الجزائر

بونعامة ينقلب على وفد الإليزيه ويأمر بتوقيف أعضائه



بونعامة ينقلب على وفد الإليزيه ويأمر بتوقيف أعضائه
رد سي أمحمد بونعامة على هذه المناورات كان سريعا، إذ أصدر تعليمة بتاريخ 30 جوان تدعو جميع الفصائل إلى القيام بعمليات عسكرية واسعة، لتفنيد ادعاءات العدو .

كما قام سي محمد رفقة عبد اللطيف ولخضر بورقعة وسي خالد يوم 28 جوان بزيارة القاضي وطلبوا من هذا الأخير استدراج حليم وصالح للدخول إلى الولاية الرابعة وحملوه رسالة تدعوهما للقدوم بسرعة، قام إثرها القاضي بالاتصال بصاحب حمام قبائلي لإيصال الرسالة .

لكن القوات الفرنسية تمكنت من إلقاء القبض على أحد المناضلين وهو يحمل رسالة سي أمحمد بونعامة إلى قادة المناطق تحمل أمرا بالقبض على صالح وحينها تأكد جاكين بأن سي أمحمد قد انقلب عليهم .

فسي أمحمد حينها كان قد حل مجلس الولاية وعوضه بأعضاء من رؤساء المناطق وعين عبد اللطيف عضوا في مجلس للإشراف على المنطقة الخامسة والأولى، لكن هذا الأخير لم يلبث طويلا حتى طالته التصفيات إذ انعقد اجتماع يوم 14 جويلية شرح فيه سي امحمد تفاصيل اللقاءات مع الفرنسيين وطلب من المجلس اتخاذ موقف نهائي من الموضوع، وبعد المداولات تمت إدانة عبد اللطيف بعد وصول رسالة من المخابرات موجهة إليه وقعت في أيدي المجتمعين ومما تحتويه هذه الرسالة تحذيره مما يلحق به من الأذى وتطلعه بفشل مهمة الايليزي فتم إعدامه على الفور.

العقيد جاكين من جهته تأكد بأن القضاء على سي أمحمد بونعامة أمر ضروري لاستمرار مسار الايليزي، فأعدّ خطة خبيثة مع ليجي للقضاء على سي امحمد من دون أن تظهر بصمات الجيش الفرنسي، ومضمون الخطة يكمن في الاتصال بالقاضي قدور ليقوم بدعوة سي امحمد إلى لقاء مع موفدين من الايليزي وحين يكون في الطريق يتم نصب كمين له من طرف جنود فرنسيين في زي مجاهدين، وبعد القضاء عليه يشاع بأن المجاهدين هم الذين قتلوه، وقد لقيت هذه الخطة موافقة ديغول شخصيا لكن الخطة كانت متأخرة لأن سي امحمد لن يقابل موفدي الايليزي ولا غيرهم من الفرنسيين .

وقامت القوات الفرنسية بعدها بعملية عسكرية رغم توقيف القتال من أجل القضاء على سي امحمد.

تريكو من جهته كان يسعى إلى إنقاذ صالح معتقدا بأنه لم يطلع على الانقلاب الذي وقع بالولاية الرابعة فتمت إذاعة خبر عبر الراديو مفاده انقلاب سي محمد وتصفيته لخضر بوشمع وعبد اللطيف على أمل أن يصل إلى صالح ويعرف المصير الذي ينتظره خلال العودة.


صالح في الولاية الثالثة :

حين كان سي صالح وحليم في الولاية الثالثة تلقى سي أمحمد ولحاج قائد الولاية الثالثة رسالة من امحمد بونعامة تتضمن تحذيرا من التعامل مع الرجلين وتناشده الحفاظ على سلامتهما حتى يعودا إلى الرابعة.

بعض المصادر تفيد بأن بونعامة طلب من محمد ولحاج تصفيتهما لتفادي الحساسيات بين العرب والقبائل بحكم انتماء صالح إلى منطقة القبائل لكن محمد ولحاج رد على بونعامة برسالة جاء فيها "إن الجريمة التي قام بها سي صالح جد أليمة وإن ما قاموا به يتجاوز صلاحيات ولايتهم .. لقد استقبلناهم كإخوة .. ولما كشفوا عن المسار الذي انتهجوه، كتمت تذمري وغيضي ولم أتصرف بخشونة لتفادي تداعيات ذلك على علاقتنا بولايتكم .. واستطعت إقناعهم بالعدول عن طريق الخيانة وأخبرت الخارج بهذا الموضوع الذي يكتسي أهمية خطيرة .. ".

محتوى المحادثات التي جرت بين قادة الثالثة وصالح ورفيقه يكشفها صالح مكاشر الذي كان كاتبا بالولاية الثالثة وتولى تحريرها بالآلة الراقنة بعد رحيل صالح وحليم، حيث جاء في التقرير، قام صالح بتشريح الوضع المزري الذي تعيشه الرابعة والمشاكل التي تعيشها ومنها الخسائر البشرية التي منيت بها جراء عملية "لابلويت" وعملية شال وانعدام التعاون بين الداخل والخارج ... ورأى صالح في ذلك تعمدا يهدف إلى إضعاف وإبادة قوات الداخل، كانت هذه الخطوط العريضة للمحادثات خلال الثلاثة أيام الأولى .

بعدها وفي اليوم الرابع كشف صالح عن تنقله إلى الايليزي ولقائه مع ديغول وانتقد تماطل الحكومة المؤقتة في الاستجابة لخطابه حول تقرير المصير، وأضاف صالح بأنه جاء موفدا من ديغول إلى الولاية الثالثة.

لم يكشف صالح الأمور العسكرية التي تحيط بالعملية ولم يتحدث عن اتفاق توقيف القتال الذي اتفق فيه مع الجنرال قراسو . كما لم يكشف عن الاتصالات الأولى التي جرت مع السلطات الفرنسية في مارس ... ولم يذكر بأن المصالح السرية الفرنسة التي تراقب العملية بأنها حملته إلى منطقة عزراڤة. هذه المصالح التي يقودها جورج بواسو والعقيد جاكين وقد علمنا فيما بعد حسب مكاشر بأن مسبلي منطقة تيمرزوق قد ضحوا بحياتهم من أجل عدم البوح بمكان صالح ورفقائه، حين كانت القوات الفرنسية تريد الوصول إليهم (لإنقاذهم من سي محمد).

وخلال نفس المحضر أعلن سي امحمد ولحاج ولاءه للحكومة المؤقتة ولكريم بلقاسم .


عودة بن الشريف إلى الرابعة في الوقت الضائع:

إن كانت بعض المصادر الفرنسية تقول بأن الحكومة المؤقتة كانت على اطلاع بمجريات الاتصالات الأولى التي كانت تجري بالمدية بين قادة الرابعة والفرنسيين، وقد أخبرت بواسطة الوزير ايدمون مشيلي الذي أخبر كريم بلقاسم الذي كانت له اتصالات معه بواسطة سفارة فرنسا وبمصر وتونس ولما علمت الحكومة المؤقتة بأمر الاتصالات أوفدت بن الشريف إلى الرابعة، فدخل الجزائر يوم 20 ماي بهوية مزورة وبواسطة الطائرة.

لكن الوقائع والشهادات تفند كل ذلك، بن الشريف ذاته يقول بأنه جاء إلى الجزائر إثر قرار تم اتخاذه خلال انعقاد المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي انعقد في 16 ديسمبر 1959 حين تقرر عودة القادة المتواجدين بتونس إلى ولاياتهم ومنهم لطفي إلى الولاية الخامسة والزبيري إلى الأولى .

وعن كيفية دخول بن الشريف فقد قام هذا الأخير باجتياز خط موريس المكهرب في شهر فيفري ووصل إلى الرابعة في 20 يوليو، أما لخضر بورقعة فيؤكد وصوله في 16 سبتمبر 1960 ويبقى المؤكد بالنسبة للحكومة المؤقتة عدم اطلاعها على الأمر، وهو الذي يؤكده سعد دحلب وحتى رضا مالك بل بن الشريف ذاته لا يشير إلى ذلك صراحة.


استشهاد سي صالح

في نهاية أوت 1960 عاد صالح وحليم إلى الولاية الرابعة وحينها كانت لجنة التنسيق التي أنشأها سي محمد بونعامة قد حُلّت، ليتم بعدها تشكيل مجلس الولاية من سي محمد وأحمد بن الشريف، يوسف الخطيب، والطيب بولخروف، وبمجرد وصول حليم إلى مقر الولاية الرابعة تم إعدامه دون محاكمة.

أما بالنسبة لسي صالح الذي يحمل رتبة رائد وعضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية، فحسب بن الشريف لقد تمت محاكمته وأدين بالإجماع لكن بن الشريف عارضهم لكي لا يمنح فرصة للمكتب الخامس والمصالح البسيكولوجية للادعاء بأنه قام بإعدام صالح ليأخذ مكانه، ويضيف بأنه استطاع إقناع القيادة بإرساله إلى القيادة العامة للجيش، وتم إعداد ملف وأرسل إلى الحكومة المؤقتة .

مصادر أخرى تفيد بأن سي أمحمد استأذن الحكومة المؤقتة في محاكمة صالح لكن فرحات عباس رفض وطلب إرساله إلى الحكومة المؤقتة ليشرح القضية أمام الحكومة.

بقي سي صالح في الولاية الرابعة والسلاح بيده إلى غاية جوان 1961 أي ما يربو عن السنة وهي مدة لم نجد لها تفسيرا في سائر المذكرات .

في جوان 1961 تقرر إرسال سي صالح إلى تونس وحسب مراسلة من الحكومة المؤقتة بتاريخ 12 جوان 1961 فإن قرار إرساله إلى الخارج جاء كرد على مراسلة من قيادة الرابعة بتاريخ 2 ماي 1961 . جاء فيها بأن الحكومة المؤقتة تطلب منكم قبلها إرسال صالح إلى الخارج وقد أكد ذلك فرحات عباس خلال اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بتاريخ 15 أوت، إذ أعلن بأنه تلقى رسالة من سي محمد ورد عليه فرحات بإرسال صالح إلى تونس.

يوم 20 جويلية 1961 كان سي صالح في طريقه إلى تونس محاطا بمجموعة من المجاهدين وما أن وصلوا إلى منطقة مايو بالولاية الثالثة حتى وقعوا في كمين، ليستشهد سي صالح رفقة زملائه وأذيع عبر الدايو يوم 21 جويلية.

صالح قبل استشهاده كان قد أصيب إصابة بلغية وألقي القبض عليه حيا، فأمر العقيد جاكين بقتله فورا. لأن ديغول حين علم بفشل مناوراته أعطى أوامر بتصفية كل شهود قضية الإيليزي من المجاهدين.

ظروف استشهاد صالح ورفقائه تبقى محل تشكيك عند البعض، لكن الجنرال هيبلوفي في تقرير مؤرخ بتاريخ 23 جويلية 1961 يكشف من خلاله بأن قائد القطاع العسكري بالبويرة عقب فرار ثلاثة حركى بأسلحتهم، قام بنصب كمائن لإلقاء القبض عليهم، وفي أحد الكمائن تم رصد مجموعة من 15 مجاهدا فتم قتل 3 منهم في حين احتمى الباقي بالغابة ليتم محاصرتهم وبعد اشتباك إطلاق النار تم القضاء عليهم، وعند تحديد الهوية تم التعرف على جثة سي صالح وعثر في جيبه على رخصة مرور ممضاة من طرف سي أمحمد بونعامة.


استشهاد سي محمد بونعامة

أسبوعان بعد استشهاد سي صالح، حين كان سي محمد متواجدا في بيت أحد المناضلين يسمى النعيمي بالبليدة ومعه جهاز اتصال لاسلكي، قام باستعماله مما مكن القوات الفرنسية من تحديد مكانه يوم 6 أوت، لكن القوات الفرنسية لم تغامر بجنودها المتواجدين بالبليدة فقامت بجلب فرقة خاصة من كوموندو الصاعقة 11 بقيادة النقيب بريقيو أحد محاربي الهند الصينية، وتمت محاصرة المنزل يوم 8 أوت وبعد اشتباك عنيف استشهد سي أمحمد بونعامة ومن معه وأصيب النقيب بريقو إصابة بليغة .

وإذا كانت هذه الرواية هي الراجحة في الوصول إلى سي أمحمد فإن النقيب كريمي المدعو مراد وهو من ضباط الرابعة، يعتقد بأن سي أمحمد استدرج من طرف محيطه بهدف التنصل من المسؤولية في قضية الإيليزى وتحميل رفقائه المسؤولية وحدهم، ويضيف بأن مصير جثته لازال مجهولا إلى الآن .


يطالب بها التاريخ

لازالت هناك العديد من نقاط الظل في قضية الإيليزي والتاريخ وحده كفيل بالكشف عنها، ومن أبرزها ما كشف عنه القاضي المارغي حين نشر رسالة لسي أمحمد مؤرخة بتاريخ: 3 أفريل 1961 يطلب منه ربط اتصالات له مع رئيس الدائرة، مضيفا بأنه يعتمد عليه في هذا المسعى خدمة لمصلحة الأمة، وفي نفس الرسالة يحذر بونعامة من مؤامرة العدو الذي يهدف إلى زرع الشك في صفوفنا؟ إن صدقت الرسالة ما الهدف من إعادة ربط الاتصالات مع الفرنسيين؟ بعد أن تم قطع دابر قضية الايليزي.

وهناك برقية أخرى نشرها حربي في كتاب "جبهة التحرير تاريخ ووثائق" ممضاة من طرف بن الشريف مؤرخة بتاريخ 24 أكتوبر 1960 ، وهي موجهة إلى فرحات عباس جاء فيها : أطلب منكم ولآخر مرة باسم الشعب وجيش التحرير استئناف المفاوضات مع الحكومة الفرنسية لإيجاد حل للمأساة الجزائرية .....الولاية الرابعة بإمكانها أن تتولى تشكيل هيئة عليا في الداخل عبر التراب الوطني لتقوم بالحديث مع الجنرال ديغول حول مستقبل الجزائر، وأكرر للمرة الثانية بأن الضمير يحملني على الحديث بهذه اللغة وأخشي أن تكونوا جاهلين بما يحدث بالجزائر، ولكم أن تقرروا قبل أن يفوت الأوان، وفي حالة العكس لا أتحمل أية مسؤولية" وطلب من الشريف إيصال البرقية إلى بومدين شخصيا .

وإذا صدقت البرقية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا أعدم رفقاء صالح؟ بسبب لقائهم مع ديغول؟.


ومع ذلك شهـــداء

ومهما كان الأمر فإن المغامرة التي قام بها قادة الرابعة تعتبر اجتهادا خاطئا وخروجا عن الصف الوطني، أملته عليهم الظروف التي عايشوها بالقول ... من "الشعور باليأس وتنامي الشك في قيادات الخارج وهو ما ترجمه محضر بتاريخ 9 سبتمر 1960 أعده النقيب إلياس الذي كشف فيه عن "ما صرح به عبد اللطيف قبل تصفيته حين قال إن قيادة الخارج مخترقة من طرف العديد من الخونة في سنة 1956 تم اعتقال بن بلة وإخوانه بناء على وشاية من الخارج".

عميروش والحواس تم استدعاؤهم لاغتيالهما ... قادة الخارج رفضوا اعتقال أوصديق المسؤول عن المؤامرة بالرابعة، بل تم تعيينه كاتبا للدولة ثم سفيرا.

بومدين مسؤول عن سرقة 17000 قطعة سلاح موجهة للرابعة .. الجنود المتواجدون بالخارج يؤازرون الحكومة المؤقتة ويشكلون قوة للاعتماد عليها .

بعد توقيف القتال للسيطرة على الداخل ليصبحوا هم المسؤولين عن الثورة ويمثلون الشعب".

للموضوع مراجع



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)