الجزائر

بين الرغبة في امتداد الاسم العائلي وتحاشي تعقيدات سوق العمل



بين الرغبة في امتداد الاسم العائلي وتحاشي تعقيدات سوق العمل
مهن تدور في فلك عائلات وألقاب لصيقة بالطب والصيدلةظلت بعض المهن لصيقة ببعض العائلات، لدرجة باتت و كأنها جزء لا يتجزأ من تركة الآباء و الأجداد، عليهم توارثها للحفاظ عليها. الظاهرة و إن كانت مقبولة إلى حد كبير عند توريث بعض الحرف التي يتهددها الاندثار، فإنها تبقى في مجالات و قطاعات أخرى، تطرح تساؤلات عن مدى استعداد الأبناء على السير على خطى الآباء و حمل المشعل بعدهم في ظل تنوّع وكثرة فرص العمل في مختلف المجالات، و سر انتشار مهن دون سواها داخل العائلة الواحدة. النصر تحدثت إلى بعض العائلات المعروفة بتعدد أفرادها الممتهنين لنفس التخصص سيّما في مجال الطب و الصيدلة و المحاماة و كذا التعليم.روبورتاج : مريم بحشاشيالتجوّل بحي طريق الجديدة»شارع العربي بن مهيدي» يكفي للتأكد من ظاهرة توريث بعض العائلات العريقة لمهنة الأب أو العم و حتى الجد في مجالي الطب و الصيدلة و ذلك من خلال صمود و استمرار بعض العيادات و الصيدليات طيلة عقود، و من أبرز ممتهني الطب القدامى نذكر على سبيل المثال لا الحصر المنحدرين من عائلة بن الشيخ لفقون و بن شريف و بورغود، و بلحاج و باشتارزي و باسطانجي و بلموفق و لكحل عياط، أما الصيادلة فهناك بن تشيكو و عباس و بلهولة و غيرهم كثيرون يصعب حصرهم في مقال واحد، و نفس الشيء بالنسبة للمحاماة و كذا التعليم و أيضا المحاسبة.تقليد للحفاظ على امتيازات الأسلافتحدثنا إلى أحد أفراد عائلة بورغود المعروفة هي الأخرى بتعدد الأبناء و الأحفاد الممتهنين لمهنة الطب و الصيدلة، حيث أخبرنا الدكتور عبد الرؤوف بورغود المختص في أمراض الجهاز الهضمي و الكبد و البواسير، بأن عمه حسن من أقدم أطباء قسنطينة الذين كان لهم حظ احتراف هذه المهنة خلال عهد الاستعمار، حيث كان عددهم يكاد يعد على أصابع اليد الواحدة بقسنطينة منهم عبد القادر بن شريف و بن الشيخ لفقون، مشيرا إلى ميل الأبناء عادة إلى المجالات و التخصصات العلمية، «حيث احترفت العديد من قريباتي و أقربائي مهنة الصيدلة».و اعتبر محدثنا أن انتشار نفس المهنة في حضن و أوساط نفس العائلة الصغيرة و الكبيرة، قد يكون نابعا عن إعجاب أو استعداد بحكم أن الأطباء قد يتحدثون في الأمور العلمية لأبنائهم و يوّفرون لهم ظروف الدراسة و التفوّق و باعتبار تحصيل أعلى النتائج في البكالوريا تسمح بالتسجيل في أهم الكليات التي تفتح لهم آفاق ممارسة مهن نبيلة لها مكانة كبيرة في المجتمع، فضلا عن سهولة الحصول على مهنة خاصة إذا كان الوالد لديه عيادة أو صيدلية خاصة.و من جهته ذكر سليل عائلة بن شريف المشهورة هي الأخرى بتوارث أبنائها لمهنة الطب و الصيدلة الدكتور محمد الأمين المختص في طب العظام بأنه احترف و شقيقيه مهنة الطب ، فيما اختارت شقيقتيه مهنة الصيدلة و كما بالنسبة لعائلة بورغود لم يكن الأب هو مورث المهنة لأبنائه و إنما الإعجاب بالعم عبد القادر بن شريف الذي كان مختصا في الأمراض العقلية، كان له الأثر البارز في ذلك، مرجعا سر توجههم و ميلهم لهذه المهن دون سواها إلى الاستعداد النفسي و التحفيز من قبل الأولياء من جهة و الميل و الإعجاب و الأمل في تحقيق المكانة التي كان يتمتع بها من سبقوهم لهذا المجال.و بصيدلية سعاد عباس المنحدرة من عائلة الزعيم الوطني و السياسي فرحات عباس، أخبرنا موظف قديم بالصيدلية بأن سعاد توارتث المهنة عن والدها علاوة الذي تلقى بدوره المحل من عمه فرحات عباس الذي اشتراه من يهودي عام 1937، مشيرا إلى احتراف الكثيرين من هذه العائلة لمهنة الطب و الصيدلة أيضا، و سرد بأنه بوفاة المالك الثاني علاوة عباس، اضطرت عائلته للاستعانة بصيدلي فرنسي يدعى «جون كيتي»لإدارة الصيدلية إلى غاية تخرّج الابنة سعاد من معهد الصيدلة و حملها المشعل.مجمعات طبية عائليةميل و ممارسة الإخوة لذات المهنة أو احتراف ذات المجال شجع الكثيرين على تأسيس مجمعات طبية، فيما تجسدت الفكرة مع بعضهم الآخر وحدها، بفتحهم لعيادات في مختلف التخصصات في نفس البناية مثلما هو الحال بالنسبة لعائلة بن الشيخ لفقون بأقصى شارع العربي بن مهيدي أين يوجد نحو أربع أطباء في تخصصات مختلفة منها طب أمراض الحنجرة و الأنف ، المسالك البولية، جراحة الأسنان و أمراض النساء فضلا عن باقي المختصين الذين يحملون نفس اللقب العائلي و المتوزعين داخل و خارج قسنطينة.الدكتور عبد المجيد بن الشيخ لفقون المختص في أمراض النساء و التوليد، قال أن الوسط العائلي يلعب دورا كبيرا في اختيارات الأبناء، و اختيار مهنة الطب على سبيل المثال، يعكس سخاء و إنسانية الشخص الذي اختارها، لأنها تفرض استعدادا خاصا لمساعدة الآخر، بعيدا عن كل الامتيازات التي يظن البعض أن هذه المهنة قد توّفرها لممارسها، مؤكدا بأنه لم يفرض على أبنائه اتباع نفس المجال، لكنهم اختاروه طواعية ، فمنهم من مارس الصيدلة و منهم من اختار الطب، مشيرا بأن مهنة الطب لم تستقطب أفراد عائلته إلا خلال الثورة و بعد الاستقلال، أما من قبل فقد اشتهرت عائلته في المجال الزراعي، كما عرفت بعلمائها، مستبعدا أن يكون هدف الكسب، دافعا لاقتحام مجال الطب بالنسبة للأجيال الجديدة.و عن أقدم طبيب في عائلته قال الدكتور عبد المجيد أن قدوتهم كان عمه عبد الكريم المتوفى عام 1969و الذي دخل البيوت القسنطينية كواحد من أبرز أطباء العائلة و كانت عيادته بحي الأربعين شريفا، لكنه كان يعرض خدماته على المواطنين البسطاء و الفقراء بمقهى «القفلة».أبناء يختارون التدريس اقتداء بآبائهممن المهن التي تبدو مورثة من جيل الى آخر مهنة التدريس و التعليم، حيث يؤكد الواقع امتهان الكثير من الأبناء سيّما الفتيات لمهنة التدريس اقتداء بالأم أو الأب، مثلما حدث مع شيماء بوكرزازة التي قالت بأن والدها غرس فيها حب هذه المهنة بتفانيه و عطائه اللامحدود في تلقين الصغار القراءة و الكتابة.و تقاربت إجابة نسيمة بهلول مع إجابة شيماء(27سنة)، بخصوص الدوافع التي حفزتها لاقتحام مهنة التدريس، إلا أن قدوة نسيمة كانت والدتها التي أحيلت منذ سنوات قليلة فقط على التقاعد بعد 29سنة قضتها بين عدة مؤسسات ابتدائية ببلدية قسنطينة. الظاهرة مسجلة بكثرة أيضا بالتعليم العالي حيث تشهد عديد المعاهد و الكليات ممارسة الآباء و الأبناء لمهنة التعليم و البحث العلمي و بشكل خاص في مجال اللغات و المحاماة و حتى الشعب العلمية و التقنية.أبناء يخططون لمستقبل سهل المنالمثل الصيادلة و الأطباء الذين يحلمون بمستقبل مهني مضمون يعود الفضل في وضع لبنته الأولى للأب أو الأم من خلال امتلاك عيادة أو صيدلية، يخطط الكثير من أبناء المحامين إلى إدارة مكاتب أوليائهم أو على الأقل العمل فيها أو الحصول على فرصة التربص بكل سهولة و عن الموضوع تحدث الأستاذ مصطفى الأنور نقيب منظمة المحامين لناحية قسنطينة عن تجربته الخاصة باعتبار ابنه و ابنته اختارا نفس مجال عمله، المحاماة دون توجيه أو ضغط منه على حد تعبيره، مسرا بأن عوامل عديدة توّجه اختيارات الأبناء لاحتراف مهنة الأولياء، أهمها تفكير هؤلاء في فرص العمل و المستقبل المهني الذي قد يكون أسهل، مقارنة بمجالات أخرى قد يضطرون لمواجهة مشكلة البطالة فيها. و لم يخف محدثنا التسهيلات التي وجدها ابنيه بفضل منصبه، بما في ذلك فرصة التربص و العمل بمكتبه. كما لم يخف الأستاذ الأنور أمله في و حلمه في رؤية أبنائه يحملون المشعل عنه و يساعدانه في إدارة أعماله.و أردف الأستاذ مؤكدا توارث الكثير من أبناء المحامين مهنة المحاماة عن أبائهم، قائلا بأن عدد المحامين الذين اقتدى أبناؤهم بهم كبير و هو ما اعتبره أمرا طبيعيا و إيجابيا.فتيحة بن الشيخ لفقون مختصة في علم الاجتماعتجاوزنا مرحلة إعادة الإنتاج العائلياعتبرت الأستاذة بن الشيخ لفقون المختصة في علم الاجتماع، بأن شباب اليوم تجاوز ما يسمى بتوريث المهن، لأن الانفتاح و التطوّر و كثرة الفرص المهنية في المجالات الجديدة، جعل من الصعب على الآباء فرض سلك الطريق المهني نفسه على الأبناء.و قالت أن الظاهرة كانت مسجلة أكثر في الماضي ببعض العائلات من باب الحفاظ على امتيازات الأسرة، أو ما يسمى بإعادة الإنتاج الاقتصادي العائلي و بالتالي كان الأولياء يفرضون أو يشجعون أبناءهم على اختيار مهنة الأب أو الجد، غير أن الأمر اليوم تغيّر و بات الأبناء هم من قد يختارون مهنة الأب بدافع أو بأمل الحصول على فرصة عمل بكل سهولة و دون تعب أو بدافع الإعجاب أو تأثرا بفكرة تقديس مجال معيّن عند الآباء فيكبرون برغبة امتهان عمل العائلة من تجارة أو طب أو صيدلة أو محاماة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)