الجزائر

تسابيح فجر بين الفكر والمادة، في عالمين



ينْشأ العالم من فِكْر ومادة، لا اسْتغْناء لأحدهما عن الآخر ، ففي الأزَل كانت الفكرة “كُنْ” ، فاستجابت المادة “فكان”، وفي الأزَل أيضا علّم سبحانه آدم الأسماء كلّها، ثم في عالم الأرض تولّدت الأسماء أشياء، إلْتفتَت إلى هذه الحقيقة شعوب وأمم، ونكَصت عن فهْمها أُمَم أخرى، فنشأ التمايُز حينا هنا وحينا هناك. أمّا الأمم التي فهمت الحقيقة، فاتّخذت لنفسها منْهجا مدارُه إدْراك أنّ المادة تتَّسِم بالنُّدْرة، وأنّ الافكار تتسِّم بالثّراء، فعمَدت إلى تسْليط أدوات الفكر على عالم النّدْرة، فصنعت منها عالما لا مُتناهيّا. بالمقابل ظلّت الأمم التي تجعل من المادة هدفا، تلْهث وراء المادة، فتصْطدم بعالم الندْرة، فتُوَلِّي بعد رحيل العُمْر خالية الوِفاض مكْسورة الجناح كأنّما كانت تُتابع خيْط دخان. الأمْثلة ليست قليلة، هذه إفريقيا وما تعجُّ به من خيْرات مادية، إفتقرت إلى أدْنى مُتطلّبات العيْش، وتلك كوريا واليابان وغيرهما قليل أو كثير، جُزر برْكانيّة إفتقرت إلى عالم المادة، فسلَّطت على ندْرتها عالم الفكر، فأثْرت الندرة، كأنّما لِعالَم الأفكار وقْع السِّحْر على عالم المادة. وفيما يتعلق بحاضرنا الآنّي، لا تخْتلف الأحزاب في بلدنا وبلدان متخلِّفة كثيرة عن منهج أممها، فهي من ذلك الإناء تغْرف، تحْذو حذو منهجها الخاطئ الشبر بالشبر والذراع بالذراع، ففي حين يعْكف مؤسس الحزب في العوالم المتقدمة سنينا على بلْورة أفكاره وقوْلبتها وتمْيِّيزها عمّا هو موْجود، ثم يبثُّها في الأوساط كيْما يتبنّاها من يُعْجبه طرحها، فيلتفون حول الفكر المطروح مُشكِّلين إتِّجاها حزْبيّا جديدا، فإنّه في عوالمنا المُتخلِّفة، تعلّق الأمر   بأحزاب عتيقة أوحديثة، فإن المادة تطْغى طُغْيانا جمّا على الفكر، فترى الأحزاب تتشكَّل أوّل ما تتشكّل لإعْتبارات ماديّة فئويّة أوعرْقيّة، ثم يبْحث لها عن أفكار تسْتر بها عوراتها كالأسمال الخرِقة، حتى لا تكاد تميِّز في عالم التنافس بين غثٍّ وسمين. من هذا المنظور فإنّ دعوة رئيس الجمهورية الأخيرة بوهران للناخبين بمُعاقبة الأحزاب التي لا تملك برامج، تكاد تتساوى في مدلولها ودعوةً لمقاطعة الإنتخابات ،لأنه في واقع الأمر إنْ جئت تُطبِّقها، لم تجد حزبا يمْلك برنامجا إلاّ وعودا وحلولا سحرية لا يعبأ أصحابها بتبيان كيف ولا وفق أي الأساليب سيوفون بالعهود والوعود، فإذا هي سراب بقِيعَة يحْسِبه الضمْآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجِدْه شيئا. ولذلك، وفي إنتظار إعادة موْقَعة عالم الفكر وعالم المادة، كل حسب شرفه وسبْقه، لن يجد النّاخب غدا إلاّ أنْ يلْجأ  إلى المثل الشعبي الجزائري القائل “الأعْور في العِمْيّان زرْق عيونه” وإلى ذلكم الحين هنيئا لشعوب هذه الأمم بعيْشها الرغِد  في عالم “الكرْنفال”، والذي مثله كمثل أصحاب الأعراف، يقَع بين عالميْن، لاهو من عالم المادة، ولا سَمَى إلى عالم الأفكار.   Kharchinoe@gmail.com     بقلم: خرشي النوي


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)