يبدو أنه لا حدود لسيطرة ”الملالي” وهيمنتهم، فصعود الإسلام السياسي الشيعي ممثلا في حزب الله وأنصار الله الحوثيين في اليمن، وعشرات المتحولين إلى مربع التمدد الإيراني برافعة التشيع السياسي لم يقرأ بعد بشكل جيد خارج أقواس ”الطائفية” و”الصفوية” وإلى آخر دفاعات الإسلاميين الهشّة التي تزيد من تعقيد المسألة وتركيبها، وبالتالي تأتي هذه الاصطفافات الطائفية بنتائج عكسية تماما، فحالة التثوير لليمن عقب أزمة صعدة، ثم لاحقا نزوع الإسلام السياسي والإخوان نحو الانفصال الأبدي عن جسد السلطة ومحاولة القفز من مراكب السلطة إلى الثورة إلى الفراغ إلى حثّ ”التطرف” ليقوم أيضا بدوره في بلد يقبع تحت مخزون سلاح لا يشبه أي موقع على كوكب الأرض.هذا المثال الصغير لتفوّق التشيع السياسي وصعوده يطرح من الأسئلة أكثر مما يحاول الإجابة، فما السر إذن في هذا التفوق في بلدان يشكل فيها أنصار ”الإسلام السياسي الشيعي” أقلية وأقلوية بالمعنى العدد والآيديولوجي، إذا ما علمنا الفوارق الهائلة بين المذهب الشيعي باعتباره مكوّنا متنوعا للفضاء الديني العام في الخليج إلى الإسلام السياسي الشيعي في المنطقة الذي، باستثناء حزب الله - الدولة، ظلّ تحت الأقبية والفعاليات السرّية التي لم تقترب أصلا من حدود واكتساح المعارضة السنيّة منذ منتصف السبعينات الميلادية.محاولة حشر ”سبب واحد ورئيس” في فهم هذا الصعود هو جزء من أزمة التسطيح في تناول أزمات المنطقة، والتي باتت مسرحا ليس للهواة فحسب، بل حديث أقانيم الإنترنت بما تحمله من طابع الثرثرة وصولا للهذيان السياسي أحيانا.الإسلام السياسي السني وبعض المسؤولين المنحازين لكتلة ”السنة” باعتبارها كتلة تعبر عن هويّة سياسية مضطهدة يرون أن السبب يكمن في تبني الولايات المتحدة والغرب وتساهلهم مع الإسلام السياسي الشيعي، ويعللون هذا التمكين بسبب عدم التورّط المباشر في العنف الفوضوي، إضافة إلى وجود بنية هرمية واحدة على مستوى التنظيمات والفكر والمرجعية الدينية والولاء للمناخ العام في طهران، بحيث تصبح كل الخلافات مجرد اختلاف في الدرجة وليس النوع، كما يقول أهل المنطق.آخرون يرون أن إيغال الإسلام السياسي السني ونزوعه نحو التطرف منذ انفصال وولادة ”القاعدة” عن جسد التيارات الإسلامية كان عاملا مهما وحاسما في التمييز بين الحركية العنفية والحركية التغييرية ذات الطابع السلمي كما يقال والتي أبان الربيع العربي مشكورا عن أنه ”مشروع انقلابي” ناعم وخشن في آن واحد، يهدف إلى الوصول إلى السلطة والانفراد بها ولو عبر شعار الديمقراطية وليس الحاكمية.والحال أن كلا التعليلين يحملان وجها من الصحّة، لكنها الصحة التي تخفي أعراضا أخرى لا يتم تشخيصها، وأهم ما في ذلك هو تجريد ملف السياسي من سياقه التكويني والتاريخي والتعامل معه كأنه طارئ تغول على المنطقة، ولم يكن صنيعتها ببطء وبمشاركة كل الأطراف لأسباب تغيرّت الآن مع تغير الداعي لها سواء في استخدام السلطة للإسلام السياسي أو اختراق الأخير لجسد وبنية السلطة، وهو أكثر تأثيرا من سابقه رغم الأعين التي تخطئ ملامح المشروع الانقلابي، الذي بدأ منذ أن تم تثوير ”الحالة السلفية” ودفعها باتجاه الحركية.على الضفة الأخرى كانت التراتبية الدقيقة والمعقدة التي يحملها المذهب الشيعي التقليدي قد انتقلت إلى الإسلام السياسي الشيعي الأنضج على مستوى آليات الحركة، والفصل بين الميليشيات وباقي الفعاليات الدينية، فالتنظيمات العنفية لا ترى نفسها ندا للتنظيمات الآيديولوجية أو حركات التمدد الناعم بأدواته الدعوية والشرعية، فالجميع متكاملون في خدمة المشروع العام، بينما حالة التنافس إلى درجة الاقتتال تسود المجموعات السنية منذ البداية وليس كما يشاع عقب الربيع أو الاصطدام بالسلطة، هناك تراث وإرث كبير جدا من الخصومة التي تبدأ بالردود العنيفة وقد تصل إلى حد هدر الدم والحكم بالردة.الإسلام السياسي الشيعي يتوسل السياسة بالسياسة وليس بشعارات دينية فوق مجتمعية ليتحولوا لاحقا إلى نخبة سياسية بقاعدة شعبية تم اكتسابها بشعارات دينية، ومن هنا وقع الإسلام السياسي في مأزق ادعاء شرعية مستقلة عن باقي المكونات الدينية، ومن جهة ثانية نافس التيار السلفي العريض ثم ابتلعه عبر تثويره سياسيا ليتشظى لاحقا مع صعود موجات العنف.الآن قد يدرك الإسلام السياسي ممثلا في الإخوان هذه القصّة، وتشير محاولات الانحياز إلى تركيا إلى ليس فقط تحويل النموذج التركي إلى نموذج تعممه الجماعة، لأن هذا شيء بعيد جدا، لكن الأهم أن الفضاء الديني العام في تركيا غير مهيأ للتصالح مع فكرة الإسلام السياسي ففي النهاية إردوغان يحاول القفز على الكمالية عبر القفز على القانون والاصطدام بالمكونات الاجتماعية المعجونة بحياة علمانية مدنية، من الصعب جدا على الأتراك التنازل عنها.أفلحت ”إيران” في تصدير ثورتها مع ضبطها، بينما فشل العرب والمسلمون السنة في إيجاد صيغة صحيّة لعلاقة الديني بالسياسي، إيران تقدم نفسها مع حلفائها وأذرعها السياسية في المنطقة ككتلة واحدة كبيرة قابلة للتفاوض؛ فإن ذلك قد تم برافعة طائفية عبر تصدير التشيع السياسي، وهو الأمر الذي قد يصعب القيام به بتكوين تحالف سني سياسي، ليس فقط بسبب ضبابية المفهوم السني بمعناه السياسي التحشيدي، ولكن أيضا لأن تحالفا كهذا، من شأنه أن يرتد على انقسامات داخلية عنيفة بسبب ما قد يسببه من موت محتم لمفهوم المواطنة الذي يعيش أكثر أوقاته حرجا، بينما يدعو بعض الإخوانيين أكثر من الإخوان أنفسهم أن تتجاوز المنطقة ما يصفه ب”المكارثية” ضد جماعته.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/10/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : يوسف الديني
المصدر : www.al-fadjr.com