الجزائر

بين الرجاء والخوف.. عمق العلاقة بالله تعالى


  معرفة الله تعالى المعرفة اليقينية العقدية الصّحيحة، تجعل المؤمن يعيش بين طريقين متقابلين يختلفان في المضمون ويلتقيان في النتيجة، فالمؤمن يشعُر من خلال إيمانه بوجود الله وما يتّصف به من صفات الكمال المطلق بالأمان بدل الخوف، وبالأُنس بدل الوحشة، وبالمعيّة بدل الغربة، ذلك الشّعور الّذي يستصحب المؤمن في خلوته وجلوته، فيما يعترض حياته من مسرات ومضرّات يجعل المؤمن دائمًا واثقًا بربّه، متوكّلاً عليه، شاكرًا له، صابرًا محتسبًا لبلائه وامتحانه، طالبًا منه سبحانه العون والتّوفيق.
فالمؤمن يبدأ يومه ببسم الله ويختتمه بالحمد الله، ومِن ثمرات معرفته لله أنّه كلّما اقترف ذنبًا لجأ إلى الله محسنًا الظنّ فيه، طالبًا منه العفو والرّحمة، فهو سبحانه يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ويتوب على مَن تاب، قال تعالى: {إلاّ مَن تاب وآمَن وعَمِل صالحًا...}، ولِمَا رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''كان رجل يسرف على نفسه فلمّا حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مِتُّ فأحرقوني ثمّ اطحنوني ثمّ ذروني في الريح فوالله لَئِن قُدِّر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذّبه أحدًا فلمّا مات فعل به ذلك فأمَر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا ربّ أو قال: مخافتك يا ربّ فغفر له بذلك''.
ربّاه إن عظمت ذنوبي كثـرة                 فلقد علمتُ بأنّ عفوك أعظم
إنّ كان لا يرجوك إلا محسن                فبمَن يلوذ ويستجير المجرم
إنّه الشّعور بالأسى الّذي يصاحب الندم بعد الذنب، شعور بسعة رحمة الله وجميل عفوه رغم الخوف من عذابه وعقابه، وهذا هو سرّ قول الله عزّ وجلّ: {فَفِرُّوا إلَى اللهِ} الفرار من العقاب إلى مَن بيده العقاب لاعتقادك وحسن ظنّك فيه، ومِنَ الرّجاء في عفوه عنك إلى الطرف الثاني في علاقتك مع الله بالخوف من عقابه والخشية من استدراجه والحذَر من الموت على مخالفته ومعصيته، وهو ما يجعل بين المؤمن والمعصية أو الإصرار عليها سَدًّا منيعًا، إنّه الشّعور بوجود الله وعِلمه وإحاطته بكلّ شيء عنك: {ومَا تَخْفِي الصّدور}، ذلك الإحساس الّذي يجعل قلبك يخفق إيمانًا وخشية كلّما اقتربتَ مِن المعصية ليتحرّك اللِّسان قائلاً: ''إنّي أخاف الله''، وكَم هي المواقف والمواطن الّتي يحتاج فيها المؤمن إلى واعظ من نفسه يقول وبصوت خافت لا تفعل كذا.. حرام هذا.. لا تأخذ المال الحرام.. ومِن رزق واعظًا من نفسه انتصَرَ على عدوّه الأكبر، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''أخرجوا من النّار مَن ذكرني يومًا أو خافني في مقام''. وفي كلمة رقيقة تحمل معاني العظمة والرأفة معًا يُنادي ربُّ العِزَّة عبدًا مِن عباده ظنّ أن لا أحد يراه ليفعل ما يفعل: ''عبدي أجعلتني أهون النّاظرين إليك''، وهكذا إذا اجتمع الخوف من عقاب الله والرّجاء في رحمته وعفوه كان المؤمن في الطريق الصّحيح مع ربّ العالمين، روى الترمذي عن أنس: ''دخل على شاب وهُو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلاّ أعطاهُ الله ما يرجو وآمنه ممّا يخاف''.                        
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)