الرواغة : الكلمة مشتقة من منطقة وادي ريغ فنقول ريغي للفرد و رواغة للمجموعة ، وقد تعددت الروايات حول أصل التسمية و نسب سكانها ، يقول الشيخ التجاني النصيري أن الإسم محرف عن كلمة ' الواد المدفون ' و يعود سبب دفنه إلى عقاب أنزله الله على أهله لشدة المنكرات التي كانو يقترفونها حسب قوله ، ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان يقول إن أول قبيلة حطت رحالها في المنطقة هي قبيلة أريغة البربرية التي كانت مضاربها على ضفاف الوادي الذي اصبح فيها ويحمل اسمها ، أما ابن خلدون فقد وصفه و حدد موقعه حين قال : 'ريغة و سنجاس من بطون مغراوة ' ، أما إذا فحصنا الدلالة اللغوية للكلمة نجد أن ريغ جمع رياغ وهو التراب أي أرض التراب أو أرض الرمال و تعني بالأمازيغية السبخه او الارض المالحه هذا ما ينطبق على المنطقة و ما نفهمه من قول ابن خلدون' ان ريغه وسنجاس من بطون مغراوة الذين اختطوا القرى الكثيرة و سكنو قصور ريغ القديمه مثل تالة و سفاوة وثغلات وقداين وقصر غانم و توجين ' أن تلك المنطقة كانت تسمى ريغ قبل أن يصل إليها بنو ريغة ، لذلك لابد أن نوضح أن هناك خلط كبير في المفاهيم حول هذا اللفظ فنجد أن هناك مغراوة و هناك ريغة و هناك ريغ و هناك رواغة ووادي ريغ و كل واحدة منها لها معنى مختلف ، مغراوة هي بطن من بطون زناتة الأمازيغية تمكنو من فرض سيادتهم على بلاد المغرب و كانت لهم الزعامة على سائر قبائل زناتة ، شعوبها و قبائلها كثيرة جدا منهم بني يليث و بني زنداك و بني رواو و رتزمير و بني أبي سعيد و بني ورميغان و الأغواط و بني سنجاس و غيرهم و من بينهم ايضا بنو ريغة ، بنو ريغة هو عرش قائم بذاته ترتكز حاليا بالمنطقة الجنوبية لولاية سطيف ، كانت تبسط نفوذها في القرن الخامس ميلاي اي في العهد النوميدي من ام البواقي شمالا الى بسكرة جنوبا وادي سوف و وادي ريغ بالجنوب الشرقي ، الرواغة هم من ينتسبون أو تعود اصولهم إلى هذه القبائل أي بنو ريغة ، أريغ أو أرض ريغ و هي الأرض المالحة و هذا ما عرفها به المؤرخون الأوائل عن المنطقة كما قلنا ، وادي ريغ هو تسمية ليست قديمة بل حديثة العهد أطلقت على المنطقة و هذا ما ذكره الشيخ عبد المجيد حبة و أكده عنه الدكتور صلاح الدين باوية في الياذته ، قبل ذلك كان يعيش بالمنطقة المهاجرين الأوائل من القرن الإفريقي اثيوبيا و السودان الذين عمروها بداية القرن السابع قبل الميلاد حاملين معهم ثقافتهم التي لا يزال منها الكثير و هذا يفسر ذلك الشبه في بعض العادات و طريقة العيش بينهم و بين العديد من سكان المنطقة ثم جاء اليهود في القرن الثاني للميلاد ثم العرب في القرن 11 ، اما مفهوم أن الرواغة هو نتاج تزاوج أو خليط بين البربر و الزنوج و بقايا العبيد فهذا كلام غير مقنع و لهجته فضة استعمارية فيها انتقاص لمن عمرو المنطقة و المصادر الفرنسية التي ذكرت ذلك ( الرحالة فيرو ) حتى و ان كان بها شيء من الصحة فهي دائما خبيثة و موجهة . حيث أن المنقطة كانت تسمى و لوقت طويل بإسم ريغ فقط ، نفس الكلام يطبق على القبائل الهلالية التي سكنت المنطقة و اختلاطها بالسكان فالقبائل العربية سكنت في البداية على تخوم تلك القصور و بدأ الإختلاط شيئا فشيئا ، لكن ذلك الإختلاط لم يكن عاما بل نسبي لأن وجودهم في المنقطة كان موازيا لصراعات سياسية و قبلية كثيرة فبقي كل منهم محافظا على عاداته و تقاليده و طريقة عيشه و نلاحظ ذلك إلى يومنا هذا فالعائلات من الأصول العربية الهلالية الأصيلة لها عادات مختلفة عن العائلات الريغية بل و حتى اللهجة مختلفة و هذا يدعم فكرة أن الإختلاط منذ البداية كان نسبي و ليس كلي ، و قد حدث أن هناك عائلات من أصول عربية اندمجت اندماجا كليا مع الرواغة إلى درجة أنهم أصبح من الصعب التفريق بينهم أو البحث في منبعهم ، و لو قارنا بين سكان وادي ريغ الأوائل و سكان القرن الإفريقي كإثيوبيا و السودان فلن نجد إختلافات كثيرة لا من حيث الشكل و لا من حيث العادات و التقاليد و لا من حيث تشابه اللكنات حيث توجد بعض الكلمات و المفردات مشتركة بينهم و منبثقة اغلبها من اللهجات العربية القديمة التي حملوها معهم و هذا معروف أن تلك القبائل كان لها تواصل مع العرب منذ القدم و هذا دليل آخر على أن العربية كانت موجودة و متداولة بشكل أو بآخر و معروفة في المنطقة قبل دخول الإسلام و قبل الهجرات الهلالية ، بل و هم من ثبت زراعة النخيل و الإعتناء به و نجد ذلك في طرقهم المتشابهة لحد كبير مع سكان المنطقة ، قدوم بنو ريغة إلى المنطقة و اختلاطهم بسكان المنطقة و مساهمتهم في بناء القصور و إنشاء حضارة محلية مهما كانت فهي لم تلغي وجود السكان الأوائل الذي عمرو المنطقة و انشغلوا بزراعة النخيل بل ساهمت في بعث جيل جديد متفرد ، إنغلاق السكان الأوائل على أنفسهم و اتخاذ العزلة عن باقي العالم هو سمة تميزهم كما تميز جميع القرى و التجمعات الإفريقية الصغيرة التي هاجرت من موطنها الأم . هذا الإنغلاق ساهم في تثبيت نسلهم و عاداتهم و تقاليدهم عبر عصور من الزمن .
الحشاشنة : عنصر رئيسي من سكان وادي ريغ عموما و المغير خصوصا لكثافة عددهم ، يقال إن التسمية ليست نسبا مستقل و إنما لا تعدو أن تكون وصفا مرتبطا بنشاط فلاحي و زراعي مناطه غرس النخيل فرجال الحشان هم الفلاحون أو رجال الأعمال و التكسب مما تجود به حرفتهم الأنفة الذكر و كأنهم يقولون أن للنخلة رجال و هم نحن ، و هناك رواية رغم ضعفها التاريخي إلا أنها تقول أن أصل التسمية تعود إلى الولي الصالح 'سيدي الحشاني' و أتباعه بوادي ريغ و الزاب الأسفل كما ذهب إليه شارل فيرو في قوله ' أن جد الحشاشنه صحابي اسمه حسان من أصحاب عقبة بن نافع استشهد معه في معركة تهودة و أن الاسم قد تحرف من حسان إلى حشان . كبار السن في المنطقة لديهم صعوبة كبيرة في تحديد هذه الهوية أو الأصل، تختلط لديهم الأسطورة والواقع التاريخي، عندما نسألهم عن أصلهم يرددون عبارة: ' نحن من رجال الحشان '، فلا شجرة ولا انتماءات أكثر من العائلة الكبيرة التي لا يستطيعون مدها إلـى أكثر من جيلين أو ثلاثة، وهم لا يعيرون اعتبارا لهذه المسائل مثل جيرانهم البـدو المتمدنين من أولاد نايل أو أولاد السايح وغيرهم الذين يعتبـرون مسـألة الشـجرة والأصل أساسية ويولونها أهمية كبيرة بمجرد الحديث معهم حول مسائل النسـب والانتماء والشجرة. و هذا مرجعه بالخصوص إلى طبيعتهم الفلاحية المسـتقرة التـي تولي الاهتمام في الانتماء إلى المكان عوض النسل وقرابة الدم. فكـل قريـب فـي لغتهم المحلية هو 'ولد عمي' مهما كانت درجة القرابة ونوعها ، لكن لابد الإشارة إلى أن إسم الحشاشنة معروف أنه يطلق على أصحاب البشرة السمراء و كأنه نوع عرقي وضع من أجل التموقع الإجتماعي فكما نقول هذا نايلي و هذا سايحي نقول هذا حشاني أو يقال ريغي و كذلك للتفريق بينهم و بين أصحاب البشرة السمراء و السوداء القادمين من مناطق أخرى حيث أن هذا المصطلح يستعمل في هذه المنطقة للتعبير عن فئة ، في الجزائر موجود هذا الاسم كألقاب عائلية أو أسماء شخصية لها خلفيات أخرى غير ما نقصده هنا ، هذا دليل اخر على التنوع البشري في المنطقة الذي كان تحكمه القبلية حيث ان و الاختلاط بينهم كان محدودا أي بين الحشاشنة و البدو . فالحشاني القديم كان متمسك بكل ما يملكه فتجده لا يبيع نخيله و لا يزوج أبناءه و بناته إلا للقريب منه جدا و لا يشارك أملاكه و أشياءه إلا مع من يعرفه أشد المعرفة و كان لا يرتحل أبدا و لا يغير منزله مهما كان السبب و يعتز بأبسط ممتلكاته أو ما يرثه من أبويه و كان محبا للعزلة غيورا شرسا على حرماته و هذا ما جعل حياته ثابته متوارثة أبا عن جد . الفرق إذا بين الريغي و الحشاني هو أن الرواغة هم سكان الذين تنحدر أصولهم من قبيلة بنو ريغة و الحشاني هو من تعود اصوله لقبائل القرن الافريقي التي لا تهتم عادة بالانساب ، انصهر الجميع في المجتمع و كونو علاقات أسرية منذ عشرات السنين إلى درجة أنك لا تستطيع التفريق بينهم . و لأن نشاط زراعة النخيل لا يقتصر على الحشاشنة فقط فلا نستطيع أن نقول أن هذه التسمية أتت نسبة لهذا النشاط فقط و إنما مرتبطة بعقيدة أن هذا الفصيل هو ابن الأرض و إبن النخلة الأول و أن العلاقة بينه و بينهما لا تنحصر في زراعة النخيل فقط بل هناك أفكار و معتقدات بين الحشاني و الأرض لا يستطيع أن يفهمها أو أن يصل إليها أي وافد على المنطقة و هي خرافات و معتقدات دينية و فلسفية تربط النخلة بالسكان الأوائل و انتقلت منهم إلى أحفادهم بجميع مخلفاتها .
رجال الحشان : تقول الرويات أن رجال الحشان هم سلالة شخص من أصحاب الفاتح عقبة ابن نافع كان مجاهدا شجاعا نال اعجاب عقبة فمنحه أرضا ممتدة من بسكرة إلى وادي ريغ استقر بها و عمرها و كانت له ذرية و أحفاد كثر احتفظوا باسم الحشاشنة و عرفو به عند غيرهم ، أما رجال الحشان فهم من ينتسبون الى هذه السلالة أو من تأثرو بهم و يوصفون بالقوة و البأس و الزهد و خدمة الارض و قربهم من الاولياء و الصالحين ، حيث كانو يجتمعون كل عام في مكان اسمه راس الواد لإقامة زردة كبيرة تستمر يومين يشرف عليها عادة بعض أفراد عائلة سيدي محمد العيد مقدم الطريقة التيجانية ب تماسين و يجلبون معهم البخور و الشمع فيصلون و ينشدون و يرددون المدائح و الاذكار و يجذبون على وقع البندير ، و حسب الروايات ايضا فإن سيدي الحشان مدفون بواحة في سيدي عقبة و يقول محمد طاهر بن دومة في كتابه أخبار وادي ريغ أن رجال الحشان كلمة تطلق على كبار الفلاّحين و الحشّان هو الفسيل من النخل ، أطلق هذا الاسم عليهم لجلبهم الفسيل من الزاب من عهد بعيد قريب من عهد ميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، أي قبل الميلاد ، في ذلك العهد كانت لغة البربرهي الرسمية بهاته الناحية و يقال لهم بها (اريازان تيزدايت ) أي رجال النخلة لأنهم يعتقدون أن النخلة لها تأثير في في الوجـود . فكل أحفادهم بعدهم يقولون نحن رجال الحشان دون معرفة السبب فقط أن آباءهم قالو ذلك ، الأكيد أن للكلمة أبعاد أخرى لم يتسنى للمتابعين معرفتها
تاريخ الإضافة : 27/05/2023
مضاف من طرف : chettiali57
صاحب المقال : شطي علي
المصدر : د عبدلي زوبيدة مقال بعنوان قبيلة مغراوة الزناتية في ضل الصراع بين الأمويين و بني زيري ، مجلة عصور جديدة العدد 2 مجلد 11 ص 105/سنة 2021 حفيظة بالشارف مقال بعنوان تاريخ اللغة العربية في أفريقيا ، مجلة القارئ للدراسات الأدبية النقدية مجلد3 العدد 3 سنة 2020 ابتداءا من ص 59 شهادات حية