الجزائر

”بينا بوش” أو فقيدة قصيدة الجسد..



 قليلون هم الذين يعرفون الفنانة العالمية الكوريغرافية الألمانية، بينا بوش، التي صنعت فرجة سينوغرافية نادرة، أكثر من مرة على ركح مسرح المدينة الباريسي على مدار شهور وأعوام، لم تسمح لكل عشاقها من مشاهدة كل أعمالها؛ بسبب نفاد الحجز في سرعة قياسية. ولأن مسرح المدينة يكرم دائما الفنانين الذين يصنعون ازدهاره وسمعته؛ فقد نشر في عدد مجلته الفصلية الجديد، ملفا تكريميا خاصا عن الفنانة العظيمة التي رحلت في سبتمبر العام الماضي، متأثرة بسرطان خاطف لم يمكنها من إكمال مسيرتها الفنية الساحرة، خلافا للعجوز المبدع الأمريكي مرسي كوننغهام، الذي توفي طاعنا في السن، بعد أن سحر العالم هو الآخر.   في العدد الذي تناول عملي ”بينا بوش” الشهيرين (فولمو 2006) و(وماسوركا فوغو 1998)، تحدث رفيق دربها السينوغرافي، بيتر بابست، مذكرا بسياق لقائه بها وبمسار إبداعها وطبيعة وحميمية تعاونهما الإبداعي. قال ”بيتر” إنه عرف الراحلة في الثمانينيات في مدينة ويبرتال، إلى جانب المخرج الكبير ”بيتر زاداك”، وكانت المناسبة شروع الفقيدة في التدرب على مسرحية ”تقديس الربيع” ومن فرط إعجاب زاداك بموهبتها، لم يتردد بتقديم اقتراح مشاركته في تركيب عمل عن شكسبير، الأمر الذي أسعدها وشكل بداية تعاون بينهما، قبل أن يصبح ”بابست” سينوغرافي ”بينا”، إثر رحيل رفيق عمرها رولف بورزيك عام 1980. عن طريقة عمله مع الراحلة، أضاف يقول بابست، إن تجربته معها كانت مرادفة للمغامرة والتلقائية الكاملة والتجاوب المتبادل مع أفكار وردود فعل عفوية لا ترتكز على نص جاهز أو صور أو موسيقى معدة.   ”وكل الأبواب الممكنة كانت مفتوحة أمامنا بغرض تنشيط المخيلة على فكرة مجهولة سلفا لكن قادمة في كل الأحوال، كثمرة ناضجة نتجت عن تلاقح في الرؤى والطروحات والميول من خلال أخذ ورد غير سريعين. وبهذا التصور قمنا بعمل أسميناه عام 1980 تاريخ تعارفنا في مرحلة عصيبة في حياتها الشخصية، وهي المرحلة التي تجاوزتها بدعم معنوي كبير من الفريق الفني الذي عملت معه حتى تاريخ رحيلها”. فقصيدة الجسد بينا التي قادت عشرات الراقصات والراقصين على مدار 37 عاما تركت فراغا مهولا لم يشعر به حتى اليوم رفيق دربها بابست، لأنه لم يصدق بعد أنها رحلت، والحديث عن الفراغ المفترض الذي تركته يعد أمرا سابقا لأوانه على حد تعبيره.   السينمائي العالمي الكبير ويم فندرس شارك في تكريم بينا بوش، قائلا إنها تبقى المرأة المتواضعة التي أبدعت كمصممة كوريغرافية وراقصة ومديرة مسارح ونجمة عالمية عنيدة لا تعرف اليأس والضعف والتعب. إنها المرأة التي كانت تدخن كثيرا وتنصت كثيرا وتنظر كثيرا في الإنسان بعيونها الحزينة والمليئة بأفكار عن العالم. ”بينا” كانت تتكلم بالنظرة وليس بالكلمات، لأنها كانت تثق أكثر في نظرتها التي تعرف كيف تتغلغل بها في أعماق الإنسان الفنان وغير الفنان.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)