كان لتَفشّي ظاهرة الاختطاف بمجتمعنا مؤخرا عدة انعكاسات على الأولياء، تمثلت في اعتماد أساليب مختلفة لإحاطة أبنائهم بآليات الوقاية اللازمة، لعل أكثرها شيوعاً توافدهم الكبير على المؤسسات التربوية لمرافقتهم، غير أن المبالغة في تأمين الحماية انعكست سلباً على بعض الأبناء، الذين باتوا يعانون حالة الفوبيا من أي شيء حذّر منه متخصصون في علم الاجتماع والنفس تحدثت إليهم «المساء» في هذه الأسطر.تعتقد نجاح بولهوشات أستاذة بعلم الاجتماع، أن ظاهرة الاختطاف ليست بالظاهرة الجديدة التي تستدعي أن يتم تضخيمها؛ لأن المعروف أن الظواهر الاجتماعية موجودة في كل المجتمعات ومنذ الأزل ولكن بنسب متفاوتة، وبحكم أن الإعلام لعب دورا كبيرا في إظهارها نعتقد تقول «كأخصائيين، أن الظاهرة وإن كانت موجودة فقد عرفت في الآونة الأخيرة نوعا من التفاقم؛ نظرا لعدة عوامل اجتماعية، نذكر منها الظروف الأمنية التي مرت بها الجزائر فيما مضى وانعكست في شكل سلوكات منحرفة».
أرجعت الأستاذة نجاح إقبال المنحرفين على فئة الأطفال إلى كون هذه الشريحة ضعيفة ولا تحسن الدفاع عن نفسها، ومن ثمة فهي مستهدَفة؛ لكونها فريسة سهلة، إلى جانب أن الطفل الصغير يصعب عليه تذكُّر من ارتكب في حقه الفعل حتى وإن كان من أقرب الناس إليه، بسبب الخوف، ونتيجة الصدمة التي يعيشها، والتي ينتج عنها العديد من العقد النفسية، التي إن لم تعالَج تؤثر على حياته وتظهر في سلوكاته عندما يكبر.
لا يتمتع الأولياء في مجتمعنا بثقافة التواصل مع الأبناء بالطريقة العلمية؛ أي أنهم لا يبادرون إلى توعية أبنائهم بمختلف الظواهر الاجتماعية التي يعرفها المجتمع اليوم، ولكن إن حدث وظهرت إلى العلن ظاهرة ما تقول الأستاذة نجاح «يبادر الأولياء إلى التشديد على أبنائهم من دون أي تهيئة؛ أي أن ردة فعل الأولياء تظهر عند وقوع الفعل، وكأن الأبناء لا يحتاجون إلى حماية لو أن مثل هذه الظواهر لم تحدث، على غرار الاختطاف الذي طال الأطفال مؤخرا!».
المطلوب من الأولياء حسب محدثتنا توعية الأبناء بما يحويه المجتمع من ظواهر سلبية وإيجابية وتجنّب تخويفهم، فإن كان الطفل صغيرا، مثلا، يتم تحذيره من الحديث إلى الغرباء، وحثه على التوجه مباشرة إلى المنزل بعد انتهاء وقت المدرسة، أو البقاء داخل المؤسسة التربوية إلى غاية حضور الأولياء، وعدم البوح ببعض الأسرار المنزلية، وتعليم الطفل أيضا وجوب مصارحة أوليائه بكل ما يعيشه في يومه، إذ نجد في الكثير من الأحيان تقول الأستاذة نجاح «بعض الأمور تحدث مع الأطفال، ونتيجة الخوف يتجنبون البوح بها لآبائهم، وبالنتيجة يعيش الطفل في حالة نفسية صعبة. ولتجنب ذلك لا بد من ترقية الحوار بين الطرفين».
ما يجب أن يفهمه الأولياء اليوم هو توعية الأطفال بطريقة سليمة مع تجنّب الترهيب؛ لأن الطفل لا بد من أن يتفاعل مع مجتمعه حتى لا يتحول إلى طفل منعزل يرفض الانتماء إلى مجتمعه، وبالتالي يعيش في حالة من الوحدة السلبية، تقول الأستاذة نجاح.
الاعتدالُ مطلوبٌ...لا إفراط ولا تفريط
شاركت سعيدة بن عشي أستاذة في علم النفس من جامعة خنشلة، في مؤتمر انعقد مؤخرا بجامعة خنشلة حول ظاهرة اختطاف الأطفال التي شغلت الرأي العام بمجتمعنا، ودفعت بأجهزة الدولة إلى اتخاذ إجراءات استعجاليه لمواجهتها.
وفي حديثها إلى «المساء» قالت: «ظاهرة اختطاف الأطفال كانت موجودة منذ القِدم؛ إذ يحكمها «قانون الصمت»، كما نسميه في علم النفس؛ لأن الأولياء كانوا يتكتّمون على مثل هذه الظواهر، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالاختطاف؛ تجنُّبا للفضيحة والعار. ولكن في السنوات الأخيرة ظهر نوع من الوعي بالمجتمع وإدراك حقيقة أن هناك خطراً يتهدد الأطفال. وفي المقابل نلمس كأخصائيين، أن الأطفال أصبح يتملّكهم نوع من الخوف والرعب والقلق الذي نسميه» الصدمة ذي الوكالة»، وتحدث لهم من جراء ما يسمعونه أو يشاهدونه على مختلف القنوات، من حالات الاعتداء التي تؤدي إلى القتل؛ الأمر الذي ولّد لديهم معاناة نفسية يومية.
وحول كيفية التعامل مع الأبناء قالت: «على الأولياء عدم المبالغة في إحاطة الأبناء بآليات الحماية، على غرار ما يحدث أمام المؤسسات التربوية؛ لأن السؤال الذي يُطرح في هذا المقام ويبحث عن إجابة له هو: إلى متى يعيش الأولياء هذا الخوف؟ هذا السؤال الذي ينبغي أن تتم الإجابة عنه، ومن ثمة العلاج المطلوب هو البحث عن أسباب انتشار الظاهرة، التي أصبحت تستهدف شريحة الأطفال. وعلى العموم، النصائح تظل في هذا الإطار مجرد اقتراحات ترقيعية؛ لأن المطلوب هو إيجاد حلول جذرية».
ما ينبغي العمل عليه اليوم هو خلق جهاز يتكون من أساتذة ومتخصصين، توكل إليهم مهمة البحث في مختلف الظواهر، وتحديداً ظاهرة الاختطاف لمعرفة أسبابها ودوافعها، وبالتالي الوصول إلى علاجها. وفي انتظار ذلك تقول الأستاذة سعيدة: «ينبغي للأولياء الاعتماد بدرجة كبيرة على الحوار مع أبنائهم، والاستماع إلى مخاوفهم بعد مشاهدتهم أو سماعهم عن ظاهرة معيَّنة؛ أي لا بد للأولياء أن يجسّوا نبض أبنائهم ويدرسوا ردة فعلهم؛ بمعنى أن يمنحوهم فرصة التعبير عن مخاوفهم بعد سماعهم أو مشاهدتهم لأحداث الخطف والاعتداء على الأطفال، بعدها يباشر الأولياء عملية تقديم المواعظ والنصائح تبعاً لرد فعل الطفل، على غرار تجنّب الحديث ومرافقة أي شخص غريب، ناهيك عن الاعتماد على الصراخ وعضّ كل من يحاول اقتياده إلى مكان معزول مثلا، وهي، عموماً، إجراءات وقائية تعلّم الطفل كيف يحمي نفسه بنفسه».
وحذّرت الأخصائية في علم النفس الأولياء من السماح لأبنائهم وتحديدا صغار السن، بمتابعة الأخبار الخاصة بالاختطاف؛ لحمايتهم من الانعزال، ودعت إلى تجنّب التهويل أيضا، الذي من شأنه أن يُفقد الطفل الثقة في مجتمعه، وقالت إن «المطلوب هو الاعتدال في توعية الأطفال لتحقيق التوازن النفسي؛ فلا إفراطَ ولا تفريط».
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/07/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com