يتحدث هذه الأيام رجال المال و الأعمال الجزائريون و نظراؤهم السعوديون و الإماراتيون عن ملامح شراكة استراتيجية بدأت ترتسم في الأفق بين الجزائر و دول الخليج العربي، تخص الاستثمار في عدة قطاعات واعدة، من خلال ضخ عشرات الملايير من الدولارات على شكل جرعات متتالية في جسم الاقتصاد الجزائري الذي يبحث عن متنفس خارجي بأخف الأضرار و التكاليف.و الحديث عن إرادة خليجية جادة للاستثمار في الجزائر ينسحب على دول مجلس التعاون الخليجي التي تتحرك كتلة واحدة للدفاع عن مصالحها و وجودها. و قد تأكدت النوايا عقب الزيارة التي قام بها إلى الرياض الوزير الأول عبد المالك سلال منذ أسبوعين أين استقبل استقبالا "ملكيا" كما لاحظته الصحافة الدولية، و كذا من خلال منتدى رجال الأعمال الجزائري و الإماراتي المنعقد أول أمس بالجزائر.الخليجيون و على رأسهم الذين ينتمون إلى الدول الأكثر غنى، وعدوا محاوريهم من الجزائريين الذين قدموا لهم قائمة موسعة من فرص الاستثمار التي لا تعد و لا تحصى في بلد قارة ، بتخصيص جزء كبير من الأموال الخليجية لإقامة مشاريع في مجال الميكانيكو الحديد و التعدين و الفلاحة و الأدوية، و هي قطاعات واعدة قد تسمح للشراكة المرسومة أن تكون رائدة و نموذجية بالنسبة للدول المهتمة بإقامة استثمارات على الأرض الجزائرية لغزو الأسواق الإفريقية التي يتسابق الجميع للظفر بها.الدول الخليجية التي وجدت ملاذا آمنا لها على التراب الجزائري، ما كانت تسمح لرجال أعمالها ليغامروا بضخ الملايير من الدولارات على بعد عشرات الآلاف من الكلومترات، لو لم تتوصل إلى تفاهمات سياسيةو دبلوماسية و أمنية و طاقوية مع الجزائر التي بذلت جهودا مضنية على مدار السنتين الأخيرتين لتوضيح الموقف الجزائري من الانقسام العربي إلى دول متناحرة.و قد لعبت الزيارة التي قام بها المستشار برئاسة الجمهورية الطيب بلعيز إلى السعودية العام الماضي، و كذا الزيارة الأخيرة للوزير الأول، دورا مفصليا في إقناع السعوديين الذين يقودون الخليجيين، بأن للجزائر مواقف مستقلة و لم تصطف يوما مع دولة عربية ضد دولة عربية، و أن الالتباس الذي قد يحصل في أذهان البعض ما هو إلا تفسير مجانب للحقيقة الجزائرية مما اصطلح على تسميته بالربيع العربي.و ليس خافيا على أحد من المتتبعين للتحولات العميقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط و الحروب الدائرة في سوريا و العراق و اليمن، أن دول الخليج تتهدّدها مخاطر جادة من كل مكان، ابتداء من المد الشيعي الزاحف على المنطقة العربية و الذي التهم العراق و اليمن في انتظار سوريا و خطر النووي الإيراني، مرورا بمحاولات السلطان العثماني باسترداد الخلافة التاريخية، و حتى مصر التي موّلوها للإطاحة بالرئيس الإخواني مرسي لم تعد على وئام كبير مع محور الرياض.و هي تحديات إقليمية كبيرة تواجه الدول الخليجية في كينونتها، بالإضافة إلى ظاهرة الإرهاب التي اختلطت خلطاتها على الفاعلين الذين لم يعودوا يفرقون بين الجماعات المسلحة لكثرة المتدخلين في النزاعات المسلحة، حيث لا نجد جماعة مسلحة واحدة لا تحظى بدعم و لو دولة واحدة.كما أن الدول الخليجية التي كانت تحظى بعلاقات متميّزة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، قد وصلتها رسالة سلبية من الجمهوريين الذين يريدون متابعة السعودية على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر الشهيرة، من خلال قانون "جاستا" و الذي سيأخذ أبعادا غير محسوبة مع المتشدد دونالد ترامب الذي يعد بإحداث ثورة في العلاقات الدولية للولايات المتحدة تبدأ بإدارة الظهر للحلفاء في الأطلسي و تنتهي بإقامة أحلاف جديدة مع روسيا و الصين.الخليجيون الذين بدأوا يتعايشون مع الأزمة النفطية رسموا خططا بديلة تغنيهم عن عائدات البترول و رأوا بأن الجزائر التي شكلت استثناء عربيا في ظاهرة ثورات الربيع، و بحكم مكانتها المرموقة و المقبولة دوليا، تعتبر متعاملا دبلوماسيا محترما له صوت مسموع وقت الأزمات، و أرضا آمنة و صالحة للاستثمار بالنظر للتسهيلات المقدمة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/11/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : النصر
المصدر : www.annasronline.com