الجزائر

"تصليح الأحذية".. مهنة يحترفها اللاجئون الأفارقة




مشكل تلف الأحذية ليس عابرا، خاصة مع صناعة الأحذية الحديثة التي لا تضاهي جودة الصناعة التقليدية، وهو الأمر الذي جعل جزائريين يبحثون بشق الانفس عن مصلح للأحذية، لكن لجوء عدد من اللاجئين الأفارقة سد ثغرة المشكلة، فصدق المثل الشائع ”مصائب قوم عند قوم فوائد”.كانت أحياء العاصمة الشعبية لا تخلو من محل تصليح الأحذية، خاصة أن عملية شرائها كانت محدودة، نظرا للطابور الذي كان يشكله الناس عند بوابة الإسكافي عند مدخل مظلم في دكان صغير لا يحتوي إلا مصباحا واحدا يجلس تحته العامل أمام أكياس سوداء كبيرة تحتوي عددا كبيرا من فردات الأحذية، منهمكا بخياطتها أو تدعيمها أوربطها، ناهيك عن بعض الإكسسوارات مثل حقائب اليد والمظلات. لكن اليوم شراءها أصبح غير محدود وأصبحت تشكل بحد ذاتها ميزانية معتبرة، بسبب أن حرفة ممارسة تصليحها تراجعت إلى حد كبير منذ سنوات، نظرا لحرج الشبان في ممارستها كحال كثير من المهن. حملنا جزمتنا التي تسببت لها أرصفة العاصمة المهترئة بالتمزق، لنشعر حقيقة بالخوف من عدم إمكانية استغلالها من جديد لندرة مصلحي الأحذية، الذين بات البحث عنهم أمرا شاقا. لكن بمجرد تذكرنا أن هذه المهنة يمارسها كثير من اللاجئين الأفارقة شعرنا بارتياح كبير، خاصة أن عددا معتبرا منهم يتواجد بمركز المدينة مثل 1 ماي وشارع محمد بلوزداد. والجدير بالذكر أنهم يتواصلون مع الزبائن باللهجة المحلية ويتمتعون بالنشاط والهدوء في آن واحد. ونظرا لكون القلق يلازم كثيرا من الجزائريين، فقد التقينا أكثر من مرة ببعضهم يعاملون هؤلاء الأفارقة بنوع من الغلظة في حال عدم جاهزية الحذاء. في هذا السياق، كتب المؤرخ والمختص في تاريخ القصبة محمد بن مدور، في كتابه ”اكتشاف البهجة بين 1516 و1830” عن الحرف التقليدية التي كانت سائدة آنذاك وذكر العديد منها، بل إن العائلات حينها كانت تعرف باسم الحرفة التقليدية التي كانت تزاولها أبا عن جد، فالاسكافي الذي يصنع الأحذية يدويا ويصلحها كذلك كانوا يتواجدون بكثير من المحلات ولم يكن نشاطهم أقل شأنا من أي حرفة يدوية أخرى، فكمية الإنتاج كانت معتبرة وحققت بدورها اكتفاء ذاتيا في جميع أنواع الأحذية، باعتبار أنها كانت عديدة الاستعمال، كحذاء ”القبقابو” الخشبي الخاص بالحمامات، و”البليغة” الخاصة بالبيت، وكثير من الأحذية الخاصة بالمناسبات، حيث أن حرفيي ورشات القصبة كانوا يعملون كالنحل لساعات طويلة في اليوم. ونظرا للإتقان الذي يميز الحرفة اليدوية، فإن فتيات الأمس احتفظن ببعض من أحذيتهن وهن كبيرات في السن، لدقة الصنع وجمال التصميم. أما غياب الإتقان في وقتنا الحاضر جعل أحذيتنا تتعرض للتلف في السنة الأولى من صنعها، وتصنيف تصليح الأحذية مهنة من الدرجة الثانية من قبل جزائريين سبب مشكلا كبيرا لضمان إعادة ارتداء الحذاء، لكن قدوم الأيادي الإفريقية التي تحترف هذا المجال أنقذ الجزائريين منه.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)