لا يُعدّ مفهوم الحضارة اليوم مفهوماً حديثاً، إنّما هو مفهومٌ ضاربٌ في منذُ تاريخِ وجودِ الإنسان على هذه الأرض؛ إذ لا حضارة بلا إنسان، ولا إنسانَ من غير تاريخ، ولا وجود لحضارة لا تنتمي لتاريخ؛ حيثُ إنّ الحضارة جزءٌ من التّاريخ، ولكلِّ حضارةٍ تاريخها المُحدد، ولكلّ إنسانٍ حضارته. كما تُعدّ الوجهُ للآخر للإنسان؛ وبها يظهرُ مقدار قوّته، وضعفه، وتقدّمه، فما هي الحضارة؟ وكيف نشأت؟ وما النّظريات التي وُضعت لتفسير نشوئها؟ وما الفرق بينها وبين الثقافة؟ هذا ما سيتطرّق له هذا المقال.
عُرِّفت الحضارة بكثير من التعريفات من قِبل علماء الأنثروبولوجيا، فقال رالف بدنجتون (بالإنجليزية:Raiph Piddington) إنّ حضارة أيّ شعبٍ ما هي إلا حزمةُ أدواتٍ فكريّة وماديّة تُمكّن هذا الشعب من قضاء حاجاته الاجتماعية والحيوية بإشباع وتُمكّنه كذلك من أن يتكيّف في بيئته بشكلٍ مناسب. كما عرَّف إدوارد تايلور (بالإنجليزية:Edward Tylor) الحضارة بأنّها: الكلُّ المركب الذي يجمع بداخله جميع المعتقدات، والقيم، والتقاليد، والقوانين، والمعلومات، ، وأيّ عادات، أو سلوكات، أو إمكانات، يُمكن أن يحصل عليها فردٌ ما في مجتمعٍ ما. ويُمكن تعريف الحضارة في النّهاية على أنّها إرثُ الإنسان المادي والمعنويّ الذي خلّفه في الماضي، والذي اعتمد عليه الإنسان لإكمال مسيرة حياته وتقدّمه الحالي، سواءٌ أكانت مظاهر معنوية كأسلوب الحياة، والمعيشة اليومية، والعلوم، والمعارف، أو أدواتٍ ووسائل ماديّة بقيت أثراً لوجوده كالبُنيان، ، والأعمال اليدوية المختلفة؛ مثل الخزف، ، وغيرها.
بدأ نشوء الحضارات على أُسسٍ قَبليّة، حيثُ استمدّت مددها من قوّة رابطة الدّم والقرابة، فكوّنت بذلك مجالاً حضريّاً له العديد من الأنماط، والعادات الخاصة به والتي تُنظّم سلوك أفراده في نسقٍ اجتماعيّ واحد. ثم بدأت تتطوّر لِتنتقل من النطاق القبليّ إلى النطاق الدينيّ الذي ضمّ بدوره قبائل عديدة. ومن ثم تطوّرت للنطاق السياسيّ الذي ساهم في اندماج جماعاتٍ مُنعزلةٍ مع جماعاتٍ أخرى. وقد تشكّلت عبر عدّة نظريات حول نشوء الحضارات، ونستعرض أهم هذه النظريات فيما يأتي.
تُقرّر هذه النّظرية أهميّة العوامل البيئية في وتشكُّلها، وقد خرجت هذه النظرية للعالم في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد تحدّث فيها كثيرٌ من مفكري اليونان حيثُ قالوا بأثرِ المكانِ، والماء، والجوّ على الإنسان في تفكيره وطبيعة خلقه. كما تُعدِّدُ هذه النّظرية بعضاً من لقيام الحضارات ونموها، وتطوّرها، أو انحطاطها، ومنها: وجود المطر، وطبيعة الترّبة من حيث صلاحيتها للزراعة، وارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة، وطبيعة الموقع الجغرافيّ.
يُقرُّ الفيلسوف الإيطالي جان باتيستا فيكو ( بالإنجليزية: Giovanni Battista Vico) وجوبَ وجودِ قوانينَ معيّنة وموحّدة تُساهم في تشكيل الأمم والشّعوب، ويشعرُ بهذه القوانين طبقةٌ من الناس أو طبقةٌ من أمة أو شعب، دونَ أنْ يكونَ أحدهم على علمٍ بالآخر. ولا تأتي القوانينُ هذه عن طريق العقل، إنّما تأتي من "الحسن المُشترك" إلى "الحُكم دون تفكير". كما يقولُ فيكو إنّه لا وجودَ لعُقلاء أو قبل أن توجدَ الحضارة والدّولة، مُعارضاً بقوله هذا نظرية الفلاسفة العقليين الذين يقولون إنّ المجتمع جاءَ به وصنعه العُقلاء.
جاء بهذه النّظرية أوزوالد تسينجلو، حيثُ يُفسِّر فيها التاريخ وفقاً للعلية والمصير الكاشف، وقال إنّ نشوء الحضارات يمرّ بمراحلَ تشبه المراحل التي يمرّ بها الإنسان. ويعتبر أن عامل الجنس القائم على الاختلاف البيولوجي والوظيفي بين الذكر هو أساس تقييم العمل الذي يتم داخل . كما يقولُ أوزوالد بأنّ لكلّ ثقافةٍ وحضارةٍ ما يُميّزها وما يمنحها طابعها الخاص الذي لا ينافسها فيه أحد ويُعبّر عن خصوصيّتها، وإنْ تشابهت جميع في العالم في دورة حياتها من البربرية إلى البدائية ومن ثم إلى المدنيّة، لتصل لمرحلة الأصول؛ وهي المرحلة التي تأتي بتراكم التكنولوجيا، وسقوط القيم العاطفية، والروحيّة، لتنتهي أخيراً بمرحلة حياةٍ جذريّة. وقد ثبتَ في الوقت الحاضر عدم جدوى هذه النّظرية وسقوطها تاريخياً؛ حيثُ أثبتت الأبحاثُ والدِّراسات العلميّة أنّ الجنس البشريّ من حيثُ التّكوين البيولوجي حالةٌ واحدةٌ، وأنّ انتهاء لأصل واحدٍ لا يعني افتراض الجنس الواحد. كما أنّ العنصر ليسَ هو ما يصنعُ الحضارة، وإنّما تنشأ الحضارة ضمنَ شروطٍ معيّنة منها شروطٌ بيئية، واقتصادية، وغيرها.
تهتمّ هذه النّظريّة التي جاء بها المؤرِّخ البريطانيّ أرنولد توينبي (بالإنجليزية:Arnold Toynbee) بالجانب الحضاريّ الدينيّ، حيثُ تقولُ بأنّ الظّروف الصّعبة هي من تُقيم الحضارات كردِّ فعلٍ على التّحديات القاسية، حيثُ لا تظهرُ الحضاراتُ نتيجةَ بيئة جغرافيّة مُعيّنة، ولا مواهب فطريّةٍ وبيولوجيّة.
تُعرَّفُ بشكلٍ عام على أنّها المُعطيات والمفاهيم التي أتى بها الاعتقاد الدِّينُيّ الذي يغلبُ على مُجتمع ما، سواء كان ذلك الدِّينُ سماوياً أو غير سماويّ؛ حيثُ تُشكِّل هذه المُعطيات والمفاهيم الجوانب الخفية من مثل الأمور الانفعاليّة والمجالات الروحيّة، أمّا عن الجانب المرئيّ من الثقافة كالمُنتج الأدبيّ، والفكريّ، والفنيّ فإنّه يتأثَّر بالثقافة بشكلٍ كبير.
وهُناك عدّة فروقاتٍ بين مفهومي ، هي:
تاريخ الإضافة : 15/07/2019
مضاف من طرف : mawdoo3
صاحب المقال : ربى ششتاوي
المصدر : www.mawdoo3.com