الجزائر

تدمير ذاتي على نار هادئة



ليس ثمة بين الكاريزما و الاستبداد سوى خيط ناعم ، فسحر شخصية الزعيم و علمه بالظل الذي يلقيه على الرأي العام سواء في دولته القُطرية أو في اقليمه القريب و البعيد سرعان ما يتحوّل لدى ذات الزعيم إلى حب تملك كلّ شيء ، فتبدأ أطماع خيالية قد لا تخرج إلى العلن إلّا ببطء و يحاول أي زعيم تطبيقها على أرض الواقع بكل الوسائل ، يساعده في ذلك محيط قريب لا يقوى على رد الأطماع و تصويب الزعيم ، بل في أحيان كثيرة يكون المحيط سبب الإنذار و الزوال . الشخصيات التي تحكمت باسم الكاريزما موجودة في كل عصور التاريخ ، و وصلت إلى تجميد التداول على الحكم و تحنيط الممارسة السياسية في بلدان كثيرة ما جعل العديد من الشعوب تتأخر بعشرات السنين أو أكثر عن باقي العالم الذي لا يعبد الشخص.كان لزاما ، عندما يتعلّق الأمر بالوطن العربي التعريف بمفهوم واضح و متميّز للكاريزما ، تعريف يأخذ في الحسبان خصوصية الشعب المحكوم ، شعب في أغلب الأحيان غير مطّلع على التجارب الديمقراطية الأخرى لأنّ الإعلام عموما باعتباره المرآة العاكسة للتجارب الأخرى في حدّ ذاته معتّم عليه و كل ما نُقل إلى الوطن العربي وكل البقاع كان بفعل البعثات الدراسية التي قادت كتّابا و أدباء إلى الغرب و انعكس ذلك في كتاباتهم و منشوراتهم و لكن ذلك لم يكن كافيا رغم الجهد و الاجتهاد ..
فالوطن العربي و حتى بدون كاريزما و لا زعامة ليس لديه مفهوم عالمي للديمقراطية فقد يوهمه الحكام أنّ في الاستبداد نوع من الديمقراطية لأنّ لكل مفهومه و تعريفه لهذه « الظاهرة « . و مع نشوء أو بروز الزعامة مرتبطةً بحدث ما أو نجاح ثورة أو انقلاب على حاكم أو مستعمر مستبد هو الآخر لا يعود الشعب يرى إلّا الشخص الذي حرّره من المستبد الأول و يواصل هو نوعا جديدا من الاستبداد متكئا على انجازاته . و عليه ارتبطت الزعامات في الوطن العربي خصوصا بالكاريزما الثورية أو الانقلابية التي تجد شعبا قابلا للسير تحت أيّ مواصفات ، ما يسهّل التأثير في الشعوب والاحتفاظ بولائهم ، .
و حتى عندما تحقق هذه الكاريزما انجازات ما في ظروف ما ( ظروف تكون قد استغلتها أيّما استغلال) فإنّ الأخطاء التي تظهر بعد ذهاب أي زعيم تضعه أمام محكمة التاريخ و تنطلق المحاكمات الصورية و الافتراضية و لا تتوقف عبر العصور بل كلما حانت الفرصة ذُكر الزعيم و جلده شعبه و بالتالي الكاريزما مرتبطة ارتباطا وثيقا بالزعيم الحي. و لا يختلف اثنان في كون الكاريزما ( و أتحدث عن الحالة العربية ) تلغي دولة المؤسسات فالزعيم يرى نفسه كلّ المؤسسات ، تشريعية ، تنفيذية ، قضائية و اعلامية و هو الفعل الذي إن لم يؤجل يؤخر البناء المؤسساتي بسنوات ضوئية لا عدّ لها .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)