الجزائر

بين العزّ بن عبد السّلام ونجم الدّين أيّوب



بين العزّ بن عبد السّلام ونجم الدّين أيّوب
كان لمماليك الأتراك نفوذ في الدّولة الإسلامية في أواخر حكم العباسيين، وامتدّ نفوذهم حتّى أصبحوا أمراء في الدّولة أيّام حكم نجم الدّين أيّوب في مصر، وكان الشّيخ العِزّ قاضيًا للقُضاة فيها، وقام رحمه الله مُصلحًا لأمر القضاء منفّذًا بحزم أحكام الشّرع، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، فنظر في حقيقة قضية أولئك الأمراء الّتي أثارها هو ثمّ أصدر قضاءه الآتي:قال العلاّمة السُّبكي: ذكر كائنة الشّيخ مع أمراء الدّولة من الأتراك وهو جماعة، ذكروا أنّ الشّيخ لم يثبت عنده أنّهم أحرار وأنّ حكم الرِّقّ مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين. فبلغهم ذلك، فعظم الخطب فيه واحتدم الأمر، والشّيخ مصمّم لا يصحّح لهم بيعًا ولا شراء ولا نكاحًا، وتعطّلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاشتاط غضبًا، واجتمعوا وأرسلوا إليه. فقال: نعقد لكم مجلسًا وينادي عليكم لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق شرعي، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه فلم يرجع، فجرت من السّلطان كلمة فيها غلظة، حاصلها الإنكار على الشّيخ في دخوله في هذا الأمر، وأنّه لا يتعلّق به، فغضب الشّيخ وحمل حوائجه على حمار، وأركب عائلته على حمير أخرى، ومشَى خلفهم من القاهرة قاصدًا الشّام فلم يَصل إلى نحو نصف بريد حتّى لحقه غالب المسلمين، لم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤبه له يتخلّف، ولاسيما العلماء والصّلحاء والتّجار وأنحاؤهم، فبلغ السّلطان الخبر، وقيل له متَى راح ذهب ملكك قبله، فرجع واتّفق معه على أن ينادي على الأمراء، فأرسل نائب السّلطنة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النّائب. فقال: ميف ينادي علينا هذا الشّيخ ويَبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنّه بسيفي هذا.فركب بنفسه في جماعة، وجاء إلى بيت الشّيخ والسّيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشّيخ.. فرأى من نائب السّلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه وشرح له الحال، فما اكترث لذلك ولا تغيّر. وقال: يا ولدي أبوك أقلّ من أن يقتل في سبيل الله، ثمّ خرج كأنّه قضاء الله قد نزل على نائب السّلطنة، فحين وقع بصره على النّائب وسقط السّيف منها ارتعدت مفاصله، فبَكى وسأل الشّيخ أن يدعو له، وقال: يا سيّدي، خير أيّ شيء تعمَل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمنًا؟ قال: في مصالح المسلمين. قال: مَن يقبضه؟ قال: أنا.فتمّ له ما أراد ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)