الجزائر

تلمسان قبل العهد الزياني



تقع مدينة تلمسان على ارتفاع 830م عن سطح البحر و يحيط بها جبال و هضاب صخرية و مرتفعات، ترارة و لالة ستي و فلاوسن و سبع شيوخ و تاسلة، و تشرف على سهول خصبة مثل سهل الحناية و لالة مغنية، و لا تبتعد عن البحر كثيرا، بحيث تطل على موانئ هنين ووهران و ارشقول، و تتوفر على مسطحات مائية عديدة تختزن كميات هائلة، فضلا عن الأودية المحيطة بها مثل وادي متشكانة و وادي الوريط و وادي الصفصيف ووادي يسر. فقد جعلها موقعها المميز هذا تفتح أبوابها لتجارة اروبا و المغرب و المشرق و جنوب الصحراء( بلاد السودان)، اتخذت مدينة تلمسان أسماء عديدة منذ نشأتها و عبر مراحل تاريخها القديم و الوسيط، عرفت الاستقرار البشري منذ آلاف السنين، فوجدت بها أدوات الإنسان القديم و الآثار الرومانية و البزنطية، اتخذ منها الرومان مستقرا لهم بعد تشييد مدينة " بوماريا"، و لكن لا يعني هذا أن الرومان هم أول من سكنوا هذه المنطقة وشيدوا بها العمران ، بل استقر بها السكان الأصليون من المور و زناته،و لاشك أنهم بنوا لهم مدينة يستقرون فيها، و لاسيما و أن المدينة ظاهرة قديمة عرفها المغرب الأوسط في الألفية الثانية قبل المسيح سواء كان ذلك في الساحل أو في الداخل. بزوال "بوماريا" ظهرت مدينة اقادير أو اكادير أو اجادير اليفرنية الزناتية أقاموها للاحتماء بها من غارات قبائل الصحراء الرحل، فالنصوص تشير إلى انها بنيت قبل الإسلام و أنها أزلية و أنها جدار يعود الى عهد موسى عليه السلام و أن اسمها "فنيقي" أي أنها اسبق للوجود من "بوماريا"، فمن خلال ذلك يمكن اعتبارها اسبق من مدينة "بوماريا" في النشأة، و إن النطق الصحيح لها هو "اكادير" وعليه يمكن ترتيب اسماء المدينة ترتيبا زمنيا : اكادير، بوماريا، و تلمسان. أما في العهد الإسلامي فمنذ دخول تلمسان في دائرة الإسلام و العروبة في عهد ابي المهاجر دينار، و مر عليها القائد عقبة بن نافع الفهري، و استقر بها موسى بن نصير. الذي بنى فيها مسجدا و دارا للإمارة، و اتخذ منها طارق بن زياد مسكنا مفضلا يقيم فيها مع زوجته أم حكيم و جنده و هيئة أركانه، على حدود ولاية طنجة الشرقية يدير منها شؤون المنطقة الغربية لبلاد المغرب، استقبل فيها ابنتي الكونت يوليان حاكم مدينة سبتة كرهينتين و ضمان لصحة نواياه و صدق كلامه، لأنه حث طارق على غزو الأندلس، فأقرهما طارق إلى جانبه بمدينة تلمسان، و قد شارك أهل تلمسان في فتح الأندلس إلى جانب طارق و جنوده سنة 92هـ/710م. و في القرن الثاني هجري/ الثامن ميلادي، أصبحت تلمسان عاصمة الإمارة مستقلة عن الدولة الأموية في دمشق و الدولة العباسية في بغداد، استقل بها زعيم قبيلة مغيلة التلمسانية: ابوقرة المغيلي الزناتي الذي استطاع ان يوفر الحماية لعبد الرحمان الداخل الأموي،الشريد الطريد من بلاد المشرق، أثناء إقامته في بلاد المغرب و شجعه و قدم له يد المساعدة في استلائه على إمارة الأندلس سنة 138هـ/755م ، لإحياء دولة أجداده في هذه المنطقة بالمال و الرجال التلمسانيين. ثم انتقل حكم مدينة تلمسان إلى زعيم تلمساني آخر هو محمد بن خزر المغراوي الزناتي سنة 170هـ/786م، و حكمها الادارسة في مراحل من تاريخها. انتقل حكم المدينة خلال النصف الأول من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي أيام الفواطم الشيعة إلى أمراء محليين من مغراوة و بني يفرن و تداولوا على حكمها و قيادتها و أعلنوا ولاءهم للخليفة الأموي السني المالكي الأندلسي و خلعوا طاعة الفواطم، و بالتالي أعادوا الاعتبار للمذهب السني المالكي في المنطقة قبل الزيريين و الحماديين بنحو قرن من الزمن، و المرابطين بنحو قرن و نصف قرن من الزمن، و استمر التلمسانيون يمدون يد العون للدولة الأموية في الأندلس بالفرسان الزناتيين لحماية الخلافة في قرطبة و الدفاع عن حياض الإسلام و بيضته من الاسترداد المسيحي. استفادت تلمسان من خدمات المرابطين بتشييد مدينة جديدة هي "تاكرارت" ، و جعلوها مقرا لحكمهم . و هيأ لها الموحدون بقيادة عبد المؤمن بن علي الندرومي المناخ الملائم لكي تتبوأ مركزا إقليميا هاما له وزنه السياسي و العسكري و الاقتصادي و الثقافي و مكانة مرموقة في المغرب الأوسط منذ الاستلاء عليها سنة 547هـ/1152م.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)