الجزائر

تصحيح المصحح وتغييب النسخة الأصلية



التقيت مؤخرا بصديق لي، وهو أحد الوجوه المعروفة بحزب جبهة التحرير الوطني تربطني به صداقة قديمة. وككل مرة نلتقي مع بعض إلا ويكون الحوار بيننا ساخنا. فالصديق وبحكم عضويته بالحزب العتيد منذ أيام شبابه لا يعرف الكلام إلا في الأمور السياسية، أو على الأقل ما يعتبره هو سياسة. وبحكم معرفته الجيدة لما يجري في السر والعلن داخل الحزب، وبدواليب السلطة فهو مصنف في خانة المناضلين المحنكين، لأنه ببساطة يعرف من أين ''تؤكل الكتف''، ويتقن جيدا فن التخندق. تقلد، في العديد من المرات وفي مراحل مختلفة، مسؤوليات سامية في الحزب والدولة، وفي كل مرة يزاح من منصب المسؤولية إلا ويتحرك في كل الاتجاهات للرجوع إليها في أقصر وقت ممكن مستعملا كل الوسائل المتاحة. اغتنمت فرصة لقائي به لأحاول فهم ما يجري في الحزب العتيد في المدة الأخيرة مستفسرا عن أسباب وخلفيات هذه الخلافات التي وصلت إلى حد الملاسنات و''المدابزات''. في البداية كان يظن بأنني أمزح معه عندما قلت له: هل اختلفتم حول قضية ''سوناطراك'' أم حول الإرهاب في الساحل أم اختلفتم حول موقف الحزب بشأن معالجة قضايا السكن والبطالة؟ لكن عندما تأكد من جديتي في طرح هذه الأسئلة عليه رد علي: ''هناك من يتكفل بكل هذه القضايا التي ذكرتها وليست هي سبب خلافاتنا، فما يجري داخل الحزب قضية داخلية بحتة لا تهم إلا المناضلين''. قلت له لا أريد أن أتدخل في قضاياكم الداخلية رغم أنها لم تبق كذلك، لكن كصحفي أردت فقط أن أفهم حقيقة ما يجري، لأن المعلومات المتداولة تقول بأن المستهدف من هذا ''التخلاط'' في العملية التصحيحية الجديدة هو الأمين العام عبد العزيز بلخادم، أولستم جميعكم نتاج عملية تصحيحية سابقة؟ فما الذي تغيّر اليوم لتصحيح المصحّح؟ ثم هل منكم من يدلنا على النسخة الأصلية حتى يعرف المناضلون متى وأين حرّفت ومن المسؤول عن تحريفها؟ يقولون إن العملية تدخل في إطار تحضير الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويقولون أيضا إن الكثير من التصحيحيين الجدد هم أولئك الذين لم يسعفهم الحظ في الفوز بمناصب عليا في الحزب والدولة، بالمقابل يبرر هؤلاء تحركهم بتسلط الأمين العام للحزب وانفراده في اتخاذ القرارات، وبين ما يقول هؤلاء وهؤلاء نقف عند حقيقة لا غبار عليها، وهي أن هذه الاختلافات ليست حول استراتيجية الحزب ومواقفه السياسية ولا عن قضايا التنمية، لأن أغلبية الأحزاب السياسية في الجزائر لا تمارس السياسة، بل الكثير منها لا يعمل للوصول إلى الحكم، فهي تفضل المشاركة والتعيين، كما أنها تستحسن المساندة على المعارضة. أما عن الانشقاقات التي تحدث بداخلها من حين لآخر فهي عادة ـ مع بعض الاستثناءات ـ لا تتعلق باختلافات سياسية عميقة حول مواقف الحزب من مختلف القضايا التي تهم البلاد والعباد، بقدر ما تتعلق بحسابات مصلحية آنية. نسخة للطباعة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)