الجزائر

تسابيح فجر “الألباقا” الإسْلاميّة السياسيّة



حين يشتد الضغط على شخص، فإنّه يقع في أحد أمرين، إمّا أن يتغطرس، مُتشبِّثا بمبادئه، خاطئة كانت أو صحيحة، وإما أن يُناوِر مرحليا، مناورة السائق كيما يجتاز المطبّات والعقبات، أو انحناء الرجل أمام العواصف، غير انّه يجب عليه عندها أن لا يأْلف الوضع ويحلو له المقام، مخافة أن تتأصَّل فيه المناورة أو الانحناء، على منوال المثل الجزائري الدّارج “جاء يتْعلَّم مَشْيَّة الحَمَام نَسِيَ مشْيته”. ولا نكون مُغالين إذا قلنا إنّ جُلّ الأحزاب الإسْلامية في العالم، إن لم يكن كلّها، وقعت في هذه المصيَدة الخطيرة، فقد بدأت نضالها بأهداف واضحة، وهي استبدال نظام الحكم القائم بنظام إسلامي، يقتبس من المبادئ الإسلامية، ويعمل على تحقيق أهدافها.  وكان وضوح هذه الأهداف هو ما حافظ على وحدة صف الحركات الاسلاميّة عند انطلاقها. ولَشدَّ ما قاومت هذه الحركات العواصف التي هبَّت، وقدَّمت القُربان تلو القُربان من خِيرة أبنائها، والقائمة طويلة لهؤلاء، فمِن عبد القادر عودة، الى سيِّد قطب، ومن قبلهم حسن البنا، وغيرهم كثير. ثم وَجدت هذه الحركات الإسلامية نفسها وسط لُجّة من الاحتكاك، مُنافسين من جهة، وسُلَطا وطنيّة أو أجْنبيّة من جهة ثانية، فاتّخذت ثاني الأمر سياسة يُمْكن تسمِيّتها بسياسة التعاُيش والُمشاركة، وهي في كل حال، بعيدة عن أنْ يُشْتبه في أنَّها تَقيّة، ذلك أنَّ الحركات السُنِيّة أصلا، على العكس من الحركات الشيعيّة، لا تؤمن بمبدأ التقيّة، ولا تعدو فعلتها هذه، عن ردّ فعل لعامليْن، أحدهما داخلي وآخر خارجي. أمّا العامل الداخلي، فهو محاولة التبرٍّي من أفعال الأجْنحة المُتطرِّفة، ومظْهرا من المظاهر التي تعمل الحركة على إبرازها بقصٍد التميُّز اتجاهها، وهي في ذلك مُحِقة، لكون أنّ الأجنحة الُمتطرِّفة تلك، كانت وبالا فعليا على جماعاتها، وعلى الحركات الإسلامية وأوطانها بصورة عامة. وأمّا العامل الخارجي، فهو ردّ فعل عن ضغط إعلامي محلي ودُولي مُتواصل وكثيف، وَصَمَ هذه الحركات مستقيمها ومعوَجها بالتطرُّف، فتسابق جميعها بأفعال وتصريحات ومُمارسات شتى، وبدون روِيّة أو منهجيّة أو استراتيجيّة، قصد إثبات براءتها ممّا يُمكن أن يُلحق بها، وأحيانا فاق عرضها ما طُلِب أو يُمكن أنْ يُطلب منها. والكلّ يعّرف في فيزياء الأجسام، أنّ مٌقاومة الأجسام - لا سيّما الثقيلة - للانحدارات هي أضعف أنواع الُمقاومة، عِلما أنّ الانحدار يزيد سُرعة التردِّي، وهو ما وقع ويقع للجسم الإسلامي السياسي، في عملية إنحداره تلك، التي للأسف لم يحِنْ بعد لحظة توقُّف انحدارها. ولعل ذلك ما يُفسِّر الخرجات الغريبة أو غير المفهومة لبعض أحزاب هذه الحركة، وآخرها الخرجة الأخيرة لحزب النور الإسلامي المصري السلفي الاتّجاه، في إعلانه المحافظة على المعاهدات المصرية الإسرائلية، وهي الخرجة التي فضلا عن أنّها تركت الإذاعة الإسرائلية التي حادثت ممثل الحركة مشْدوهة، كونها كانت تنتظر أن يرفض مجرَّد الحوار معها، فهي أيضا ناقضت كليّة مجموعة الشعارات التي ظلّت تُرفْرف في ساحة التحرير، قُبيْل وبُعيْد إسْقاط حسني مبارك. وفي الجزائر، يذْكر الجميع عبارات “الألْباقا” التي أوردها ذات عام الشيخ نحناح رحمه الله، كرمز لِمَا أسميناه أعلاه سياسة التّعايُش والمشاركة، غير أنّه شتان بين المنطلق هذا، والمآل تيْنك الشبيه بما أوْردناه بشأن حزب النُّور المصري. ولعلّ مرَدّ كلّ ذلك هو استعجال الثمرات، ذلك أنّ الأحزاب الإسلامية المُنبثقة عن الحركة الإسلامية، استعجلت الأمر، وقفزت على مراحل الدعوة الصافية. الدعوة الُمتعالية، مستعجلة العمل السياسي الذي ما كان له، إلاّ أن يكون تابعا لمرحلة الدعوة، لا سابقا لها، وفي الفقه “من تعجَّل على شيء قبل أوانه عُوقِب بحرْمانه” والمثل الدّارج يقول “اللِّي يغْصَب كِسْرته ياكُلْها عجِين” أمَا وقد حدث ما حدث، فإنّ تشريح الواقع يُظهِر أنّ غياب الضوابط التي تُحدِّد مجال التعايُش وحدود المشاركة وأُسُس المرحليّة هو سبب الانحدار المتسارِع للأحزاب الإسلامية، التي لم يبق لها من المبادئ التي أسّسَت لانْطلاقتها إلّا رسْمًا باهِتا لا يكاد يُبِين، فضلا عن أنْ يميِّزها عن سائر الأحزاب الموجودة في الساحة إلى غاية اليوم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.   بقلم: خرشي النوي Kharchinoe@gmail.com  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)