بينما انطلق الجانب الفرنسي في الاحتفال بما يسميه مرور خمسين سنة على ''حرب الجزائر''، من خلال نشر العديد من الكتب، وعرض باقة من الأفلام التلفزيونية الوثائقية، مازال الجانب الجزائري بعيدا كل البعد عن الحدث، واضعا تاريخ الخامس من جويلية المقبل، موعدا للشروع في التحضير للاحتفاء بخمسينية استقلال الجزائر، وهو ما وجد فيه المخرج أحمد راشدي تماطلا وتقاعسا يخدم الرواية الفرنسية، ويؤثر سلبا على المرجعية التاريخية للجيل الحالي، ويصفه المؤرخ محمد عباس بغرق الجانب الجزائري في المصالح الآنية. أما دور النشر فاعتذر أصحابها عن الحديثفي الموضوع، إلا قلة قليلة، ''خوفا'' من ضياع صفقات الملايير.
المخرج أحمد راشدي ل''الخبر''
''لو كانت الخمسينية حدثا كرويا لما تأخرنا في التحضير لها''
* التظاهرات القائمة في فرنسا خدمت كثيرا انتخاباتهم
* غياب المراجع والأنتلجنسيا جعلنا نستورد تاريخنا من فرنسا
* يفترض بنا الآن التحضير لستينية الثورة وليس خمسينية الاستقلال
أعاب المخرج أحمد راشدي ''تأخر'' الجانب الجزائري في التحضير للاحتفال بخمسينية الاستقلال، مقارنة بما هو قائم في فرنسا، مرجعا السبب إلى كون الثقافة هي آخر اهتمامات الدولة الجزائرية. وأقرّ في حوار مع ''الخبر''، بأن هذا ''التماطل'' و''التقاعس''، من شأنه خدمة الرواية الفرنسية والتأثير سلبا على المرجعية التاريخية للجيل الحالي.
حضرت، مؤخرا، عددا من التظاهرات المندرجة ضمن احتفال فرنسا بما تسميه ''نهاية حرب التحرير في الجزائر''، هل لك أن تنقل لنا بعض أجواء التحضيرات هناك؟
في زيارتي الأخيرة إلى فرنسا، توقفت عند العديد من التظاهرات الثقافية التي تنصب في خانة الاحتفال بالذكرى الخمسين لما يسمى ''نهاية حرب التحرير في الجزائر''، وقد لاحظت أن العدد الضخم من التظاهرات القائمة هناك، خدم كثيرا الانتخابات الرئاسية، حيث لفت انتباهي أن الجهات الوصية أولت اهتماما غير مسبوق بالثورة التحريرية والعلاقات الجزائرية الفرنسية عبر العصور.
أنت لست راضٍ عن الرؤية الفرنسية للتظاهرة؟
صحيح أنه من حق فرنسا استعمال هذه الطرق للترويج لروايتها التاريخية. لكن، بالمقابل، يجب أن نخطو خطوة فعالة للتصدي لنواياهم المبيتة، إذ هناك مجلات علمية لا علاقة لها بالسياسة، خصصت حيزا معتبرا من صفحاتها لحرب التحرير، كما أن ثمة تجنيدا واسعا للإعلاميين، الكتاب، المؤرخين، السينمائيين.. وغيرهم، ناهيك عن عرض تشكيلة من الوثائق المصوّرة التي لا تزال محظورة بالنسبة إلينا، وكذا آلاف الأمتار من الأفلام التي صوّرت إبان الثورة التحريرية، ولم نستطع مشاهدتها إلى حد الساعة، علما أنه تم تمديد منع مشاهدتها من 60 إلى مائتي سنة.
وماذا عن النقاش الذي أعقب عرض فيلم ''بن بولعيد''؟
حتى النقاش لم يسلم من تسليط الضوء على مشاهد معينة من الفيلم دون سواها، كتلك التي تتعلق بزعيم حزب الشعب مصالي الحاج، لدى الزيارة التي قادته إلى منطقة الشرق الجزائري سنة 1949، وكذا تعدد الأحزاب في الجزائر آنذاك، كحزب الشعب، الحزب الشيوعي، حزب أحباب البيان والحرية.. وغيرها، إلى جانب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، علما أن الشهيد مصطفى بن بولعيد يعد إرهابيا من وجهة نظر الفرنسيين.
موازاة مع كل ما ذكرت، ألا تعتقد أننا تأخرنا في التحضير للحدث؟
لا أعتقد أننا تأخرنا فحسب، بل من المستحيل أن نواكب الحدث الآن، وهذا كله راجع إلى ذهنية المناسباتية التي ينبغي أن نضع حدا نهائيا لها. ففي الوقت الذي فرغت فرنسا من إنجاز الأفلام وإصدار الكتب.. وما شابه ذلك، مازلنا نحن حبيسي الصراعات الداخلية التي رافقت الثورة التحريرية.
ما دوافع هذا التأخر في نظرك؟
صدقيني أنني لم أفهم بعد لِمَ كل هذا التماطل والتقاعس، رغم قناعتي الراسخة بأن الثقافة هي آخر اهتمامات الدولة الجزائرية، الأمر الذي يجعلني أقرّ بغياب مشروع ثقافي واضح في الجزائر، فلو كانت الخمسينية حدثا كرويا لما تأخرنا في التحضير لها، بدليل الأموال الطائلة التي تضخ لقطاع الرياضة، كما أن غياب المراجع والأنتلجنسيا جعلنا نستورد تاريخنا من فرنسا. لذا، فإنه يفترض بنا الآن التحضير لستينية الثورة وليس خمسينية الاستقلال.
وما هو التصوّر الذي تراه مناسبا للاحتفال بخمسينية الاستقلال؟
كان جديرا بنا ضبط برنامج ثري ومنوع، نبيّن خلاله آراءنا ووجهات نظرنا في كثير من المسائل، كفتح منابر للحوار والنقاش فيما بيننا وبين نظرائنا الفرنسيين، قصد توضيح الرؤى ورفع اللبس عن القضايا العالقة، ولاسيما في ظل تركيز الجانب الفرنسي على البعد الإيجابي للاستعمار دون سواه.
ألا تظن أن عدم وجود بديل من الجانب الجزائري، سيؤثر سلبا على المرجعية التاريخية للجيل الحالي؟
صحيح أن ثمة من بإمكانه غربلة الأمور وتصفيتها من الشوائب. لكن، بالمقابل، ثمة أيضا من بإمكانه اتخاذ ما تسوّق له فرنسا بمناسبة الخمسينية واقعا وحقيقة، وهو ما سيؤثر سلبا على المرجعية التاريخية للجيل الحالي.
فنّدت ما صرحت به وزيرة الثقافة بخصوص انطلاق تصوير فيلم ''أسوار القلعة السبعة''، هل من مستجدات؟
لا جديد يذكر، فالوزارة لم تمنحنا سوى 35 بالمائة من الميزانية التي طلبناها لإنجاز العمل، غير أن التباحث لا يزال قائما. ففي حال موافقتها على منحنا ما طلبناه فإننا سنشرع حتما في التصوير، وإلا فإن المشروع سيظل حبيس الأدراج إلى أجل غير مسمى. وأحيطكم علما، أننا لم نتصل بأي قناة خاصة لغرض التمويل، لأنني شخصيا أعتبرها قنوات أجنبية، كما أنه في غضون السنوات الخمسة الماضية، أودعنا لدى مصالح التلفزيون الجزائري 42 مشروعا، لم يلقَ أي منها ردا إلى يومنا هذا.
يرى أن فرنسا تمارس نوعا من الغزو الدائم عبر نافذة التاريخ
محمد عباس: ''الجانب الجزائري غارق في المصالح الآنية''
يرى المؤرخ والكاتب الصحفي، محمد عباس، أن فرنسا مازالت تغرقنا في روايتها حول ما حدث في الجزائر قبل 50 سنة، واصفا إياها ب''الدولة العظمى'' التي لها من الإمكانات البشرية والمادية، ما يؤهلها لإصدار كتب عديدة وإنجاز أفلام ضخمة، بمناسبة ما تسميه ''نهاية حرب التحرير في الجزائر''. وأعرب محمد عباس، في اتصال مع ''الخبر''، عن أسفه الشديد إزاء تزامن الاحتفال بالذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية مع انشغال المنظمة الوطنية للمجاهدين بمؤتمرها الحادي عشر، وانهماكها في التحضير للتشريعيات القادمة، الأمر الذي جعل الجانب الحدثي يطغى على نظيره التاريخي، حسبه. وأوضح عباس بأن من بين نقائص الجزائر بعد الاستقلال عدم اهتمامها بالتاريخ، معقبا: ''فنحن المنتصرين، ويفترض بنا أن نسبق فرنسا إلى كتابة روايتنا، نظرا لما تحمله من مصداقية تاريخية''.
وأضاف المتحدث أن ''روايتنا التاريخية تحمل رسالة نبيلة تهمّ الشعوب المقهورة والمستعبدة، حتى تستلهم منها وتحرر نفسها من أغلال الاستعمار وبقايا الاستعمار''. وتابع: ''للأسف، لقد تخلفنا كثيرا ومازلنا نتلقى ضربات موجعة من فرنسا التي لا تتقاعس في الترويج لروايتها المزعومة''. كما يرى محمد عباس أن فرنسا تمارس نوعا من الغزو الدائم على الجزائر عبر نافذة التاريخ، في الوقت الذي لم يتفق الجانب الجزائري حتى على عناوين الكتب والسيناريوهات التي من شأنها التسويق لروايتنا التاريخية، وبالتالي كسب الرهان والتحدي. وقال عباس: ''حتى الأحزاب السياسية العتيدة، كحزب جبهة التحرير الوطني، نجدها محمومة بالترشيحات وغارقة في الخلافات والصراعات الداخلية، ما جعل المصالح الآنية تطغى على المصالح الاستراتيجية''.
وعن إمكانية تبني الجيل الحالي الرواية التاريخية الفرنسية، في ظل عدم تقديم البديل، أكد المتحدث أن ''التأثر لم يعد مقتصرا على الجيل الحالي فحسب، بل تعداه إلى النخب الحالية، لأنها لم تجد البديل''.
بين التزلف والحذر
''كتب الملايير''.. حدّث ولا حرج
''أعترف بأنني جبان ولكنني أغلف جبني بشيء من الحكمة''، بهذا الاعتراف الجريء، لخص أحد الناشرين واقع فئة ليست بالقليلة من الناشرين الذين فقدوا الرغبة فجأة في مناقشة واقع الكتاب في الجزائر بصراحة ووضوح، وتأخر الناشرين الجزائريين عن مواكبة الحدث والاحتفاء بخمسينية الاستقلال، أمام إغراء صفقات الملايير التي تتطلب قدرا كبيرا من التزلف والحذر، لأن أي كلمة لا تصب في غير ما يحب ''ولي النعمة''، قد تفقدهم في يوم واحد ما كان سيغنيهم عن جهد سنوات وسنوات من العمل المضني.
وربما كان حسان بن نعمان أكثر جرأة عندما قال ''سترون العجب خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر''، وأضاف بأكثر وضوح ''هناك ناشرون يعلقون أرقام هواتفهم وإعلانات بمعاهد التاريخ، لنشر أي عمل حول تاريخ الجزائر، بغض النظر عن نوعيته، فقط من أجل الحصول على أكبر قدر من أموال مشروع اقتناء الكتب التاريخية خلال خمسينية الاستقلال''.
معركة أخرى تحدث عنها حسان بن نعمان من أجل شراء حقوق نشر كتب تاريخية في الخارج، حيث يشير إلى أن ''عنوانا واحدا حول الثورة وراءه قائمة من الناشرين الذين يرغبون في شرائه''.
وإذا كان التنافس على شراء حقوق نشر الكتب وإعادة النشر أمرا مشروعا في عالم الكتب، وحتى التنافس من أجل نشر أكبر عدد من الكتب التاريخية والاستفادة من أكبر قدر ممكن من الأرباح، فإن كل هذه الملايير والصفقات تؤدي إلى خنق الحركية الثقافية في الجزائر بدل تفعيلها، وتحويل فن نشر الكتب إلى تجارة تفتقد إلى الحرفية والأخلاق، وجعل الكتاب سلعة لا فرق بينه وبين أي سلعة أخرى، خاصة عندما نسمع من الكثير من الناشرين أن صفقات اقتناء الكتب لا تتم بالشفافية المطلوبة، وهذا الأمر يتطلب تسليط ضوء أكبر لفهم طبيعة الحرب الصامتة التي تجري في الكواليس حول ''كتب الملايير''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 24/04/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : كهينة شلي القسم الثقافي
المصدر : www.elkhabar.com