الجزائر - A la une

"تلاميذ الجزائر يقرؤون الكتاب بمعدل دقيقتين سنويا"




إن المؤلف يكتب أيا كان دافعه في ذلك عائد مادي أو ترف فكري أو حس إبداعي، ليأتي الناشر ويجد منتوجا هو الكتاب، وهو بالنسبة له سلعة يقوم بنشرها لتوزع على المكتبات التي تطرحها بدوها في السوق ثم يجيء دور القارئ الذي يختار ما يهمه أو يجذبه منها، وقت ذاك صار عندنا كتاب وقارئ، وهذه السلسلة هي التي توجه سوق الكتاب، بينما في حقيقة الأمر يفترض أن مفهوم القارئ استنادا للمعايير المتعارف عليها هو الذي يفرض قيمه ورغباته على السوق وليس العكس، أي أنه الفاعل المركزي الذي يضبط معادلة الكتاب.
نايلة باشا
والحقيقة أنه من الانعكاسات السلبية لهذا الوضع، أنه لا توجد قابلية للقراءة، وهو ما يخلق أزمة التلقي. ولهذا نحاول التطرق إلى حيثيات هذه الأزمة بطرح التساؤل الآتي: "إلى ما ترجع هذه الأزمة إلى سياسة التسويق؟ أم إلى غياب النوعية أم إلى الكاتب والقارئ؟
خالد معمري: "الفرد الجزائري يقرأ نصف كتاب في السنة... والطفل الجزائري يقرأ في السنة دقيقتين"
أكد الباحث والأكاديمي الجزائري خالد معمري أن الفرد الجزائري يقرأ من الكتاب في السنة نصف كتاب، ربما هذا وحده يكفي لكي نقر بأن هناك أزمة كتاب والطفل الجزائري يقرأ في السنة دقيقتين، وهذا أيضا مبرر للقول بأن هناك أزمة مقروئية نقول هذا والجزائر تشهد ديناميكية ثقافية منذ بداية الألفية الثالثة ترجمتها احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وتساءل معمري هل يعد هذا الحراك الثقافي مؤشرا على أن الجزائري بدأ يقرأ بعيدا عن لغة الأرقام والمعطيات؟ وقال أن هناك أسباب وعوامل تدفع نحو هذا الوضع، لكن أطراف الكتاب كالصناعة والقراءة كثقافة هم ثابتون وبين القارئ والكاتب والناشر والمكتبي تتباين التفسيرات وتختلف الرؤى، فالقارئ يرى أزمة المقروئية في تكلفة الكتاب بينما يشخصها الناشر في غياب دعم الوصاية وهذه الأخيرة تقول أنها تكرس صندوقا لدعم الكتاب، ترى كيف نفسر هذه المعادلة؟
وأضاف معمري "تبدو من الوهلة الأولى الأسباب التي تدفع لعدم الإقبال على القراءة وكأنها مقتصرة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، فالفقير لا يقرأ لعدم قدرته على التمدرس أو شراء الكتب، وكذلك الأمي الذي لا يعرف القراءة أصلا ولأن نسبة الفقر والأمية كبيرة فمن الطبيعي أن تنعكس على معدلات المقروئية لكن بعيدا عن هذا التشخيص وحتى لا يتم حصر الأزمة في هذه الأسباب فقط سننطلق من تثبيت مسلمتين أساسيتين أولهما القراءة مرتبطة بالإنتاج، وعليه فنحن لا نقرأ لأننا لا ننتج فالشاعر والكاتب والروائي يطبع في أحسن الأحوال ألف نسخة من مؤلفه ولا يباع منها إلا النصف وثانيها سعر الكتاب لا يتناسب ومتوسط دخل الأفراد حيث يشكوا الجزائري من ارتفاع ثمن الكتاب لذلك هو برأيه لا يحتل مكانة أولية في سلم اهتماماته".
.. عبد الحكيم بحري: "الجزائر تحتاج إلى تجربة أدبية كبيرة لتنهض بمجال الأدب"
قال عبد الحكيم بحري مدير دار بهاء للنشر والتوزيع أن الإنسان هو عبارة عن أخلاق ومفاهيم ومعارف مكتسبة تصنع من الفضول، المعرفة والتكوين الذاتي، لأن كل فرد في المجتمع يصنع نفسه وشخصيته ، وأضاف بحري أن هذا ما أكده عبد المنعم محمد خلاف صاحب كتاب " أؤمن بالإنسان" الذي يطرح فيه فكرة أن الإنسان هو عبارة عن أسس يصنعها هو بنفسه، ولهذا نعتبر أن المحيط الذي يتعايش معه الإنسان يؤثر عليه .
كما أكد عبد الحكيم بحري أن الجزائر تحتاج إلى تجربة أدبية كبيرة لتنهض بمجال الأدب، إذ صرح أن هناك دائما مهتمين من المكاتب الدولية مثل مكتبة الكونغرس الأمريكية ومكتبة طهران الإيرانية التي لها فرع للكتب باللغة العربية التي تبحث دائما عن الإصدارات الجديدة، لكن هنا في الجزائر وعلى سبيل المثال لدي مكتبة في جامعة قسنطينة لكنها لا تبحث عن الإصدارات والكتب الجديدة .
وأكد أن السبب الرئيسي هو مشكلة التوزيع التي تكلف لدار النشر أموال الباهظة، خاصة وأن الجزائر مساحتها شاسعة مما يكلف توزيع الكتب إمكانية كبيرة لهذا يفضل الناشر أن يشارك في محافل ومعارض دولية تضمن له الربح .
.. جميع الدول العربية بلا استثناء تملك نسبا متدنية جدا من فئة القادرين على القراءة
وكشف الباحث خالد معمري أنه وللأسف عندنا في الجزائر –وحتى في العالم العربي- معادلة القراءة تسير في اتجاه مقلوب حيث أن المؤلف يكتب أيا كان دافعه في ذلك عائد مادي أو ترف فكري أو حس إبداعي، ليأتي الناشر ويجد منتوجا هو الكتاب، وهو بالنسبة له سلعة يقوم بنشرها لتوزع على المكتبات التي تطرحها بدوها في السوق ثم يجيء دور القارئ الذي يختار ما يهمه أو يجذبه منها، وقت ذاك صار عندنا كتاب وقارئ، وهذه السلسلة هي التي توجه سوق الكتاب، بينما في حقيقة الأمر يفترض أن مفهوم القارئ استنادا للمعايير المتعارف عليها هو الذي يفرض قيمه ورغباته عل السوق وليس العكس، أي أنه الفاعل المركزي الذي يضبط معادلة الكتاب.
و أضاف قائلا: "الحقيقة أنه من الانعكاسات السلبية لهذا الوضع، أنه لا توجد قابلية للقراءة والأكثر من ذلك، هناك تشكيك في القدرة على القراءة واذكر هنا أن إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة قامت باستبيان عن وضع القراءة في العالم العربي وتوصلت في محصلته إلى أن جميع الدول العربية بلا استثناء تملك نسبا متدنية جدا من فئة القادرين على القراءة، وربما هذه الفئة تبرز عندنا بشكل واضح".
و أكد معمري على ضرورة التفريق بين فئة لا تملك قابلية للقراءة وأخرى لا تملك صفة القدرة أصلا، ولذلك نجد أن تشخيص وضع الكتاب في الجزائر دائما ما يتم بمحاكاة الفئة الأولى من خلال البحث في مسببات عزوفها عن القراءة.
محمد الطاهر قرفي رئيس نقابة الناشرين الجزائريين:
"صناعة الكتاب ثقافة وليست تجارة"
قال محمد الطاهر قرفي أنه بالنسبة لدور النشر وهي محور عملية صنع الكتاب حيث بدون ناشر لا يوجد كتاب فإن عملية النشر صارت في أحيانا كثيرة نوعا من المغامرة والمجازفة خاصة في ظل ظاهرة العزوف عن القراءة، وبخصوص طبيعة مهنة النشر وواقعها في الجزائر وانعكاساتها على أزمة المقروئية.
وأضاف أن علاقة الناشر بالكتاب غالبا ما تكون علاقة تجارية بينما يفترض أنها علاقة ثقافية، فالكتاب ينظر له كمجرد سلعة تباع وتشترى وليس كوسيلة تعليمة وتربوية، وهذه الوضعية قد لا يكون الناشر دائما هو المتسبب فيها إنما هي نتاج للوضعية العامة للكتاب في الجزائر، وفي هذا السياق يقول محمد الطاهر قرفي رئيس نقابة الناشرين الجزائريين: "إن مؤسسات النشر تعيش مرحلة اللاستقرار تعيق عملها نتيجة لقلة الوسائل والإمكانات المادية، فالبنوك على سبيل المثال لا تعترف بالنشر كنشاط صناعي ومرد ذلك أن الكتاب منتوج غير ضامن لاعتماد مالي" وأولى تبعات هذا الوضع هي اللجوء إلى الكتاب المستورد الذي يتحمل أعباء أقل من الكتاب المنتج محليا لأن رسوم هذا الأخير كبيرة جدا، أما الأمر الذي يزيد من مخاوف دور النشر فهو تزايد العقبات والعراقيل الإجرائية التي تعيق عملهم خاصة السياسة الجبائية المعتمدة والتي تشجع على الاستيراد كبديل للمنشور الجزائري وان بصفة غير مباشرة.
حسان نعمان مدير دار نشر الأمة:
"القارئ الجزائري لا يعتبر الكتاب ضمن أولوياته"
كشف مدير دار نشر الأمة حسان نعمان أن أزمة التلقي تحتمل العديد من الاحتمالات فيمكن أن نقول أن أزمة التلقي ترتبط بالوعي الثقافي، وكذا بالمستوى التعليمي، وأضاف أن الحقيقة الموجودة في الجزائر اليوم هو أن القارئ والكاتب الجزائري لا يعتبر الكتاب ضمن أولوياته إلا فئة قليلة جدا تعد على الأصابع، التي تهتم في الأغلب الأحيان بالكتب التي تصدر أحداث تاريخية أو الكتب النفعية التي تنشر المنهاج الدراسية ولهذا لأن البعض يرى أن الانغماس في الحياة المادية، وانشغال الناس بتدبير أمورهم المعيشية هو السبب حيث لا يجدون وقتاً كافياً للمطالعة.
أضاف حسان بن نعمان أن هناك تقصير من طرف البيت والمدرسة معاً في محاولة غرس عادة القراءة في نفوس الناشئة منذ الصغر، لأن القراءة والمطالعة هي صفة مكتسبة وبالتالي إن لم يروض التلاميذ والطلاب عليها فإنهم يشبون وهم لا يدركون أهمية القراءة، وقال أن الطفل اليوم يتبرم بالكتاب المدرسي المقرر، وسرعان ما يلقونه بعيداً عنهم بعد فترة الاختبارات، ويعتبرون أنفسهم في إجازة عقلية، وهذا أمر خطير على المتعلمين الذين سرعان ما ينسون كل ما تعلموه بعد تخرجهم، ولا يلتفتون إلى تثقيف أنفسهم عن طريق المطالعة الخارجية، بعد تركهم لمقاعد الدراسة وهو ما يعبر عنه بأنه أزمة ثقافية عامة.
الباحث خالد معمري: الجامعات لا تهتم بالمكتبات
قال الباحث والأكاديمي الجزائري خالد معمري أن هناك تراجعا مستمرا في استهلاك المادة الثقافية والكتاب على وجه الخصوص. حيث تشير الأرقام إلى تدني معدلات القراءة مقارنة بمراحل سابقة، وأوضح معمري أن نسبة المقروئية محترمة في مرحلة السبعينيات التي عُرفت في الأوساط الثقافية بعصر القراءة الذهبي وهذا راجع بالأساس لاعتبارات اقتصادية كانخفاض أسعار الكتب من جهة والدعم الرسمي المباشر للكتاب من جهة ثانية، لكن مع بداية الثمانينيات بدأت معدلات القراءة في التأخر خاصة مع انحصار صناعة الكتاب على الشركة الوطنية للنشر والتوزيع.
وقال الباحث معمري أن هناك غياب كلي للدور التوجيهي والتحسيسي الذي تلعبه الأسرة والمدرسة في غرس ثقافة المطالعة لدى الطفل لأنه من لا يقرأ في الصغر لن يقرأ في الكبر، وقد أكدت وزيرة الثقافة لدى افتتاحها الصالون الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة على هذا الدور بقولها "إن المطالعة في الجزائر مسؤولية المدرسة التي عليها أن تتكفل بتحبيب القراءة لدى الأطفال"
وأشار إلى أن عدم إدراك القائمين على البرامج التربوية للأهمية الكبرى للمطالعة وغياب للمطالعة الموجهة كمادة محورية ومستقلة في المقررات التعليمية عكس ما هو حاصل في بعض الدول، إضافة إلى انعدام الحوافز التشجيعية للقراءة في كل الأطوار.
وأرجع معمري السبب في أزمة المقروئية إلى عدم انتشار المكتبات البلدية بالشكل الكافي الذي ينسجم مع المسعى الذي تروج له وزارة الثقافة بالاشتراك مع وزارة الداخلية وهو مشروع مكتبة لكل بلدية، وأضاف الباحث " حقيقة الأمر إننا لم ندرك بعد قيمة هذا النوع من المكتبات التي توفر منبرا للقراءة المجانية أمام المواطنين محدودي الدخل من جهة، كما تخلق فضاءا ثقافيا يتلاقى فيه القراء ويتبادلون الأفكار من جهة ثانية وفي النهاية نؤسس لما يمكن أن نطلق عليه بالقراءة التفاعلية، وفي هذا الإطار نسجل أيضا حالة عدم الاكتراث التي توليها المؤسسات الجامعية لمسألة المكتبة من حيث التمويل أو اقتناء الكتب".
كما تحدث معمري على سلبية الإعلام الثقافي في التعاطي مع موضوع الكتاب والقراءة في الجزائر، إذ وبرغم تخصيص الأقسام الثقافية في الصحافة المكتوبة لبعض المقالات التي يتم من خلالها عرض لأهم الإصدارات والكتب إلا أن ذلك لا يرتقي لمستوى لعب دور نقدي يدفع لخلق جيل قارئ.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)