر عام 2015، وهذا الاتفاق ينصّ على الاندماج والتعاون من أجل بناء السلم والذي يتطلب عاملين أساسين: الوقت والثقة بين جميع الأطراف.
الراحل سيدي إبراهيم كان رجل إجماع، والذين اغتالوه يريدون إيهام الرأي العام المالي والدولي بوجود أطراف ترفض اتفاق «السلم والمصالحة «وبالتالي العودة للسلاح والمطالب الانفصالية والتحالف مع الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة.
تسعى دولة مالي بمرافقة الجزائر إلى استعادة استقرارها، لكن الوضع الأمني مازال متردّيا، إذ لا تزال المجموعات الإرهابية تشكّل تحدّيا كبيرا، فما حجم هذا التحدي، وما جدوى التدخل العسكري الفرنسي الذي دخل عامه الثامن دون أن يحقّق أيّة نتائج؟
الدور الفرنسي واضح منذ زمن، أي منذ إصدار ما يعرف ب «الكتاب الأبيض» من طرف وزارة الخارجية الفرنسية في عهد الرئيس السابق هولاند والذي يبرز فيه أهمية المنطقة استراتيجيا وأمنيا بالنسبة لفرنسا التي تعتبرها عمقا حيويا وبالتالي تواجدها وتدخلها في الساحل الإفريقي أمر أساسي بالنسبة لها، لهذا فهي تسعى من خلال الاعتماد على إستراتيجية ما يعرف بالجيش الصغير، لفرض حضورها عبر كتائب تابعة لها تتوزع في المنطقة بهدف حماية أماكن معينة، وأيضا عبر التحالف مع القوى العسكرية لدول الساحل الإفريقي التي تسمح لها بدعم الحكومات المركزية، أو عبر التحالف مع دول خارج المنطقة، كما هو الأمر مع المغرب، لكن كل هذه المقاربات أثبتت عدم نجاعتها لأسباب عديدة، منها غياب إرادة فرنسية حقيقية في حل المشكل المالي خاصة أن فرنسا هي جزء من المشكلة ووجودها بات مبررا للجماعات الإرهابية للتواجد بالمنطقة، كما أن باريس تصنف الحركات الأزوادية حركات إرهابية وبالتالي بقيت الأزمة تراوح مكانها خاصة مع تمسكها بمقاربة واحدة وهي الحل العسكري الذي أثبت محدوديته في معالجة الوضع.
ما تعليقكم على الجهود التي تبدلها الجزائر لمساعدة مالي على إقرار السلام والاستقرار؟
الجهود الجزائرية لحل أزمة مالي ليست وليدة، اليوم، بل تعود إلى تسعينات القرن الماضي، حيث تعتمد الجزائر على مقاربة شاملة تقوم على معالجة أسباب الأزمة بشكل سلمي من خلال لمّ شمل كل الأطراف والوقوف على نفس المسافة من الجميع مع المحافظة على الوحدة الترابية للجارة الجنوبية.
الجزائر تركّز على معالجة الأزمة في مالي من خلال نقطتين أساسيتين، الأولى ترتبط بالتعاون الدولي من خلال الاتحاد الإفريقي ودول الساحل والذي يقوم على دعم الجهد الدبلوماسي من خلال تقريب وجهات النظر وتحقيق إجماع وطني داخل مالي اتجاه قضايا أساسية كالتنمية وتقسيم الثروة والسلطة، والنقطة الثانية تتمثل في العمل على التعاون الثنائي والإقليمي في المجال العسكري والأمني من خلال دعم الجهود خاصة في محاصرة الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، انطلاقا من أن أمن الجزائر من أمن مالي وهذا ما كرسته في اتفاق الجزائر للسلم و المصالحة والتي تعمل على المحافظة عليه بكل الطرق الممكنة.
ما قراءتكم للمقاربة الجزائرية في التعامل مع القضايا الإقليمية؟
بالنسبة لجهدها في حل القضايا الإقليمية، نجد أن الجزائر تعمل وفق مبادئها التي تعتبر تقليدا في العمل الدبلوماسي وهو حل الأزمات بطريقة سلمية سواء الملف الليبي أو المالي أو الساحل الإفريقي والصحراء الغربية، كما تعمل الجزائر أيضا وفق آلية العمل الجماعي خاصة ضمن حاضنة الاتحاد الإفريقي لدعم الجهود السلمية في إطار ثنائية الدبلوماسية الأمنية والدبلوماسية الإنسانية التي تعمل على الجمع ما بين مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهها عبر حدودها والتعاون الدولي حولها، وما بين مراعاة الظروف الإنسانية التي تعيشها الدول ووضع أولويات تراعي الجانب الإنساني كاللّجوء وتقديم المساعدات ودعم التنمية في هذه المناطق.
حتى الآن أثبت الخيار العسكري فشله في مقاومة الإرهاب، في حين هناك من يراهن على التنمية وسياسات اجتماعية فاعلة لعزل الدمويين ودحرهم .. ما قولكم؟
المقاربة التنموية في رأيي لوحدها غير كافية، لكنها مهمة، وكما سبق وأن قلت التنمية الإنسانية تقوم على بعد أساسي وهو دعم الاستقرار من خلال التنمية، وهذا عبر مشاريع فعّالة ودائمة و تعزيز الحياة الكريمة وتوفير المتطلبات الأساسية التي يحتاجها الإنسان بصفة عامة وتراعي خصوصية المنطقة الصحراوية وفي المقابل لا بد من تعزيز الحس الأمني ومراقبة الحدود بما يحفظ الأمن والاستقرار، وبالتالي الأمن والتنمية في المنطقة أساسيين لتحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
نسجّل في الآونة الأخيرة تمدّدا كبيرا للنشاط الإرهابي بإفريقيا، إذ لم يعد محصورا في الساحل الإفريقي فقط، فما أسباب تنامي الظاهرة الإرهابية بالقارة السمراء ؟
مسألة تمدّد الإرهاب في الساحل وما وراء الساحل مرتبط ببحث الجماعات الإرهابية على منافذ من أجل استقطاب الأفراد و تجنيدهم عبر استغلال ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية أو تدني مستوياتهم التعليمية أو استغلال العاطفة، وبالتالي استمرار التغذية البشرية لهذه الجماعات الدموية التي تتعرض لضربات متتالية من طرف الأجهزة الأمنية، ومن جهة أخرى تبحث هذه الجماعات عن مصادر تمويل جديدة من خلال التمدّد إلى مناطق أخرى أوالتحالف عبر ممرات تهريب جديدة وبالتالي ضمان التدفقات المالية التي تعيش منها، لتبقي إفريقيا للأسف الحلقة الأضعف في تمدد الشبكات الإرهابية بسبب ضعف الدولة و هشاشتها والفقر والحاجة والمصالح الدولية التي زادت الوضع سوءا.
لا شكّ أن التدهور الأمني في الجوار الجنوبي يشكل تحدّيا كبيرا للجزائر، فكيف تتعامل معه بلادنا؟
الجزائر ليس أمامها إلا حلّين، الأوّل يرتبط بتعزيز الأمن الحدودي و محاربة أي تدفق إرهابي أو إجرامي عبر الحدود وهذا يكلف الكثير، لكنه أساسي وضروري، والثاني هو التعاون الدولي و الإقليمي لمواجهة التهديدات الأمنية في دول الجوار دون إغفال دور المنظمات الدولية كالاتحاد الافريقي والأوروبي و الأمم المتحدة.
في كلمة أخيرة، كيف تنظرون إلى مستقبل الظاهرة الإرهابية في الساحل الإفريقي وعموم إفريقيا؟
يمكن اعتبار الإرهاب ظاهرة مرتبطة بأسباب اقتصادية تنموية في المقام الأول إلى جانب العامل الخارجي الذي يؤسس لعدم الاستقرار الدائم، وبالتالي الظاهرة الإرهابية لن تزول ما دامت هذه الأسباب قائمة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)