الجزائر

بيطاط كان أقرب للرئاسة وقد أدار صراعات السلطة بنجاح وصبر زهور ونيسي في حوار صريح ل"الفجر" الجزء الثاني



بيطاط كان أقرب للرئاسة وقد أدار صراعات السلطة بنجاح وصبر                                    زهور ونيسي في حوار صريح ل
أم كلثوم أرادت دعوة رئاسية وعائشة عبد الرحمان سجدت على تراب الجزائر
الباكس أعطى تعليمات بانتخابي في أول مجلس شعبي وطني
في هذا الجزء من الحوار، تواصل زهور ونيسي، شهادتها حول “عصر” وعهد انقضي باحتفال الجزائر بخمسين سنة على استقلالها، حيث تتوقف ونيسي عند بعض المحطات التي كانت شاهدة على كثير من الأحداث والشخصيات مثل رابح بيطاط الذي قالت أنه كان يستحق أن يكون رئيسا للجمهورية وليس فقط رئيسا للمجلس الشعبي الوطني، وقد كشفت ونيسي أنه سيّر الفترة التي تلت رحيل الرئيس بومدين بنجاح رغم الصراعات التي دارت أثناءها حول تركة الرئيس الراحل هواري بومدين.
عائشة عبد الرحمان، سجدت على أرض الجزائر وأم كلثوم رفضت الحضور بدون دعوة رئاسية، هل هذا ما جعلك تنفين صفة القومية عنها وتقولين أنها صنيعة الإشهار الإعلامي؟
هي وطنية في بلدها وربما أفق نظرتها لم يتعد مصر أو على الأكثر المشرق العربي، لأن بلدا مثل الجزائر أرجع شرف الإنسان العربي بفضل تضحيات ثورة أرض كانوا يتصورون أنها مقاطعة فرنسية، ويطرون في أغانيهم على تونس والمغرب ولا يذكرون الجزائر مخافة أن يسيئوا إلى فرنسا مثلما فعل فريد الأطرش “في بساط الريح”، بلد مثل الجزائر هز العالم الذي اعترف بعدالة قضيته وساندها فتاتي مطربة كبيرة لقبت بكوكب الشرق وتجيب عندما سئلت هل تذهبين إلى الجزائر هذه الإجابة البسيطة الهشة “أنا لا اُدعى إلا من طرف الملوك والرؤساء”، كانت بصدد الذهاب إلى شعب عظيم انمحت فيه قضية الزعامات، إذ كان هناك توجه عام بعد الاستقلال في البلد أن البطل الوحيد هو الشعب. في الوقت الذي قالت أم كلثوم هذا الكلام جاء إلى الجزائر الكثير من الفنانين والكتاب أمثال نجاح سلام من الشام ومحمد فوزي وقبلها جاءت الدكتورة عائشة عبد الرحمان وهي التي تعتبر مرجعا في الفكر، الآداب والفقه، إذ كانت أول امرة تفسر القرآن وعندما نزلت من الطائرة سجدت وقبلت تراب الجزائر وشرحت لي أغنية المرحوم عبد الرحمان عزيز “يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك”، وعبد الرحمن عزيز عندما ألف الأغنية ولحنها لم يكن يقصد ولده بل كان يقصد الهوية الوطنية للجزائر، فذكرت أنا الحادثة كظاهرة بدون أن أمس بالشخصية ومسارها وفنها، لأن هناك من الفنانين الكبار من ساعد على انتشارهم الإعلام وهو الذي يدعي أن أم كلثوم أول فنانة عربية تغني في قاعة الأولمبيا بباريس في حين هذا غير صحيح، لأن أول من دخل الأولمبياد كان عيسى الجرموني وليس أم كلثوم.
رشحتك جبهة التحرير لأول برلمان منتخب وفزت حتى بأصوات قائمة الإسلاميين وتيار الباكس، كيف كانت جبهة التحرير يومها تستوعب كل هذا الخليط وهل كانت هناك ديمقراطية داخل الحزب الواحد؟
نعم، كانت هناك فعلا ديمقراطية داخل جبهة التحرير وكنت أنا الصوت النشاز داخل الجبهة. كنا نناقش كل شيء كنا ننشط جلسة كل أربعاء حتى أننا أسميناها بحديث الأربعاء وكانت هناك لجنة الثقافة مع السيد عبد الحميد مهري رحمه الله، الأخضر الإبراهيمي وبشير خلدون ومجموعة من الإعلاميين الكبار بحيث كنا ندرس، نحلل ونناقش كل شيء. وكمديرة لمجلة للجزائرية لم تكن تصلني توجهات لا من طرف الرئيس ولا من طرف محمد شريف بن ساعديه أبدا، لأننا كنا نمارس النقد الذاتي، كنا نعرف ما يكتب وما لا يكتب.. كانت التوجيهات تنبع من أنفسنا كانت هناك ديمقراطية في الحزب، لكن لا خوف منها لأنه كان هناك حزب واحد والأغلبية هي التي تحكم في النهاية.
هل كانت جبهة التحرير مثل حزب البعث في سوريا أو العراق تنفي وتقصي المعارضين وربما تدفنهم في السجون؟
لا أبدا، وحتى الإخوان الذين كانوا ينتمون إلى هذه الأحزاب كان يشترط لدخولهم لجبهة التحرير أن ينظموا كأفراد وليس كمجموعات، بعد الاستقلال حدث الشيء نفسه.
لكن الطاهر وطار، يقول عكس ذلك في مذكراته، يقول إنه لم يستطع أن يستمر في الحزب “وحيد الخلية”؟
هذا كلام الطاهر وطار رحمه الله، لكنه غير صحيح فحزب جبهة التحرير كان يستوعب كل التيارات، فقد جاءتني مثلا مناضلة من الباكس كانت معنا في منظمة المرأة وما زلت في فرع هيئة الأمم المتحدة وهي المناضلة درية شريفاتي، أخبرتني أن تعليمات أعطيت لكل أعضاء الباكس لينتخبوا على زهور ونيسي، ونفس الشيء بالنسبة للتيار الإسلامي وإن كان أتباع هذا التيار يومها، لم يبرزوا أنفسهم بشجاعة، فوقع إجماع على زهور ونسي في القيادة. كما دافعت أيضا عن نفسي في حملة انتخابية في “حي الجبل” وقد فزت يومها بكل أصوات سكان بلكور وتفوقت حتى على المسؤول الذي تصدر القائمة.
من خلال حديثك عن رابح بيطاط الذي طلب منك تعليمه العربية، يكتشف قارئ المذكرات، أنه لم يكن ذلك الرجل الذي حمله البعض بعض مآسي المرحلة؟
عرفت رابح بيطاط كقيمة ثورية، ليس لدينا منها الكثير من حيث إيمانه بالقضايا الوطنية ومن حيث تواضعه كإنسان لا يعوض للمجلس الشعبي الوطني لخبرته السياسية وحنكته، كان يعطي راية بدون ضغط أو إملاءات، وكان دائما يختتم تدخله عندما يعطى راية فيقول “أنتم أدرى”.. بيطاط كان يمكن أن يكون رئيسا للجمهورية وليس فقط رئيس المجلس الشعبي الوطني.
ولماذا لم يكن رئيسا، إذن؟
الله أعلم ربما لعدم رغبته في ذلك، لقد كان إنسانا مسالما جدا إلى أقصى درجة.
^ ما هي نوع الصراعات التي هدد بيطاط بكشفها عبر الإعلام للرأي العام الوطني، وما هي نوعية الصراعات التي كانت تدار في الكواليس بعد رحيل بومدين “العراقيل، الأطماع، الحسابات أو الضغوط” التي أدارها رابح بيطاط، كما جاء في المذكرات؟
في وقته كانت هناك صراعات حادة على السلطة ومؤامرات وأشياء داخلية نحن كمناضلي الصفوف الأمامية لا نعرفها بالتفصيل، كان هناك تنافس حاد ورغبات في تولي منصب الرئاسة خاصة وأن الكثير من القيادات الثورية والسياسية الكبيرة كانت ما تزال موجودة وكل واحد كان يرى نفسه أحق بتسيير تركة بومدين.
قلت إن وزارة الأوقاف هي الإدارة الوحيدة التي كانت تقبل بتشغيل المعربين وباقي الإدارات، كانت تخضع لنفوذ المفرنسين “بقناعة كاملة من القادة” رغم خطبة بن بلة “نحن عرب أكثر من عشر مرات”، فمن كان يقف ضد المعربين تحديدا؟
في البداية لم يكن هناك أحد يقف لا في وجههم ولا وراءهم لأن الإدارة مفرنسة والجيل الذي تسلم الإدارة لا يعرف العربية ولا يتقنها، والتعريب أخذ وقتا طويلا.. التربص الأول الذي نظمه مهري ومحمد فارس ومجموعات أخرى.. استغرق فقط أربعين يوما في مدرسة المعلمين في بوزريعة، وأذكر أن بعض من ساهموا في التربص فيهم من كان يرسم عقارب الساعة ب13 وليس 12، لأنه يعرف فقط القرآن ولا يعرف شيئا آخر، حاولنا أن يكون الدخول المدرسي الأول جزائريا، كان تحديا رفعناه، لم نكن نريد أن يقول علينا المستعمر إنهم فشلوا في تنظيم دخول مدرسي بدوننا.. كان رهان الفرنسيين الذين غادروا الجزائر مكرهين أن تنهار البلاد بعدهم.
جاء أيضا في المذكرات، أنه “على مضض اعترفت الحكومة بالمعلمين في المدارس الحرة”، لماذا على مضض؟
نعم على مضض، في بداية الاستقلال لم تعرف الحكومة الجزائرية بالمدارس الحرة والمعلمين الذين عملوا بها إلا بعد جهد كبير و الفضل يرجع في ذلك الشيخ عبد الرحمان شيبان رحمه والمجاهد الكبير الأستاذ عبد الرحمان بن حميدة الذي كان وزيرا للتربية الوطنية وشخصيات أخرى لا أعرفها هم الذين أصروا حتى خرج المرسوم في الجريدة الرسمية وقد اعترف أيضا بمضاعفة سنوات التعليم للمجاهدين وأخذنا منحا عن ذلك.
ذكرت أن هناك من أراد الاستغلال السياسي والالتفاف على مشروع إصلاح التعليم في عهد الوزير الإبراهيمي للتقرب من السلطة، هل لك أن تعطينا أمثلة لذلك؟
لم أفصل في هذه القضية، لكن في الجلسات في اللجنة العليا لإصلاح التعليم كانت هناك قرارات لتعريب التعليم وقرار ديمقراطية التعليم وتكوين الأساتذة والتعاون مع البلدان العربية في المناهج والكتب، كانت هناك لجنة وضعت إستراتيجية للتعليم هل تصلح للمدى البعيد أو المتوسط، لا أدري لكن أولا ما طرح للدراسة كان قضية من هي الجزائر، أبعادها وهويتها وعلى أي شيء نبني التعليم، وهناك من قال في اللجنة أننا نبنيها على رجلين واحدة إسلامية وعلى أخرى اشتراكية، فتدخلت وقلت له أحد الرجلين ستكون عرجاء لأن الاشتراكية قضية سياسية تتعلق بالتسيير بينما التعليم قضية تربوية تقوم على التكوين في مختلف مجالاته وتهتم بالمناهج، التقنيات وتكوين الإنسان، وقلت يومها إننا يجب أن نؤسس لمدرسة جزائرية بإبعاد هويتها التي تبلورت فيما بعد بشكل أوضح.
لماذا رفضت عضوية لجنة إصلاح المنظومة التربوية في السنوات الأخيرة رغم خبرتك ومن اقترح عليك الأمر؟
أولا، لأنني عملت كثيرا على التربية الوطنية ومللت من هذا الملف وثانيا لأن الظروف الوطنية تغيرت كثيرا والأمور تحولت لا أقول إلى الأسوء، لكن الظروف اختلفت ومفاهيم الإصلاح أيضا تغيرت وتصورت أن صوتي سيصبح في الخلاء فرفضت.
كنت من المساهمات في تنظيم مظاهرات 1960 لكن لم نجد تفاصيل أكثر في المذكرات عن هذا الجانب؟
التحضير بدأ بأسبوع من قبل بحيث اجتمعت معلمات وطالبات مدرسة الصادقية، وكن يذهبن لمساعدة فتيات ومعلمات مركز التكوين المهني بالمدنية في تفصيل وخياطة الأعلام، بحيث قمنا بشراء الأقمشة من مختلف أنحاء العاصمة حتى لا يفتضح أمرنا وتشك فينا الإدارة الاستعمارية، ولم نخرج يومها إلى المظاهرات إلا بأعلام جديدة ولكن عند انطلاق المظاهرات حملت ألوانا مختلفة من حمل الأحمر فقط أو الأبيض فقط أو الأخضر وكما كان يقال يومها “علم أو سنجاق المهم أن نسير في المظاهرات”.
ذكرت في الكتاب أنك شعرت بالخوف عندما عرض عليك الشاذلي منصب الوزارة، لماذا؟
عندما قلت إنني شعرت بالخوف.. كان يجب أن أطرح سؤالا “الخوف ممن”؟ وفي الحقيقة أسباب الخوف كانت كثيرة إضافة لكوني لم أكن أنتظر تماما هذا المنصب وكان عملية جديدة بالنسبة للمرأة، لأن كلمة وزير كانت ثقيلة جدا وكبيرة في وقتنا، فالوزير بالنسبة للإنسان البسيط كان يعني كل شيء فهو صاحب القرارات، المثقف والحكيم الخوف قد انتابني لكن زوجي لما استشرته وهو الخبير بدواليب السياسية والقانون شجعني قال لي “إن الثورة هي التي اختارتك ويجب أن تقلبي وأنا سأساعدك وأقف بجانبك”، ومع الأيام، شحذ الطاقات، الجهد والعمل، وجدت أن العمل عادي ووجدت أنني لم أكن من أصاحب أساليب تأجيل الملفات بحيث عالجت بصبر كل الملفات التي أعطيت لي مثل ملف الضمان الاجتماعي الذي كان صعبا جدا لكن اشتغلت عليه بمساعدة أسرة الوزارة وكان من أحسن القوانين التي عرفت بالنسبة للعمال وحقق الكثير من المكاسب خاصة للفلاحين في ذلك الوقت.
حوار: زهية منصر
تطالعون في العدد القادم:
نبوءة بول بالطا التي سبقت قرار الشاذلي بن جديد
ثانوية ديكارت، حروب الكواليس وقرارات الرئاسة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)