الجزائر

تمنراست .. ملحمة التحدي



تحتفل اليوم الجزائر باليوم العالمي للمسرح المصادف ل 27 مارس من كل سنة، وتعتبر هذه الوقفة السنوية محطة لاسترجاع أمجاد الساحة الثقافية الجزائرية مجسدة في الفن الرابع، وتبيان أهميته في تنوير وتكوين النخب والفاعلين فيه، وهذا من خلال تحول العالم كله إلى مسرح كوني مثخن بالأحداث، ويروي تاريخ الشعوب ويشارك الناس الهموم.اليوم العالمي للمسرح، هو استذكار لما قدمه عمالقة أبي الفنون على مر السنين، وهو أيضاً مناسبة لتثمين عطاءات جنود الظلّ، على منوال نشطاء الحركة المسرحية في مدينة تمنراست، التي كانت ولا تزال محضناً لملحمة التحدي.
مسرح "تمنراست"، هذه الشعلة التي تتوهّج إبداعا، وأنجبت عشرات الأعمال والأعلام مثل وهيبة باعلي وعبد القادر عزوز وغيرهما.عشرات اللوحات صنعها أبناء تمنراست الذين تحدوا الشعور بانتفاء وحدة الزمن، ودار الثقافة الواحدة الوحيدة، وراحوا يحصدون عشرات الجوائز داخلياً وخارجياً عن مسرحيات "ريق الشيطان"، "الرماد"، "وهب في وادي الضياع" (عمل للأطفال)، وجوه، مخاض الملائكة، رقصة الموت وغيرها.إنّ الاشتغال المكثف على المسرح في تمنراست سمح باستكشاف جوانب هائلة في الموروث الوطني بالعربية والأمازيغية، وأسهموا بقسط وافر في نشر المسرح عبر كثبان الجنوب.المسرح يبقى بالنسبة لأبناء تمنراست، نضال، وهم يناضلون ضدّ تحويل المسرح إلى فولكلور، ويشددون على تفعيل مسرح الجنوب لإنضاج وعي فكري.
هذه التجربة المسرحية على الرغم من تذبذبها في الآونة الأخيرة باعتراف الفاعلين في الشؤون المسرحية، إلا أنها تشكّل في المقابل حافزا أسهم في إنضاج الأفكار والرؤى والتصورات حول ملامح تجربة مسرحية فريدة.أتصور أنّ الحركة المسرحية في مدينة تمنراست، تستطيع النهل من أشكال مسرحية مغيّبة، والاستثمار في تراث الإمزاد الشهير جنوب البلاد وهو شعر ملحمي يمتد رصيده إلى ما يزيد عن القرنين ونيف، ويتجلى في منظومة تحمل في كثير من الأحيان بصمات البيئة المحيطة بقبائل الطوارق.
هذا التراث الغنائي النادر يوفر الاستعراض والفرجة وهما قوام أي لعبة مسرحية، ويقوم الطوارق أو كما يُشتهرون بكنية "الرجال الزرق" بتأدية رقصات جماعية ريتمية في قالب حكائي درامي، يرتدي خلالها الممثلون ألبسة حربية وينخرطون في حركات متناسقة وفق قالب كوريغرافي خاص مؤثث بإيقاع شعري موسيقي يستحضر ''شعر العزلة''، ''شعر الشرود ورونق الصحراء''، ''فن الآياي" وهي أغان مقدّسة لدى الطوارق، وتحضر فيه نسوة تتشحنّ بأجمل ما لديهنّ من حلي ولباس، تعزفن على إيقاع رقصات ''التيندي''، ''الجاقمي'' و''التاكوبا''.إلى جانب ما تقدّم، نشير إلى طابع" الهول " وهو إبداع راسخ في الثقافة الحسانية الرائجة بولاية تندوف، وترتبط هذه الثقافة بفئة إجتماعية تحترف هذا الفن، وتظل موسيقى "الهول" حاضرة بإستمرار في ذاكرة ووجدان وحياة السكان المحليين ومصاحبة لهم في كل لحظات وجودهم .وتبدأ عروض الهول بالعزف على مقام يسمى "كر" المخصص لذكر الله والرسول المصطفى، قبل الإنتقال إلى العزف على المقامات الأخرى المسماة "أظهورت الهول" و التي تتناول موضوعات أخرى كالنسب والفخر والحماسة. وتقوم فئة أخرى بأداء عروض رقص وتشخيص تمثيليات هزلية قصيرة مستعارة من التراث الشعبي الحساني تجسد من خلالها بعض المظاهر الإجتماعية السائدة بالمنطقة، وتعزف الفرقة في المراحل الأخيرة للسهرة مقام يسمى "لبتيت " وهو آخر بحور الشعر الشعبي الحساني ومعناه "البت" أي القطع، وعندما يسمع المتفرجون العزف في هذا المقام يستعدون إلى الانصراف لأنه يعبر عن نهاية السهرة. ويشكل الهول نزعة تصوفية ويمثل قيمة سامية عند الحسانيين الذين نزحوا من اليمن إلى الجزائر، لذا يعتبر حضور الهول أساسيا في سائر الأعياد والمناسبات وكذا مختلف المسامرات الليلية والرقصات الفردية والجماعية، وأيضا أثناء المواعيد الدينية ومختلف مظاهر الأفراح الاجتماعية. وأصدقكم القول أنّ المسرح دائما في حالة صراع مع مشاكله وواقعه، والأهم هو تقييم الذات بموضوعية، والأكيد أن المسرح الجزائري ليس في أسوأ حالاته، بل العكس يواصل تحدياته وبوتيرة متفاوتة صعودا ونزولا، فثمة إيجابيات وأيضا سلبيات نعمل على تفاديها مع كل عملية إنتاج جادة.ويأتي اليوم العالمي للمسرح كل سنة وفي نفس التاريخ 27 مارس ليزيدنا إصرارا وإصراراً على كسب المزيد من التحديات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)