بعيدا عن اللهث وراء تحضيرات ليلة العمر، لا يعطي المقبلون على الارتباط أهمية للفحص الطبي قبل عقد القران، ولا يرون في الشهادة الطبية إلا وثيقة صورية تدرج في عقد الزواج، بينما يتجاهل
المشرّع أهمية الفحص العقلي والنفسي للطرفين قبل ولوج عش الزوجية، في الوقت الذي
تخفي المحاكم قضايا طلاق سببها أمراض ظهرت تحت سقف الزوجية.
انفصام في الشخصية، جنون أو أبناء مرضى، مشاهد تتكرر في العديد من البيوت الجزائرية بعد أن تنتهي بهرجة العرس ويزول ''المكياج'' ويستفيق العرسان على واقع مرّ حملوه في جيناتهم ونقلوه لأبنائهم، أو أمراض أغفلتها الشهادة الطبية قبل الزواج، وأخرى أخفاها الطرف الآخر وكشفتها العشرة الزوجية، في قضايا حقيقية رصدناها من أروقة المحاكم.
يخنق زوجته أثناء النوم
إنسان هادئ، محترم، من عائلة ميسورة وينفرد عن عائلته بشقة خاصة، هو عريس لا يرفض بالنسبة لعائلة الفتاة التي تقدم لخطبتها، وكان هذا سببا كافيا للإسراع بإتمام الزواج.. لكن فترة قصيرة فقط بعد عقد القران كانت كفيلة بكشف حقيقة العريس ''الكامل الأوصاف''، حسب ملف القضية التي عالجتها إحدى المحاكم في العاصمة.
فالعريس الهادئ أكثر من اللزوم حاول خنق زوجته وهي نائمة أكثر من مرة، لتصدم بحقيقة معاناته من انفصام الشخصية، فهذا الأخير لا يحفظ توازنه إلا بتناول أدويته التي يصفها له طبيب الأمراض العصبية، ولأن الحادثة تكررت أكثر من مرة، كان الطلاق الحل الوحيد للزوجة.
زوجة مسؤول تبيت ليلها في الحمام
قضية أخرى لا تقل غرابة عن الأولى، بطلتها شابة جميلة ارتبطت بشخصية سياسية، تم زواجهما في إطار عائلي دون أن يكون بينهما تعارف مسبق، وطبعا التحاليل الطبية التي خضع لها كلاهما قبل الزواج، لم تكشف عن مرض أنهى رباطهما الزوجي، رغم إنجاب الأبناء.
فالزوج كان يتفاجأ بغياب زوجته عن فراشها في كل ليلة، لم يعط للأمر أهمية في البداية، لكن غيابها كان يطول في كل مرة، ما أدخل الشك والريبة في قلب الرجل، قبل أن يكتشف حقيقة صادمة.
فالزوجة كانت تزين نصف وجها، تمسك مرآتها وتجلس أمام المرحاض في وضع مريب طيلة الليل.
وفسّر الزوج الأمر في البداية بأن شريكته مصابة بمس من الجن، وأنها بحاجة لرقية شرعية، فلم يتسرع في اتخاذ قرار الانفصال عنها، خاصة أنها كانت حاملا، إلى أن فصل طبيب الأمراض العصبية في الأمر، مؤكدا أن الزوجة مصابة بانفصام الشخصية، وبأنه سبق لها أن دخلت مستشفى الأمراض العقلية في صغرها.
وعند مواجهة عائلة الزوجة، اعترفت الأم بأنها أخفت الأمر وكانت تحرص على أن تتعاطى ابنتها الأدوية في وقتها عند زيارة عائلة العريس، حتى تظهر ابنتها على طبيعتها، ورغم أن الزواج استمر سنوات، إلا أنه انتهى بالطلاق أمام استحالة استمرار الرابطة الزوجية.
..وأخرى تحاول قتل رضيعها
15 إصابة وكسور في مختلف أنحاء جسد رضيع في شهره الثامن، كانت سببا في طلاق زوجين، فالكسور لم تكن نتيجة حادث مرور أو سقوط الرضيع من فراشه، بل لأنه تصادف وجوده بالقرب من أمه وهي في حالة هيستيريا، نتيجة معاناتها من انفصام الشخصية.
الزوج صبر على شريكة حياته وتفهّم حالتها رغم أنه لم يتم إخطاره بحقيقة مرضها قبل الزواج، لكن بعد أن امتد خطرها إلى فلذة كبده، كان الانفصال الحل الوحيد.
أخفت حقيقة عقمها
حالة أخرى تؤكد أهمية الفحص الطبي الكامل للزوجين قبل إتمام الزوج، عالجتها مؤخرا محكمة عاصمية، لشابة مضت ثلاث سنوات على ارتباطها دون أن تنجب، وأثبت الفحص الطبي لزوجها أنه لا يعاني من أي عارض يحول دون الإنجاب، وهو نفس ما كانت تؤكده الزوجة في كل مرة تزور فيها الطبيب، قبل أن يكتشف الزوج حقيقة أنهت زواجهما بعد صبر سنوات.
فبعد إلحاح الزوج أن تزور شريكته طبيبة مختصة من معارف عائلته، استغرب تهربّها في كل مرة، غير أنها رضخت لطلبه بعد إلحاحه، قبل أن تطلعه الطبيبة بأنه يستحيل أن تحمل زوجته، والسبب أن زوجته لا تأتيها الدورة الشهرية، وهو عيب خلقي يحدث مع نسبة من الفتيات.
تتزوج شاذا جنسيا
قضية أخرى فصلت فيها إحدى المحاكم العاصمية مؤخرا، روى لنا مصدر قضائي تفاصيلها، حيث ارتبطت فتاة بشاب من عائلية ثرية ومعروفة، غير أن الزوجة ظلت عذراء طيلة هذه الفترة، اعتقدت في البداية أن زوجها يعاني من مشكل صحي، أو من سحر، قبل أن تكتشف أن زوجها شاذ جنسيا بعد أن فاجأته في وضع مخل بالحياء في بيت الزوجية.
وقبل أن تتقدم الزوجة لطلب الطلاق، سبقها شريكها الذي رفع قضية متهما إياها بخيانته وإقامة علاقات مع عدة رجال، غير أن المحكمة فصلت لصالح الزوجة التي بين الفحص الطبي أنها لاتزال عذراء، كما اعترف الزوج بشذوذه.
أبناء مصابون بفقر الدم
ثلاثة أبناء مصابين بمرض فقر الدم، نتيجة زواج بين والدين حاملين لموروثات خلل جيني، حسب مصدر طبي، وفي هذه الحال لا تظهر على الوالدين أعراض المرض لكنهما ينقلونها لأبنائهما.
ويعاني الوالدان الأمرّين مع أبنائهما، فهم يعانون من وهن في الجسم وبحاجة لنقل الدم أكثر من مرة في الأسبوع، ولهذا السبب هم كثيرو التغيب عن مدارسهم، كما اضطرت والدتهم لترك عملها للتفرغ للاعتناء بهم، فيما عانى الأب من مشاكل في عمله لأنه يضطر في كل مرة للتغيب لنقل أبنائه للمستشفى. وإن كان هذا قدر هذه العائلة، فربما قد يساعد الفحص الطبي في تغيير حياة آخرين.
شهادة العذرية ليست شرطا
ذكرت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أن عدم توضيح طبيعة ونوع الفحص الطبي قبل الزواج، عندما تم إقراره سنة 2007، تسبب في لغط كبير وسوء فهم في الإدارة وحتى عند المواطنين، حيث تم تفسيره على أنه فحص مطلوب بل ومشروط لدى الكثير من البلديات.
وأضافت المتحدثة أنها استقبلت بمكتبها خلال تلك الفترة العديد من الشكاوى لفتيات أكدن تعرضهن للابتزاز من طرف مسؤولين في بعض البلديات، مقابل تمكينهن من إتمام عملية تحرير عقد الزواج دون تقديم الوثيقة المذكورة.
التحاليل المطلوبة في عقد الزواج
تحوي قائمة التحاليل المطلوبة في عقد الزواج، حسبما كشفته لنا زيارة ميدانية في عدد من المستشفيات والمخابر الخاصة، تحليل فصيلة الدم، الكشف عن مرض نقص المناعة المكتسبة، التهاب الكبد الفيروسي بنوعيه، ومرض الزهري، وهو مرض متنقل عن طريق العلاقات الجنسية. ويستلم المقبلون على الزواج من البلدية وثيقة يطلب منهم تقديمها للطبيب، يؤكد فيها هذا الأخير قيامه بفحص الشخص المعني.
رئيس عمادة الأطباء الجزائريين محمد بقاط
لا يمكن الكشف عن كل الأمراض الوراثية
أوضح رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، الدكتور محمد بقاط بركاني، أنه لا يمكن الكشف عن كل الأمراض الوراثية، مستبعدا إمكانية إدراجها في التحاليل المطلوبة في عقد الزواج. واعتبر أن الفحوص المعتمدة حاليا، والتي تركز على الكشف عن الأمراض التي تنتقل بالعدوى بين الزوجين، كافية لإتمام القران.
وأكد الدكتور بقاط أن أهم شرط ينبغي توفره في المقبلين على الزواج، هو السلامة من الأمراض الخطيرة التي يمكن أن تنتقل بالعدوى، ''وهو ما تضمنه الفحوص المعمول بها حاليا، حيث يتم الكشف عن مرض نقص المناعة المكتسبة، الزهري والتهاب الكبد الفيروسي، وهي أخطر الأمراض المتنقلة عن طريق الدم والعلاقات الجنسية''.
أما فيما يتعلق بالفحوص الخاصة بالأمراض المتنقلة وراثيا، وضرورة فرضها مادامت تساعد على التنبؤ ببعض الأمراض وتفادي إصابة الأطفال مستقبلا، مثلما هو معمول به في الغرب وعدد من الدول العربية، فلا يوافق الدكتور بركاني على الرأي القائل بضرورة فرضها على المقبلين على الزواج، مشددا على أنها تندرج في إطار الحرية الشخصية.
وأضاف المتحدث: ''لا يمكن التدخل في خيارات الآخرين، ثم قائمة الأمراض الوراثية لا حصر لها ولا يمكن كشفها كلها، كما لا يمكن التنبؤ مائة بالمائة بإمكانية انتقالها للأبناء، والأهم من كل هذا فإن الحديث عن أجيال خالية من التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية ضرب من الخيال، لأنه لا وجود لجنس نقي''. واعترف رئيس عمادة الأطباء بحقيقة أن الأمراض الوراثية تزيد نسبة حدوثها في زواج الأقارب، وهنا يأتي دور الطبيب لتوعية المقبلين على الزواج فقط دون التدخل في خياراتهم.
وأضاف الدكتور بقاط بركاني في السياق ''التحسيس بالأمراض المتنقلة وراثيا، خاصة في حال زواج الأقارب، أهم ما يمكن القيام به في هذه الحالة، وتأتي أهمية الحملات التحسيسية للتوصل إلى إقناع هؤلاء بإجراء فحوص قد تكشف عن أمراض يحتمل أن تنتقل إلى أبنائهم، لكن دون ضغط''.
المحامية فاطمة الزهراء بن براهم
الشهادة الطبية مجرد وثيقة شكلية
ترى المحامية بن ابراهم فاطمة، أن نموذج الشهادة الطبية ما قبل الزواج، الذي ورد في المرسوم التنفيذي رقم 60ـ154 في 11 ماي 2006، لم يؤد الدور الذي وضع لأجله، على اعتبار أنه لا يحدد طبيعة الفحوص التي يخضع لها الخطيبان، حسبها، وتجاهل الأمراض النفسية والعقلية التي تكتشف غالبا بعد الزواج، وتكون سببا في الانفصال. وتؤكد بن ابراهم أن العديد من حالات الطلاق بين الزوجين، خاصة بالنسبة لحديثي الارتباط، سببها أمراض لم يظهرها الفحص قبل الزواج وأخفاها أحد الطرفين، مشيرة إلى أن نموذج الشهادة الطبية الذي ورد في القانون، يتحدث عن عموميات، ولم يذكر بالتفصيل الأمراض المعنية بالفحص.
وأوضحت المتحدثة في السياق: ''جاء في النموذج أن الشهادة يوقّع عليها دكتور في الطب، دون تحديد الاختصاص، كما ورد أنه تم إعدادها بعد فحص طبي شامل، دون تحديد طبيعة الفحص أيضا إذا استثنينا فحص فصيلة الدم، ولفت انتباه الخطيبين لمخاطر مرض الحميراء على الأم الحامل''.
وأشارت المتحدثة إلى أنها تستقبل يوميا العديد من ملفات طلب الطلاق، يكون السبب الرئيسي فيها أمراض عدوية انتقلت إلى أحد الزوجين، وكذا عقم أحدهما، وهذا من أهم أسباب فشل الزيجات، إضافة إلى الأمراض النفسية والعقلية، على غرار انفصام الشخصية والجنون.
وشددت الحقوقية على ضرورة إنشاء مراكز متخصصة تهتم بالفحص الطبي ''الإكلينيكي'' الكامل للزوجين، من قبل أطباء مختصين، ودراسة الجوانب النفسية والاجتماعية لهما، لإثبات خلوهما من أي أمراض قد تمنع زواجهما، ''وإلا تحوّل الأمر إلى تدليس وإخفاء للحقائق''.
وأضافت المتحدثة: ''يجب أن يكون الفحص إجباريا وأن يكون هناك دفتر صحي تدرج فيه جميع التحاليل والفحوص، كما يتم إبلاغ الطرفين بنتيجته، مثل عقم أحدهما مثلا، أو معاناتهما من مرض وراثي، ويشرح لهما الاحتمالات التي يمكن أن تحدث لذريتهما لو تزوجا، والطبيب لا يتدخل في القرار النهائي، فالرجل والمرأة حرّان في اتخاذ القرار المناسب''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: سلمى حراز
المصدر : www.elkhabar.com